اعترفت إسرائيل لأول مرة يوم 21 مارس الجاري أنها نفذت ضربة جوية ضد "مفاعل نووي" سوري عام 2007، وهذا أدى الى خروج سر 11 سنة الى العلن. كما انتهزت اسرائيل الفرصة لإصدار رسالة تحذير لخصومها بعدم السماح لهم بتهديد بقائها وسلامتها.
لماذا بقيت إسرائيل متكتمة طيلة أكثر من عشر سنوات عن الضربة الجوية ضد " مفاعل نووي “سوري؟
وفقا لتقرير نشرته "هآرتس" الإسرائيلي، بدأت وزارة الدفاع الاسرائيلية تلاحظ وجود مبنى كبير مربع تحت الانشاء في الصحراء ليست بعيدة عن محافظة دير الزور شرقي سوريا بحلول نهاية عام 2006. وفي مارس عام 2007، بدأت تشك في امكانية وجود مفاعل نووي تحت سقف المبنى الكبير، ويمكن تشغيله في نهاية العام.
وفي منتصف الليل من 5 إلى 6 سبتمبر، شن الجيش الاسرائيلي غارة جوية مثيرة على الموقع استغرقت أربع ساعات وبمشاركة أربع مقاتلات من طراز F-15 وأربع مقاتلات من طراز F-16 قامت بإلقاء الذخائر على الموقع الذي أصيب بشلل تام وضرر لا رجعة فيه.
وقد كشف الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في مذكراته التي نشرت في عام 2010 عن أن إسرائيل قررت ان تهاجم المقر بنفسها بعدما رفضت الولايات المتحدة طلبها في ان تقوم بذلك. وأن اعترافات بوش الابن مماثلة لبيان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق عمير بيرتس.
ولكن، اسرائيل لم تعترف بذلك بالرغم من ظهور تقارير دولية تشير مباشرة الى ان اسرائيل وراء الكواليس. ووفقا للتقارير، علمت وكالات الاستخبارات في جميع انحاء العالم هذا الأمر باكرا، إلا انها لم تحصل على تأكيد من قبل الجانب الاسرائيلي، ما جعله يبقى سرا محفوظا. لكن الان بعد مرور أكثر من عشر سنوات، رفعت اسرائيل حظر الرقابة وابلغت وسائل الاعلام عن الامر الذي كان يعتبر سرا سابقا.
وكشف الجيش الاسرائيلي عن تفاصيل العملية التي أطلق عليها اسم "خارج الصندوق". وذكرت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية أن هذه العملية تعتبر واحدة من العمليات العسكرية الاكثر نجاحا في اسرائيل. ومن المنظور الاسرائيلي، فإن الضربة الجوية لم تدمر "المفاعل النووي" السوري فحسب، وانما عززت الردع الاقليمي لإسرائيل ايضا.
وفقًا للتقارير، تتمثل الشخصيات المشاركة في هذا الاجراء في رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، ورئيس الوزراء وزير الدفاع الاسرائيلي الأسبق إيهود باراك، ورئيس جهاز المخابرات والخدمات السرية "الموساد" الأسبق مئير داغان، واليعازر شكيدي الذي كان قائدا للقوات الجوية الإسرائيلية آنذاك.
لماذا اختارت إسرائيل هذا التوقيت بذات لكشف سر بقيت مكتومة عليه أكثر من عشر سنوات؟
هناك العديد من التكهنات حول سبب "اعتراف" اسرائيل بالضربة الجوية التي شنتها ضد" مفاعل النووي " السوري في هذا التوقيت بذات. وتتوقع أحد التخمينات أن الكشف عن السر قد يساعد بعض الشخصيات المهمة، على وجه الخصوص، استعادة سمعة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهود أولمرت الذي سيصف هذا الاجراء في مذكرته التي سينشرها مؤخرا. كما يتوقع ان يذكر إيهود باراك الحادثة ايضا في مذكراته التي ستنشر في مايو المقبل. ومن المحتمل أن تذكر قصتين مختلفتين حول نفس الموضوع. حيث ان اولمرت أٌتهم بضعف القيادة في الاشتباكات العسكرية بين اسرائيل وحزب الله اللبناني في عام 2006. كما اضطر اولمرت بالاستقالة في عام 2008 لاتهامه بالفساد. وفي عام 2014، حكمت المحكمة الإسرائيلية على اولمرت بعقوبة السجن بعد إدانته بالرشوة.
أطلق سراح ايهود أولمرت من السجن في العام الماضي، ونشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية بعض مقتطفات من الكتاب الجديد مؤخرا، تبين اتهام إيهود باراك بمحاولة تأجيل الهجوم على المفاعل النووي، والانتظار حتى يصبح "حارا" او بدأ العمل. وكانت العملية قد تؤدي الى انتشار التلوث الاشعاعي في ذلك الوقت. وقال إيهود باراك في مقابلة صحفية انه يريد التأكد من ان العملية قد رتبت بشكل صحيح.
ما هو المغزى من كشف إسرائيل العملية في الوقت الراهن؟
يتوقع تخمين آخر أن كشف اسرائيل سر الضربة الجوية ضد " مفاعل نووي " سوري في هذا التوقيت بذات قد يكون رسالة تحذيرية لإيران المعادية لها. حيث يستمر تصاعد التوتر بين اسرائيل وإيران بسبب القضية النووية الايرانية. وأعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب في يناير من هذا العام أنها " المرة الاخيرة" التي سيتم فيها التمديد لإعفاء من العقوبات على إيران المتعلقة بالقضية النووية. وفي مايو، ستشهد القضية النووية الايرانية مرة اخرى قرارا مصيريا.
يمكن لإيران أن تستأنف أنشطة تخصيب اليورانيوم بعد الموعد النهائي الذي حدده الاتفاق، وهذا يعني أن "استرخاء إيران جزئيا من قيود تخصيب اليورانيوم منذ عام 2025" يمثل مشكلة رئيسية لإسرائيل. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما زار الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر أن مواجهة التهديد الإيراني هدف مشترك لإسرائيل وبلدان أخرى في الشرق الأوسط. لذلك، يفيد أحد التقارير بأن إسرائيل توضح موقفها تجاه إيران لترامب. بالإضافة الى ذلك، أعلنت إسرائيل مرارا وتكرارا انها ستتخذ إجراءات لاحتواء إيران التي تتوسع نفوذها في سوريا. وذكر الجيش الإسرائيلي الشهر الماضي أنه اعترض لطائرة إيرانية من دون طيار، أُطلقت من سوريا واخترقت المجال الجوي لمنطقة تسيطر عليها إسرائيل، وان الجيش الإسرائيلي أرسل عدة طائرات مقاتلة لتنفيذ غارات جوية على منشآت عسكرية إيرانية في سوريا. وتبدو ان العلاقات الإسرائيلية الإيرانية مليئة بالبارود.
ويعتقد المحللون ان اسرائيل لم تحاول اظهار قوتها فحسب، وإنما اظهرت امكانية هجومها مرة اخرى ضد خصومهم الذين يهددون امنها ايضا. وقال نتنياهو يوم الاربعاء، أن اسرائيل مصممة على منع امتلاك اعدائها للأسلحة النووية. وفي نفس اليوم، قال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أن الضربة الجوية التي شنتها إسرائيل في عام 2007 ضد " مفاعل النووي" السوري يجب ان يكون درسا للمنطقة بالكامل.