غزة أول مايو 2016 / يجد محمود البلبيسي في سوق (اليرموك) الشعبي الأسبوعي في غزة مجالا نادرا للهروب ولو مؤقتا من واقع البطالة الذي يعانيه منذ سنوات وفرصة لكسب القليل من المال.
ويقف البلبيسي ( 36 عاما ) في السوق الذي يقام على أرض خالية في مدينة غزة فقط يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع خلف "بسطة" صغيرة لبيع أنواع رخيصة من النظارات الشمسية وقبعات الصيف بأشكال وألوان متنوعة.
وأغلب ما في بسطة البلبيسي يباع بأقل من ثلاثة دولارات أمريكية.
ويقول الرجل إنه لا يكسب الكثير من عمله لنحو ثماني ساعات لكن ذلك مهم جدا له ولعائلته كبديل عن معاناته من البطالة جراء الضعف الشديد في فرص عمله الأصلي بمجال الإنشاءات.
ويضيف أنه لا يفهم كثيرا في التجارة، لكنه لجأ منذ عامين إلى البيع على البسطات المتنقلة في الأسواق الشعبية الأسبوعية كواقع أفضل من الجلوس في المنزل من دون عمل ومن دون أي مصدر دخل مالي لأطفاله الأربعة.
ويستفيد البلبيسي في عمله البسيط من ميزة الأسواق الشعبية التي تعد وجهة مفضلة لمئات العاطلين عن العمل كونها تحررهم من قيود كثيرة مثل أجرة المحل أو تراخيص البلدية ولا تتطلب أكثر من مجرد بسطة.
وتحظى الأسواق الشعبية، بإقبال واسع في قطاع غزة لما تتمتع به من شهرة كأرخص الأسواق أسعارا وأكثرها من حيث تنوع السلع والبضائع وشمولية ما يتم عرضه للبيع فيها.
إذ أنها تضم معظم أنواع السلع والبضائع بدءا من الملابس والأحذية الجديدة والمستخدمة، ومرورا بالمواد التموينية والحلوى والسكاكر وحتى الدواجن الحية والطيور إلى جانب مقتنيات منزلية متنوعة.
وتجذب تلك الأسواق مئات الباعة أغلبهم لا يعملون أصلا في التجارة لكنهم يجدون بالإقبال الكبير من الزبائن على هذه الأسواق فرصة لكسب بعض المال هربا من واقعهم الاقتصادي السيئ.
ويقول البلبيسي إنه لو توفرت له فرصة بعمله الأصلي في مجال البناء والإنشاءات لما كان فكر بالبيع الذي يتطلب منه جهدا خاصا بمجادلة الزبائن حول الأسعار والنوعيات من دون تحقيق ربح كبير.
ويبدأ البلبيسي وأمثاله من الباعة في الأسواق الشعبية عملهم منذ ساعات الصباح الباكر لنصب بسطاتهم وتجهيز ما بحوزتهم من بضائع بانتظار بدء توافد الزبائن.
ويعرف من بين الأسواق الشعبية في قطاع غزة إلى جانب سوق (اليرموك) كل من سوق (الأربعاء) في خان يونس وسوق (السبت) في رفح وكلاهما في جنوب القطاع، إضافة إلى أسواق أسبوعية أخرى في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وسط القطاع.
ويقول أحد الباعة واسمه أبو يوسف حمودة إن أهم ما يميز الأسواق الشعبية أنها مكثفة وتقام في مساحات محددة من قبل البلديات، بحيث أن بيع يوم في سوق شعبية يساوي بيع يومين أو ثلاثة في محل كونها تقام لفترة زمنية قصيرة.
ويشير حمودة إلى أنه كحال الكثير من العاطلين عن العمل ممن لا يجدون وظيفة أو مهنة يعتاشون من ورائها، يقيمون بسطات ثابتة أو متنقلة في الأسواق الشعبية لكسب بعض المال.
ويقيم حمودة بسطة بيع ألعاب أطفال واشتكى من أنه لا يكسب الكثير من ورائها بسبب ضعف الإقبال على الشراء وتدني هامش الربح لاضطراره إلى تخفيض الأسعار لأقصى حد ممكن.
ويشير إلى أنه كان يعمل سائقا لدى شركة نقليات تصدير، إلا أنه في ظل تراجع العمل على مدار السنوات الأخيرة تم تسريحه وعدد آخر من السائقين ليجبروا على البحث عن أي عمل بديل.
وفي عيد العمال العالمي الذي يصادف الأول من مايو من كل عام، ينظر العمال الفلسطينيون في قطاع غزة لأوضاعهم بكثير من الحسرة وهم يكابدون معدلات قياسية من الفقر والبطالة.
وبات هؤلاء بعد سنوات من الحصار والعنف في هذا الشريط الساحلي الذي يقطنه زهاء مليون و900 ألف نسمة، أسرى للبطالة وانعدام أفق الحصول على حياة كريمة سوى انتظار المساعدات الإنسانية.
وتفرض إسرائيل حصارا مشددا على قطاع غزة منذ منتصف عام 2007 إثر سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على الأوضاع فيه بعد نزاع مسلح مع القوات الموالية للسلطة الفلسطينية.
ودفع ذلك إلى أن تصبح نسبة البطالة في أوساط سكان قطاع غزة من بين الأعلى في العالم بحيث وصلت إلى حوالي 42.7 في المائة من إجمالي السكان بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
ويقدر رئيس اتحاد نقابات عمال فلسطين في قطاع غزة سامي العمصي، بأن 60 في المائة من إجمالي عمال قطاع غزة عاطلون عن العمل في ظل تفاقم التدهور الاقتصادي جراء الحصار الإسرائيلي للعام التاسع تواليا.
ويقول العمصي ل((شينخوا)) إن إجمالي عدد العمال في قطاع غزة يصل إلى 360 ألف أوضاعهم "مأساوية وغير مسبوقة" بفعل معدلات البطالة والفقر القياسية في صفوفهم.
ويعتبر العمصي أن أزمة البطالة بين عمال قطاع غزة تتعمق سنويا بسبب انعدام فرص عملهم في الخارج بعد أن كان عشرات الآلاف منهم يعملون في فترات الثمانينات والتسعينات في دول الخليج وإسرائيل.
من جهته يقول مسؤول الإعلام في الغرفة التجارية في قطاع غزة ماهر الطباع ل((شينخوا))، إن عمال القطاع يستقبلون عيد العمال العمالي "بمزيد من الفقر وارتفاع البطالة وغلاء المعيشة ومعاناة متفاقمة".
ويشير الطباع إلى أنه "نتيجة لتشديد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة وانخفاض الإنتاجية في كافة الأنشطة الاقتصادية أصبح القطاع الخاص في غزة غير قادر على توليد أي فرص عمل جديدة".
ويشدد على الحاجة إلى تدخل المنظمات الدولية والعربية والإسلامية للحد من انتشار البطالة والفقر في قطاع غزة عبر وضع برامج إغاثة عاجلة للعمال وإعادة تأهيل العمالة الفلسطينية.
كما يؤكد الطباع، على الحاجة إلى العمل على فتح أسواق العمل العربية للعمال الفلسطينيين من قطاع غزة ضمن ضوابط ومحددات بحيث يتم استيعاب العمال ضمن عقود ولو لفترة محددة.