الإسكندرية، مصر 2 نوفمبر 2016 / أعلن مسؤول مصري انتشال أكثر من خمسة الاف قطعة أثرية من مياه البحر المتوسط خلال ما يزيد عن ثمانية عقود، مقترحا إجراء مناقصة عالمية حول مشروع إنشاء متحف للآثار المصرية الغارقة لمواجهة مشكلة تمويله، التي تعوق تنفيذه منذ طرح فكرة إقامته في العام 1996.
وقال مدير الإدارة المركزية للآثار الغارقة في مصر محمد عبدالمجيد في مقابلة مع وكالة أنباء ((شينخوا)) إن إجمالي القطع الأثرية التي تم انتشالها على مدار السنوات الماضية من مياه البحر المتوسط تزيد عن خمسة آلاف قطعة.
وبحسب عبدالمجيد، تم انتشال أول قطعة أثرية غارقة في 5 مايو من العام 1933 على يد الأمير عمر طوسون، أحد أشهر أمراء أسرة محمد علي، وكانت عبارة عن رأس للإسكندر الأكبر من الرخام الأبيض بغطاء من "جلد الفيل".
بينما انتشلت آخر قطعة منذ خمسة أيام فقط، وهي عبارة عن مغرفة (من أدوات طهي الطعام) كانت تستخدم في القرابين بالمعابد الفرعونية.
وأوضح عبدالمجيد أن غواصي الإدارة انتشلوا أكثر من ألفين قطعة أثرية من منطقة الميناء الشرقي بالإسكندرية شمال القاهرة، وما يزيد على ثلاثة آلاف قطعة من مدينة هرقليون الغارقة.
وهي قطع "فريدة"، بحسب عبدالمجيد.
ومن أبرز هذه القطع تمثال للملك الفرعوني بطليموس، تم وضعه أمام مكتبة الإسكندرية، وتمثال الأميرة البطليمية على شكل إيزيس، ويتواجد حاليا في متحف مكتبة الإسكندرية، ومسلة للملك الفرعوني سيتي الأول، إلى جانب قطع ذهبية وعملات وحزام وخواتم، بينها خاتم زواج مكتوب عليه نص الزواج، وتمثال لكاهن.
وتأسست الإدارة المركزية للآثار الغارقة في مصر في عام 1996، وهي تتبع وزارة الآثار المصرية، وتتخذ من مدينة الإسكندرية مقرا لها.
وتتولى الإدارة تنظيم العمل الأثري والمشاركة العلمية المتخصصة في مجال الآثار البحرية والغارقة في الإسكندرية والبحر الأحمر والنيل.
لكنها لاتملك إحصائيات عن الآثار المصرية الغارقة، لاسيما بالإسكندرية.
ورد عبدالمجيد على سؤال في هذا الصدد، قائلا "بالطبع لا يوجد إحصاء".
وأوضح أن "العمل في الآثار مثل الطب، فلا نستطيع معرفة كم مريض بمرض معين (في مصر) إلا بعد الكشف عن 90 مليون مصري، كذلك لن نعرف إحصاء كامل للآثار الغارقة إلا بعد إجراء مسح لكل السواحل المصرية والمجاري المائية من أنهار وعيون وبحيرات".
وتابع أنه نظرا لعدد العاملين بالإدارة المركزية للآثار الغارقة والامكانيات المتاحة، "فإننا نجرى مسحا لنقاط محددة فقط لنتأكد من وجود قطع أثرية بها من عدمه".
وواصل "أجرينا مسحا لمساحة لا تتجاوز 10 % فقط من السواحل المصرية"، التي تمتد على مسافة أكثر من ألف كيلومتر بعرض 12 ميلا على ساحل البحر المتوسط، ونفس الأمر بالنسبة للبحر الأحمر ونهر النيل.
وفي مسعى لمواجهة عدم امتلاكها الإمكانيات والتكنولوجيا المتطورة لإجراء مسح للسواحل المصرية، وقعت الإدارة المركزية للآثار الغارقة بروتوكولا مع المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد، الذي يملك أجهزة جيوفيزيقية تعمل بالترددات الصوتية، يمكنها من إجراء المسح وتحديد أماكن عملها.
ومن ضمن الاثار التي سيقوم المعهد القومي بإجراء مسح لها "مركب القصير" الغارق على عمق 64 مترا، حيث يجد الغواصون صعوبة للعمل عليه، إذ أنه كلما زاد العمق عن 40 مترا نواجه صعوبات كثيرة، لذلك سنستخدم "روبوت" عبارة عن سيارة تعمل تحت الماء مزودة بكاميرات تصوير لتحديد حمولة المركب.
وتعتمد الإدارة في عمليات المسح بشكل جزئي "على البحث في النصوص أو الإخباريات القادمة من الصيادين"، الذي استعان بهم الأمير عمر طوسون في انتشال أول قطعة أثرية غارقة في مصر قبل أكثر من ثمانية عقود.
وقال عبدالمجيد "إذا قال أحد الصيادين أنه رأى قطعا أثرية في مكان ما نذهب لإجراء مسح للمنطقة، كذلك نجرى مسحا في أي مكان تقرر وضع سقالات أو خطوط أنابيب أو كابلات تليفونات أو حاجز أمواج فيه".
وأشار إلى أن هناك مدينة فرعونية كاملة تسمى"هرقليون" غارقة تحت مياه البحر المتوسط.
