بكين 28 مارس 2018 / يستمر المصريون اليوم (الأربعاء) في الإدلاء بأصواتهم في يوم الاقتراع الثالث من انتخابات الرئاسة التي تجرى على مدار ثلاثة أيام ويتنافس فيها كل من الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى، وسط دعوات إلى أهمية المشاركة القوية والكثيفة في هذا الاستحقاق الرئاسي المهم، كون هذه المشاركة تبعث برسالة مفادها إن مصر تنعم بالاستقرار وستواصل السير على الدرب نحو التنمية رغم الصعوبات.
وكان السيسي قد فاز بأول ولاية رئاسية له في عام 2014، حيث تنافس مع السياسي حمدين صباحي في الانتخابات التي جرت بعد نحو عام من عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي إثر مظاهرات عارمة طالبت برحيله عن الحكم، وفاز السيسي بنسبة 96.91% من الأصوات خلال الانتخابات الماضية.
وفي الواقع، يتابع الخبراء الصينيون المتخصصون في شؤون الشرق الأوسط عن كثب العملية الانتخابية التي تشهدها مصر حاليا وقالوا إن احتمالية فوز السيسي بفترة رئاسية ثانية كبيرة، وذلك بفضل ارتفاع شعبيته بين المواطنين المصريين نظرا لما بُذل خلال فترته الرئاسية الأولى من جهود وسط ظروف استثنائية وصعبة من أجل تحقيق عدة أهداف من بينها على سبيل المثال لا الحصر دفع تعافي الاقتصاد المصري ومكافحة الإرهاب، مشيرين إلى أنه حال انتخابه، سيتعمق التعاون الصيني - المصري ويتجه إلى آفاق أرحب.
-- توقعات كبيرة بفوز السيسي
سلط تشاو جون الباحث في معهد دراسات شؤون الشرق الأوسط بجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي الضوء على الجانب المنافس للسيسي، قائلا إن هناك بعض أحزاب المعارضة في مصر، لكن ليس لها تأثير ملموس ولا أساس شعبي واسع، بالإضافة إلى وجود تناقضات مختلفة داخل هذه الأحزاب، ومن ثم لا تستطيع أن تؤثر على الانتخابات بشكل كبير.
أما السيسي فهو يحظى بتأييد واسع في المجتمع المصري، هكذا قال تشاو، موضحا أن السيسي ينال من ناحية دعم أحزاب مصرية رئيسية مثل حزب المصريين الأحرار أكبر حزب في البرلمان المصري، ويؤيده من ناحية أخرى الناخبون الشباب والنساء على نطاق واسع حيث اكتسب فيلم "1095 مصر"، الذي تناول إنجازات الشعب المصري في ثلاث سنوات، شعبية كبيرة بين الشباب المصري وتعززت مكانة السيسي بصورة أكبر في قلوب المصريات مع إعلانه 2017 "عام المرأة المصرية"، كما أفاد تقرير نشر على شبكة للتواصل الاجتماعي في الشرق الأوسط بأن نسبة تأييد انتخاب السيسي لفترة رئاسية ثانية تصل إلى 61 في المائة.
وفي مجال مكافحة الإرهاب وخاصة العملية الشاملة التي يشنها الجيش المصري حاليا لتطهير البلاد من هذا الخطر، أشار سون ده قانغ الباحث بمعهد دراسات شؤون الشرق الأوسط بجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي إلى أن السيسي وجه ضربات شديدة لفروع تنظيم داعش مثل "أنصار بيت المقدس" للحيلولة دون قيام داعش بإقامة معقل له في سيناء.
وشاطره الرأي هان بينغ المستشار الاقتصادي والتجاري بسفارة الصين في القاهرة، قائلا إنه رغم وقوع هجمات إرهابية في مصر مؤخرا، إلا أنها لم تؤثر على الاستقرار الاجتماعي بل بالعكس عززت التضامن بين الحكومة والشعب المصري لمواجهة الإرهاب وهذا يزيد بدوره من الثقة في بناء الدولة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، ذكر هان بينغ أن السيسي اتخذ خطوات ملموسة وكبيرة لدفع التنمية الاقتصادية، حيث دخلت مشروعات قومية ضخمة في مصر حيز التنفيذ خلال السنوات الماضية، بما فيها مشروع تنمية محور قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة وكذا سلسلة من مشروعات الطاقة التي شملت الكهرباء وساهمت مساهمة كبيرة في حل مشكلة نقص إمدادات الكهرباء، فضلا عن موافقة الحكومة المصرية على قانون الاستثمار الجديد الذي يساعد بشكل كبير على تهيئة مناخ جاذب للاستثمارات الأجنبية.
