أوقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برنامجا سريا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه) وهو قائم منذ أربع سنوات ومعني بتدريب وتسليح فصائل المعارضة السورية وذلك حسبما أفاد تقرير نشرته صحيفة ((واشنطن بوست)) الأمريكية مؤخرا ورفض البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية التعليق عليه.
وبدورهم، أعرب خبراء صينيون عن اعتقادهم بأن هذا التقرير، إن كان صحيحا، يحمل في طياته دلالة على رغبة الولايات المتحدة في تحسين علاقاتها مع روسيا بتقديمها لتنازل كهذا، لكنهم ألمحوا إلى أن إيقاف البرنامج لا يعني تخلي واشنطن عن المعارضة السورية تماما،"إذ قد يتحول الاهتمام الأمريكي إلى الصعيد السياسي وصعيد القانون الدولي في الأزمة السورية".
وقال لي هاو، الخبير في الشؤون الدولية والأستاذ في كلية العلاقات الدولية بجامعة سيتشوان الصينية، إن ترامب يعبر من خلال قراره إنهاء هذا البرنامج عن رغبته في التعاون مع روسيا ليؤشر ذلك على احتمالية ظهور بوادر على تحسن في العلاقات بين واشنطن وموسكو التي شهدت تدهورا في السنوات الأخيرة، مضيفا أنه يعتبر ذلك "تنازلا كبيرا" من جانب إدارة ترامب.
وكان ترامب قد التقى نظيره الروسي فلاديمير بوتين لأول مرة بعد توليه مهام منصب الرئاسة على هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا في 7 يوليو، وبعد ذلك توصلت الولايات المتحدة وروسيا والأردن إلى اتفاق لوقف إطلاق النار جنوب غربي سوريا ودخل حيز التنفيذ في 9 يوليو.
وبشأن ما ذكره تقرير ((واشنطن بوست)) بأن برنامج وكالة الاستخبارات المركزية الذي بدأ في عام 2013 جاء في إطار جهود إدارة الرئيس السابق باراك أوباما للإطاحة بالحكومة السورية، أوضح لي هاو أن "الولايات المتحدة باتت في سياستها تجاه سوريا الآن تضع مسألة مكافحة الإرهاب في أولى اعتباراتها ولم تعد تعتمد في تنفيذ رغبتها في إسقاط الحكومة السورية بشكل مباشر على قوات المعارضة السورية"، مضيفا أن "إيقاف إدارة ترامب لهذا البرنامج السري لا يقصد منه سوى تخليها عن إسقاط الحكومة السورية عسكريا دون أن يعني قبولها نظام الأسد على المدى الطويل، حيث قد تنتقل المعركة إلى الصعيد السياسي وصعيد القانون الدولي".
ومن جانبه، أشار تيان ون لين الباحث بمعهد الصين للدراسات الدولية المعاصرة إلى أن ترامب أوقف البرنامج لأن تأثيره محدود، حيث لم تتمكن المعارضة السورية من تحقيق اختراقات كبيرة في ساحات المعارك على مدى سنوات بسبب وجود خلافات بين فصائل المعارضة وتهميش المعارضة تدريجيا ولاسيما بعد الإجراءات الروسية في عام 2015 بشأن الأزمة السورية، مضيفا أن أكثر ما يزعج أمريكا هي تلك التقارير الإعلامية التي تفيد بأن بعض فصائل المعارضة المسلحة انضمت إلى تنظيم داعش وأن بعض الأسلحة الأمريكية تسقط في أيادي مقاتلي هذا التنظيم.
وفي هذا الصدد، ذكر الخبير لي هاو أنه بعد الإجراءات الروسية تجاه الأزمة السورية، صارت لقوات الحكومة السورية اليد العليا في المعارك ضد مقاتلي المعارضة الذين فقدوا القدرة على التأثير على الأوضاع العامة، مشيرا إلى أن المعارضة لا يمكن أن تحدث تحولا في هذا الصدد إلا إذا غيرت أمريكا سياساتها وقدمت دعما كاملا لها، ولكن هذا أمر مستحيل، لأن تقديم دعم واسع النطاق للمعارضة أو حتى الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا مسألة لا تتوافق إطلاقا مع السياسة التي تنتهجها إدارة ترامب إزاء القضية السورية.
ومن ثم، فإنه عن أخذ الأوضاع الجارية في الاعتبار، يمكن القول إن روسيا نالت ثقة الحكومة السورية الحالية، ولكن القضايا المتعلقة بالحرب على الإرهاب ووضع الخارطة السياسية وإتمام عملية إعادة الإعمار لا تزال جميعا عالقة ولا يعرف حتى الآن ماذا ستؤول إليه.
وحول ما أوردته صحيفة ((واشنطن بوست)) أيضا بأن قرار ترامب إيقاف البرنامج لا يؤثر على المشروع الآخر الذي تدعم فيه الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية - التي يشكل الأكراد غالبيتها - في قتالها لتنظيم داعش، علق تيان ون لين على ذلك قائلا إن ذلك يرجع إلى أن قوات سوريا الديمقراطية التي تحظى بدعم البنتاغون تعد قوة قوية في المعارك ضد داعش حيث تساهم في تنفيذ سياسة ترامب بشأن مكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.
وشاطره الرأى لي هاو، موضحا أن "إدارة ترامب تعتمد من الناحية الإستراتيجية على ثلاثة أطراف في سوريا، أولها التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب وثانيها قوات سوريا الديمقراطية وثالثها المعارضة المعتدلة، حيث يكافح كلا من التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية داعش، فيما تقاتل الأخيرة قوات الحكومة؛ ومع تطور الأوضاع في سوريا، تحولت دفة السياسات الأمريكية إلى مكافحة داعش وباتت واشنطن تأخذ في اعتبارها التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية بصورة أكبر وأكبر".
وأعرب لي هاو عن اعتقاده بأن إيقاف البرنامج المعني بتسليح فصائل المعارضة السورية وتدريبها لا يهدف في الواقع إلى التخلي عنها، مضيفا أن خير دليل على ذلك هو أن الولايات المتحدة فكرت مليا في إبقاء المعارضة "على قيد الحياة" وهي توافق على منطقة خفض التصعيد ووقف إطلاق النار في جنوب غربي سوريا.