مضت ثلاث سنوات منذ أن أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ عن مبادرتين للبناء المشترك الأولى "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" والثانية "طريق الحرير البحري للقرن الـ21" (يشار إليهما اختصارا بمبادرة "الحزام والطريق")، خلال الزيارة التي كان يقوم بها لكل من آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا في سبتمبر وأكتوبر 2013.
وفي عام 2014، دعا الرئيس شي جين بينغ في الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني العربي الذي عقد في بكين إلى مشاركة كل من الجانبين الصيني والعربي في بناء "الحزام والطريق"، الأمر الذي قد حظي بردود فعل إيجابية من الدول العربية ، ويعتقد الخبراء العرب أن هذه المبادرة تعبر عن رؤية الصين للأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية للعالم أجمع وتفهمها لاتجاهات تطورها.
قال محمد فايز فرحات، الخبير المصري في الشؤون الصينية إن مبادرة "الحزام والطريق" تعد بحق واحدة من أكبر وأهم المشروعات التى طُرحت فى تاريخ الإنسانية . وتأتى أهميتها من انطوائها على عدد من الخصائص التى تميزها جوهريا عن نمط المبادرات والمشروعات التى طرحتها الدول الغربية خلال العقود السابقة، سواء على المستوى السياسي، أو الاقتصادي ، أو الثقافي.
وأضاف فرحات أن مبادرة "الحزام والطريق" ليست مجرد مبادرة تسعى إلى تسهيل وتوسيع حجم التجارة بين الأقاليم والدول المندمجة فى هذه المبادرة، من خلال إزالة العوائق المادية أمام هذه التجارة وتخفيض تكاليفها، بقدر ما تنطوي أيضا على أبعاد تنموية من خلال مشروعات مهمة لتنمية البنية الأساسية وتوفير التمويل اللازم لها. وبهذا المعنى، فإن مبادرة "الحزام والطريق" تنطوي على مكاسب اقتصادية محتملة للدول النامية المعنية، بالنظر إلى اشتمالها على مشروعات تنموية جنبا إلى جنب مع التجارة.
واعتقد فرحات أن مبادرة "الحزام والطريق" تتبناها دولة كبيرة، ذات اقتصاد قوي، مازالت تقدم نفسها باعتبارها دولة نامية، الأمر الذى يبعد عنها التخوفات التي ارتبطت بالعديد من المبادرات التى أعلنتها الدول الغربية، والتى سعت إلى تكريس الهيمنة الغربية على النظام العالمي، والهيمنة على أسواق الدول النامية.
وفي المقابل، تمتعت مبادرة "الحزام والطريق" الصينية بردود فعل إيجابية سريعة من أكثر من 60 دولة، الأمر الذى يعكس وجود فهم إيجابي كبير حول هذه المبادرة لدى قسم كبير من الدول النامية فى مختلف الأقاليم . كما أن ارتباط المبادرة بتخصيص تمويل صيني سيكون عاملا مهما للنجاح عند تنفيذ المشروعات المقترحة فى إطارها .
ومن جهة أخرى، قال السفير السوداني لدى الصين عمر عيسي أحمد إن بلاده تدرس حاليا كيفية الاستفادة من مبادرة "الحزام والطريق"، معتبرا أن السودان من أوائل الدول التي رحبت بها، بوصفها مبادرة ستحقق الرخاء للشعوب الصديقة وتسهم بشكل فعال في تنمية المناطق الواقعة على "الحزام والطريق" وترفع مستوى الشراكة الاقتصادية بين الدول.
وذكر السفير أن خطط التنمية والسياسات الخارجية والمبادرات الاقتصادية الصينية المهمة محور اهتمام كبير بالنسبة للسودان.
وقال سالم بن فهد الزمام، مستشار اقتصادي سعودي إن مبادرة "الحزام والطريق" لم تساهم فقط في تنشيط الاقتصاد الخليجي والبالغ حاليآ حجمه 1.6 تريليون دولار أمريكي، بل ستغير المشهد الإقتصادي والسياسي للشرق الأوسط نحو الأستقرار والأمن .
وأشار أحمد علو، خبير لبناني في الشؤون الصينية، إلى أنه من خلال البناء المشترك بين الجانبين الصيني والعربي لـ"الحزام والطريق"، يمكن أن يستفيد كلاهما من الفرص الناجمة عنها والتعلم من التجربة الصينية الرائدة في النمو.
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ، قد أشار في عام 2014 إلى السعي وراء زيادة حجم التبادل التجاري الصيني العربي لـ 600 مليار دولار، وزيادة رصيد الاستثمار الصيني غير المالي في الدول العربية إلى أكثر من 60 مليار دولار في السنوات العشر القادمة.
وفي عام 2016، أشار الرئيس شي في كلمة ألقاها بمقر جامعة الدول العربية انه من أجل تعزيز العملية الصناعية في الشرق الأوسط ، ستخصص الصين بالتعاون مع الدول العربية قروض خاصة قيمتها 15 مليار دولار أمريكي، وقروض تجارية قيمتها 10 مليارات دولار لدول الشرق الأوسط ، بالإضافة إلى إنشاء صندوقين مع كل من الإمارات وقطر للاستثمار المتشرك تبلغ قيمتهما الإجمالية 20 مليار دولار .
واستطرد علو قائلا إن التعاون الصيني العربي تحت إطار مبادرة "الحزام والطريق" لا يدفع التعاون في البنية التحتية والطاقة الإنتاجية في المستوى الواقعي لتعزيز التنمية في الدول العربية على نحو فعال فحسب، بل يطرح أيضا مفهوم التواصل والتبادل والتصنيع في المستوى الفكري، وذلك من أجل استفادة الدول العربية من التجربة الصينية في التنمية.
وعلى الجانب الآخر، يرى الخبراء العرب أن هناك مدنا سيصعد نجمها على "الحزام والطريق"، من بينها الرياض وأبوظبي ودبي وبكين ومومباي وتشيناي وطوكيو والدوحة وكوالالمبور وسنغافورة وهونغ كونغ.
واعتقد محمد الدعفيس ، خبير اقتصادي سعودي أن بلاده ستحظي بدور محوري في المبادرة خصوصا أن الصين تعتمد بشكل أساسي على إمداداتها النفظية من السعودية، ولذا تعد نقطة رئيسية على طريق الحرير الجديد، وأبرز دليل على ذلك أن الطاقة ستكون المحور الأساسي للتبادل الاقتصادي بين الدول الواقعة على "الحزام والطريق".
من جهة أخرى، قال الدعفيس إن الإمارات ستكون من الدول المستفيدة بشدة من المبادرة، وستتمكن من تسخير خبراتها وإمكانياتها اللوجيستية الهائلة بعد أن تحولت إلى مركز تجمع للأموال والأفكار والتجار، حيث تعد الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري للصين في منطقة الشرق الأوسط وواحدة من أكبر أسواق التصدير في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما تعد مركزا للبضائع والمنتجات الصينية.
وأعلنت مصر تأييدها لإعادة إحياء طريق الحرير القديم، لأن ذلك من شأنه تنشيط التجارة الداخلية والخارجية، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى الاستثمارات الخارجية الكبيرة، خاصة في ظل المشروعات العملاقة التي يتم إقامتها حاليا ضمن مشروع محور قناة السويس.