أنهى وزير الخارجية الأمريكي ركس تيلرسون في 13 يوليو الجاري جولة في الشرق الأوسط استغرقت 4 أيام عائدا إلى واشنطن. ورغم أن الأزمة الدبلوماسية الخليجية لم تشهد منعرجا إلى الآن، لكن تيلرسون أشار إلى أن الأطراف المقاطعة لقطر باتت على استعداد للجلوس على طاولة المفاوضات، وأن الوضع بدأ يتطور نحو إتجاه ايجابي.
وكان تيلرسون قد إلتقى في ذات اليوم أمير قطر تميم في الدوحة قبل أن يعود إلى بلاده. وقبل مغادرته الدوحة أعرب وزير الخارجية الأمريكي لوسائل الإعلام عن محادثاته مع أطراف الأزمة كانت إيجابية، وقال بأن أمريكا ستبذل المزيد من الجهود في هذا الجانب، وأن زيارته قد جلبت تغيرا ايجابيا في مواقف مختلف الأطراف.
وصل تيلرسون إلى الكويت في 10 يوليو الجاري، وقام بإجراء اتصالات مكثفة مع الجانبين القطري والسعودي. وبعد أن أمضى مع الجانب القطري على مذكرة لمقاومة الإرهاب في 11 يوليو، تحول في 12 يوليو إلى مدينة جدة السعودية للقاء الملك السعودي وولي العهد. كما أجرى اجتماعا مغلقا مع وزراء خارجية الدول الأربعة المقاطعة. لكن إلى الآن، لم يجري أيا من أطراف الأزمة تنازلا ملموسا بإتجاه حلحلة الأزمة.
قبل ذلك، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد صرح في تدوينة على تويتر بأنه على صلة بالعزلة التي فرضتها السعودية على قطر. وهو مايعكس بأن الموقف الأمريكي قد تغير من "النفخ على النار" إلى الوساطة في حل الأزمة. فماهي الحسابات الأمريكية التي تختبؤ وراء هذا التناقض في المواقف؟
"إنقاذ الوضع"
يرى الباحث بمركز دراسات غرب آسيا وافريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الإجتماعية، يوي قووه تشينغ، أن أمريكا أرادت في أول الأمر القيام بحركة تظهر قدرة تأثيرها في الشرق الأوسط، لكن سرعان ما اكتشفت بأنها قد أنفرت "عش دبور". وتسببت في دفع الوضع في الخليج نحو اختلال التوازن، لذلك ارادت لاحقا من خلال تحركاتها الدبلوماسية انقاذ الوضع.
"إن الموقف الأمريكي تجاه كل من السعودية وقطر، يعكس في الحقيقة المأزق الأمريكي في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج. فالسعودية وقطر كلاهما حليفان مهمان بالنسبة لأمريكا في الشرق الأوسط. " يقول يوي قووه تشينغ.
من جهة أخرى، يعبر السلوك الأمريكي في الفترة الأخيرة عن استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الشرق الأوسط. في هذا السياق، أشارت مجلة "ناشيونل انترست" الأمريكية إلى أن ادارة أوباما قد مارست سياسة انكماش في الشرق الأوسط. في حين تظهر ادارة ترامب رغبة في العودة مجددا إلى الشرق الأوسط. لكن ترامب لايمكنه الإنحياز إلى أي طرف، بل عليه أن يحافظ على حياده تجاه كل من السعودية وقطر، ولعب دور الوساطة بين البلدين.
"يبقى الحفاظ على نظام تحالف يخدم المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط احد الأهداف الرئيسية للسياسة الأمريكية. كما ترغب أمريكا في أن تحافظ على دورها القيادي في الأزمة السورية. وإذا نجحت جهود الوساطة الأمريكية في حل الأزمة الخليجية، فستسطيع بذلك التعبير مرة أخرى عن قوة مكانتها في الشرق الأوسط. ولا شك في أن ذلك سينعكس على موقعها في الأزمة السورية."
"نفوذ مستمر"
قال موقع قناة سي آن آن الأمريكية أن الخلاف بين دول المقاطعة الأربع وقطر يعود إلى وقت طويل، وان معالجة هذا الخلاف تحتاج إلى تنازل متبادل.
من جهة ثانية، يرى محللون بأن دول المقاطعة الأربع لاترغب في دفع قطر نحو طريق مسدودة، خشية أن تتسبب اتجاه قطر إلى ايران وتركيا.
"لقد تبادلت كل من دول المقاطعة الأربع وقطر بعض التنازلات، ما يترح هامشا للمصالحة"، يقول يوي قووه تشينغ. ويضيف "إن أمريكا بإستطاعتها أن تلعب دورا ايجابيا في هذا الجانب، وتمنع الوضع من الخروج عن السيطرة."
أما صحيفة "الفاينانشيل تايمز" البريطانية، فرأت بأن أمريكا لا تزال تتمتع بشبكة حلفاء عالمية وقدرات عسكرية لا تضاهى. وأن العديد من الدول العالم سيلجؤون في النهاية إلى الإعتماد على القوة الأمريكية الصلبة.
ويرى يوي قووه تشينغ، أن أمريكا مازالت تتمتع بنفوذ لايقبل المقارنة في الشرق الأوسط. وأنها بصدد إستعمال آليات التفاوض للتحكم في وتيرة تطور الأوضاع في المنطقة.