ولفت على وجه التحديد إلى تحسن واضح في مؤشرات الاقتصاد الكلي عقب اعتماد مصر لإجراءات الإصلاح الاقتصادي بما فيها تحرير سعر صرف الجنيه في عام 2016، مضيفا أن ثقة المجتمع الدولي في التنمية المصرية صارت أقوى فأقوى.
أما على الصعيد الدبلوماسي، فقد أشار سون ده قانغ إلى أن الدبلوماسية النشطة التي انتهجها السيسي خلال فترته الرئاسية الأولى أعطت دفعة كبيرة للعلاقات مع الصين والولايات المتحدة وروسيا والهند والدول الأوروبية وكذا دول العالم العربي والشرق الأوسط، ما خلق بيئة خارجية جيدة لإجراء الإصلاحات داخل البلاد.
-- توقعات بتعاون ثنائي أرحب
وعند استشرافه مستقبل التعاون الصيني- المصري، ذكر سون ده قانغ أن مبادرة "الحزام والطريق" التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013 وبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طرحه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في عام 2016 سيكون بينهما المزيد من نقاط الالتقاء المشتركة حال انتخاب السيسي، مشيرا أيضا إلى وجود توافق كبير في الرؤي بين البلدين حيث تقومان بإصلاحات داخلية وبالانفتاح على الخارج، كما تضع الحكومة الصينية دفع التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي في صدارة أولوياتها، وبالمثل تفعل مصر وتبذل جهودا في هذا الصدد تحت رئاسة السيسي.
وفي الواقع، شهدت الصين ومصر تبادلات متكررة للزيارات رفيعة المستوى في السنوات الماضية. فقد قام السيسي بزيارة دولة للصين في ديسمبر 2014، ثم زار بكين في سبتمبر 2015 لحضور العرض العسكري بمناسبة الذكرى الـ70 للانتصار في الحرب العالمية الثانية. كما وصل إلى الصين في سبتمبر 2016 لحضور قمة مجموعة العشرين بهانغتشو. كما قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة تاريخية لمصر في مطلع عام 2016، بالإضافة إلى لقائين بين شي والسيسي في موسكو عام 2015 وعلى هامش قمة بريكس عام 2017 في مدينة شيامن الساحلية بجنوب شرقي الصين، وهو ما يظهر متانة العلاقات بين البلدين والاهتمام المتبادل بتطويرها.
وفي ظل هذا، أوضح سون أنه حال فوز السيسي في الانتخابات، ستظل الصين ومصر بالنسبة لبعضهما البعض الشريك السياسي والاقتصادي الأهم في منطقتهما.
ولفت إلى أنه في عام 2017 احتل حجم إنتاج مصنع شركة جوشي الصينية المحدودة في مصر من الفايبر جلاس المرتبة الثالثة عالميا؛ وإلى أن الصين ستشارك مستقبلا بصورة كبيرة في بناء البنى التحتية مثل الموانيء والطرق وغيرها بمصر، لتصبح مصر جسرا يربط بين تنمية الصين وعلاقاتها التجارية مع العالم العربي ودول البحر المتوسط وإفريقيا.
ومن جانبه، ذكر هان بينغ أنه خلال الفترة الرئاسية الأولى للسيسي، شهد التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين فترات مليئة بالفرص وخاصة بعد الارتقاء بالعلاقات بين البلدين إلى علاقات شراكة إستراتيجية شاملة، كما فازت بعض الشركات الصينية مثل شركة الكهرباء الحكومية الصينية وشركة البناء الحكومية الصينية والشركة المحدودة الصينية للسكك الحديدية بمشروعات كبيرة في مصر، بما في ذلك بناء منطقة الأعمال المركزية للعاصمة الإدارية الجديدة.
ونوه هان بينغ إلى أنه بالإضافة إلى تنمية منطقة تيدا السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري التي تعد نموذجا جيدا للتعاون بين الدولتين، وقعت الصين العديد من الاتفاقيات مع المؤسسات المالية المصرية. علاوة على ذلك، شهد التعاون بين البلدين في مجال السياحة قفزة كبيرة حيث زادت حماسة الصينيين للسفر إلى مصر في السنوات الثلاث الماضية بنسبة كبيرة بلغت 145 في المائة.