وواصل "عندما جاء الإسكندر الأكبر إلى مصر وأسس مدينة الإسكندرية كانت هرقليون موجودة، لكن الإسكندرية أخذت زخما أكبر آنذاك وأصبحت عاصمة مصر والبحر المتوسط لمدة 300 عام، وأهم ميناء في العالم لمدة ألف عام تقريبا".
وأكد أن "هرقليون غنية جدا أثريا، لأنها طبعا من العصر الفرعوني من الأسرة الـ18، وكان يعيش فيها يونانيون كتجار قبل أن يصل الجيش اليوناني للمدينة كغزاة، وبالتالي المدينة كان فيها طبقات مختلفة وتبادل تجاري جيد، لذلك وجدنا فيها آثار فينيقية ويونانية ومقدونية وفرعونية ورومانية وإسلامية".
وتتجه الإدارة المركزية للآثار الغارقة إلى الإبقاء على القطع الأثرية الثقيلة تحت المياه.
وقال عبدالمجيد "ننتشل فقط القطع الأثرية الصغيرة المعرضة للضياع أو السرقة لأنها في حالة خطورة".
واستطرد "أما القطع الأثرية الثقيلة فنتركها في مكانها، لأنها في حماية حرس الحدود والقوات البحرية، وبالتالي لا أحد يستطيع أن يدخل المياه بغير موافقة القوات المسلحة، فالمكان مغطى أمنيا بشكل جيد".
وعن أسباب عدم تحويل فكرة إنشاء متحف تحت المياه للآثار الغارقة بالإسكندرية إلى واقع حتى الآن، قال عبدالمجيد "إننا نتحدث في هذا الموضوع منذ 1996، وللأسف لا جديد، وهناك تصورات خاطئة عن هذا المتحف، فالبعض يقول إن الرؤية تحت الماء لا تسمح بإنشائه، أو أن إنشاءه صعب هندسيا، أو أن تكلفة المشروع مرتفعة".
وأضاف "لقد توصلنا إلى حلول للنقاط الثلاث، فيمكن إنشاء أنابيب حول القطع الأثرية الغارقة، التي ستظل في المياه، بينما السياح يلفون حولها، كما أنه يمكن إنشاء المتحف من مادة (فايبر جلاس)، الذي ينظف بسهولة جدا".
وللتغلب على مسألة تكلفة المشروع، اقترح عبدالمجيد أن يتم طرح مشروع إنشاء متحف للآثار الغارقة في مزايدة.
وتابع "من يقدم عرضا مناسبا من المستثمرين العرب أو الأجانب لشروطنا ينفذ المشروع، وبذلك لا تتحمل مصر تكلفة المشروع، ولا تقترض من أجله".
وأشار إلى أن الصين ستنشئ متحفا تحت الماء في اليونان، كما أنها فتحت متحفها تحت المياه الذي يبين علامات فيضان النهر ونماذج السمك الموجود في المكان.
واستطرد "مع احترامي الكامل لليونان، لكن لا اعتقد أن الآثار الغارقة هناك تعادل الموجودة في مصر".
وكان وزير الآثار المصري خالد عناني، قال على هامش افتتاح مؤتمر الآثار الغارقة الدولي، الذي يقام للمرة الأولي في الاسكندرية منذ الإثنين الماضي، إن مشروع إنشاء متحف الآثار الغارقة تحت الماء "ينتظر التمويل".
وأعلن العناني "اكتمال دراسات" المشروع، الذي تضع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم الثقافة (اليونسكو) مقترح إنشائه على أجندتها حتى اليوم.
ويعتقد عبدالمجيد أن ما يعرقل إنجاز المشروع هو "عدم وجود إرادة سياسية".
وقال في هذا الإطار ردا على سؤال "لكي نبدأ دراسة جدوى، لازم (لابد) قرار بإنشاء المتحف، لازم القيادة العليا (لمصر) تقتنع أن الأمر مهم وتصدر قرارا".
واستطرد " إما أن فكرة إنشاء المتحف لم تنقل للقيادة العليا، وهذا ما اتصوره، أو في المستوى الأقل لا إرادة سياسية".
وأوضح أن الإدارة تضع خريطة كاملة لكل المواقع الاثرية الغارقة، لتوثيقها بحيث تكون هناك بيانات واضحة عن كل أثر، لافتا إلى أن كل ما أعلن من اكتشافات كان تحت قيادة هذه الإدارة مثل اكتشاف مدينة هرقليون، الذي سنستمر في العمل فيه لمدة 70 و80 عاما، بالإضافة إلى أسطول نابليون.
وأكد المسؤول المصري ترحيبه بكل البعثات الأجنبية التي تريد التعاون مع بلاده في مجال الآثار الغارقة، مشيرا إلى أنه في عام 1996 كان هناك فقط بعثتان فرنسيتان تعملان في الإسكندرية، وبعد عامين جاءت بعثة يونانية، ثم أخرى أسبانية - فرنسية، وصولا إلى البعثة الروسية التي جاءت للإسكندرية في 2003.
وختم ردا على سؤال حول فرص التعاون مع الصين في مجال الآثار الغارقة، قائلا " نحن نفتح الباب لكل البعثات (الأجنبية) طالما لديها الامكانيات العلمية، ونتمنى أن ترسل الصين بعثة، وإذا أرادت ذلك عليها فقط أن تضع مشروع البعثة (بالإسكندرية) وسنوافق فورا".