بقلم/تانغ جيان دوان، عضو مركز الابحاث بمعهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي
حافظت العلاقات الامريكية السورية على مستوى طبيعي في عهد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر خلال السبعينيات للقرن الماضي، إلا أن الاطاحة بالحكومة السورية يبقى الهدف الذي تسعى إليه أمريكا دائما. ويعود إصرار أمريكا على " تغيير النظام " في سوريا إلى خمسة أسباب وعوامل أساسية :ـ
1- التقيد بالتحيز الايديولوجي
بعد الحرب العالمية الثانية، دامت الحرب الباردة بين الشرق والغرب نصف قرن. وكانت سوريا ومصر وتونس ودول عربية أخرى مستقلة في الشرق الاوسط تميل الى الاتحاد السوفياتي الداعمة لحركات التحرير الوطني، كما بدأ في عام 1949 بروز زخم الموالاة للشيوعية في سوريا. وبعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي، بدأ الرئيس يي لي جين وميخائيل غورباتشوف، وغيرهما من القادة الروس إدخال النموذج الغربي. وبإعتبار سوريا اتباع النموذج السوفياتي، شهدت سياستها التكيف بشكل حاد بعد وصول بشار الاسد السلطة، ليس في تلقي المجال الاقتصادي متطلبات " التكيف الهيكلي" الامريكية فحسب، ولكن ايضا فتح الباب أمام الايديولوجية الغربية. لكن، استمرت أمريكا في ضغوطاتها بلا هوادة، بسبب مواصلة حزب البعث الحاكم الحفاظ على علم "الاشتراكية". باختصار، منذ الخمسينيات، بقيت امريكا تنظر الى سوريا على أنها أيديولوجية غريبة، وتريد القضاء عليها بسرعة.
2- تدمير الملكية العامة الاشتراكية
خلال الحرب الباردة، سعت امريكا الى دفع تغيير النظام في الدول التي تتطلع الى السير على طريق الاشتراكية وتكسب حق تقرير المصير الوطني. على سبيل المثال، حرضت امريكا في الستينات والسبعينيات على الانقلاب في كوبا والكونغو، وإندونيسيا، وشيلي وبلدان اخرى، بسبب تنفيذ أو سعي هذه الدول لتنفيذ الملكية العامة للإنتاج.
بعد الحرب العالمية الثانية، فرض الاقتصاد العام في منطقة الشرق الاوسط بما في ذلك سوريا ومصر وتونس وغيرها من البلدان الاخرى. ومع هزيمة الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة، طلبت امريكا من تونس ومصر وسوريا وغيرها من الدول الاخرى بما يسمى "التكيف الهيكلي"، والتحول من الاقتصاد العام الى الاقتصاد الخاص. واختارت مصر وتونس وتيرة أمريكا، والسرعة في تنفيذ الاقتصاد الحر القائم على الملكية الخاصة. وبالرغم من اتخاذ سوريا وتيرة الخصخصة أيضا، إلا أن العملية نفذت بخطوات ثابتة نسبيا، وفي نفس الوقت التعلم من " النموذج الصيني"، وتأميم بعض القطاعات الاقتصادية الرئيسية.
في عام 2005، طرحت سوريا في المؤتمر العاشر على المستوى المحلي لحزب البعث الحاكم مصطلحات "مبدأ اقتصاد السوق الاجتماعي". وعدم قدرة أمريكا على تغيير طبيعة النظام السوري من خلال " الاقتصاد الحر" ، جعلها تختار القوة كخيار أخير لتغيير النظام في سوريا.
3- ضمان الامن المطلق لإسرائيل
العلاقات بين سوريا واسرائيل متوترة لاكثر من نصف قرن. في أواخر السبعينات للقرن الماضي، توصلت مصر واسرائيل الى تسوية بوساطة أمريكية، لكن سوريا تعتقد أن السلام المنفصل مع مصر قبل ما يتم حل القضية الفلسطينية يضر المصالح الشاملة للامة العربية، وبالتالي أصر الأسد الاب وابنه تنفيذ سياسات دعم فلسطين. وبعد اندلاع الحرب الاهلية السورية في عام 2011، دعم الكثير من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا القوات الحكومية السورية ضد المعارضة المسلحة التي تدعمها أمريكا. كما تحالف مع سوريا كل من ايران وحزب الله المحور المناهض لاسرائيل. وقد أدى موقف سوريا المناهض لاسرائيل والمعترف به على نطاق واسع بين الجمهور العربي إلى سعي اسرائيل الى إضعافها. وفي وقت مبكر من عام 1982، طرحت اسرائيل "خطة ايونون" معتقدة أن تقسيم الدول العربية الى كيانات صغيرة في مصلحة إسرائيل. وبعد 34 سنة، قال جون برينان مدير المخابرات المركزية الأمريكية CIA في أغسطس 2016، أن التوقعات ليست متفائلة بالنسبة لسوريا، "لا نعرف إذا يمكن لسوريا أن تستمر في الوجود كدولة موحدة"، ومن خلال هذا التصريح ، نعتقد أن الهدف الامريكي هو تفكيك سوريا. وتعتقد أمريكا وإسرائيل أن أمن الاخيرة مرتبط بإضعاف سوريا.
4- قمع المنافس الاستراتيجي لأمريكا في الشرق الاوسط
الحليفان للنظام السوري إيران وروسيا فقط، لكن الدولتين من الوزن الثقيل تشكلان تحديا لمصالح أمريكا في الشرق الاوسط. وبعد تحريض امريكا على الحرب في سوريا، تلقى الاخيرة دعما من إيران، ويتشكل تدريجيا تحالفا مناهض للأرهاب المتكون من العراق وسوريا وإيران وحرزب الله. وبالنسبة لإيران، بالرغم من توصل الاخيرة الى اتفاق نووي مع المجتمع الدولي في عام 2015، إلا أن أمريكا لم ترفع اليد اليسرى على العقوبات ضد إيران. ولا تريد أمريكا أن تدمج إيران كدولة طبيعية في المجتمع الدولي، لذلك، تواصل الحفاظ على الحظر التجاري عليها، وفرض العقوبات، من ثم عرقلة دخول الشركات الاوروبية في إيران. وايران كأكبر مستثمر في سوريا لا بد أن تتأثر من أي ضغوطات على سوريا.
ويعبر ضرب سوريا خطوة أمريكية لاضعاف روسيا ايضا. في عام 2014، وخلال أزمة شبه جزيرة القرم، بدأت أمريكا في التصعيد في بحر البلطيق والتوجه نحو البحر الاسود لتقييد روسيا. وإن استقرار الاخيرة في سوريا ولا سيما استخدام ميناء بحري على الشواطئ اللاذقية، سيجعلها قادرة على تشكيل ردع لاوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، ولكن ايضا كبح مضاد لحلف شمال الاطلسي، الذي حاول تقييد ميناء شبه جزيرة القرم. وبالاضافة الى ذلك، فإن روسيا يمكن احتواء التواجد الامريكي في الشرق الاوسط من خلال نشر قوات برية في شمال سوريا. لذلك، فإن مواصلة القتال في سوريا بالنسبة لأمريكا هو الاحتواء الاكثر فعالية لروسيا.
5- إضعاف قدرات الدول العربية في تعزيز التنمية السياسية الذاتية
سوريا مهد عقيدة البعث العربي وهدف حزب البعث السوري الحاكم تحقيق الحرية والاشتراكية والوحدة العربية. وهذا ما حدد السياسة الوطنية الاساسية في سوريا، والتي تؤكد على وحدة العالم العربي، وضد الاحتلال الاسرائيلي، وانشاء علاقات صداقة مع الدول الاشتراكية. وتصطدم هذه السياسة مع المصالح الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط، مما يجعل أمريكا تفكر في قمع هذا الكيان. وبالاضافة الى ذلك، قدرة سوريا على الحكم الذاتي عالي في العالم العربي. قبل نشوب الحرب، يمكن القول أن سوريا حققت تقدما اجتماعيا بالمقارنة مع الدول العربية الاخرى، بالرغم من التحديات التي كانت تواجهها: المساواة بين الجنسين والانسجام الديني، الاندماج الوطني. ولكن لا شيء من هذا تحقق من خلال " الاصلاح الديمقراطي " الامريكي. لذلك، تسيطر أمريكا على الرأي العام الغربي بتصوير الحكومة السورية بصورة المعادي للديمقراطية " الديكتاتور"، وسيطرة السعودية على الراي العام العربي بتصوير الحرب في سوريا بأنها صراع طائفي ــ الصراع بين الغالبية السكان من السنة والاقلية العلوية. وكلا الصورتين غير حقيقية، حيث ظل معدل دعم بشار الاسد مرتفع، يقدر بحوالي 70٪. وذكرت أمريكا مرارا وتكرارا أنها ضد انضمام بشار الاسد الى عملية الانتقال السياسي، لانه بمجرد تحويل القرار الى الشعب السوري فإن احتمالية بقاء بشار الاسد في سلطة يبقى مشوق.
إن خلق الاضطرابات في سوريا واضعاف الحكم في العالم العربي هي سياسة أمريكة ثابتة، ولن تتوقف الفوضى في سوريا ما لم تتغير السياسية الامريكية. وأعلنت أمريكا بعد تولي ترامب السلطة مرة واحدة أنها لا تسعى الى تغيير النظام في سوريا وأن مصير بشار الاسد متروك للشعب السوري. لكنها، وقبل أن يزاح صوت ترامب من الاذن، سمع اطلاق صواريخ امريكية على قاعدة القوات الجوية السورية. مما يدل على أن السياسة الامريكية المناهضة لسوريا من غير المرجح أن تتغير في المستقبل المنظور.