بعقوبة، العراق 29 فبراير 2016 / رغم مرور عدة أشهر على انتهاء تجاربهم المريرة في سجون تنظيم داعش الإرهابي إلا أن البعض من هؤلاء السجناء ما زال يعاني من تبعات تلك الحقبة القاسية التي خلقت أزمات نفسية حادة وكوابيس تطاردهم إلى الآن الأمر الذي بدأ يؤثر حتى على عوائلهم.
وأفاد أبو قادر (47 عاما) لوكالة أنباء ((شينخوا)) وهو يمسك بذراع شقيقه الأصغر (25 عاما) بانتظار الدخول إلى عيادة طبية متخصصة بالعلاج النفسي في بعقوبة مركز محافظة ديالى شرقي العراق أن شقيقه قضى أسبوعين في احد سجون تنظيم داعش الإرهابي بعد سقوط بلدة السعدية (65 كم) شمال شرق بعقوبة في صيف 2014 بقبضته لاتهامه بدعم القوات الأمنية.
وأضاف أبو قادر وهو يعمل سائق سيارة أجرة أن " شقيقه كان قاب قوسين أو ادنى من الموت بعدما تعرض إلى تعذيب جسدي قاسي للغاية قبل أن يطلق سراحه بعد دفع مبالغ مالية طائلة عن طريق وسيط للتنظيم الذي لم يكتف بتعذيب بل في تحطيمه نفسيا".
وأشار أبو قادر إلى أن عودة شقيقه من الموت كانت فرحة لنا لكن مع الأيام بدأت الكوابيس تطارده ليلا وتجعله أكثر انطوائية وعدوانية وقد انقلبت حياته رأسا على عقب بعد في الرحلة القاسية في سجون تنظيم داعش القاسية.
وتابع "اضطررت إلى جلب شقيقي إلى عيادة طبية للعلاج النفسي لأنه آخر الخيارات المتبقية أمامنا بعدما طرقنا كل الأبواب التقليدية دون حلول".
وينظر مجتمع ديالى المحافظ بنظرة سلبية للعلاج النفسي ويعتبره عيب ولايفصح عن مرضاه خوفا من السخرية والاستهزاء والتندر لان الثقافة السائدة هناك تصف من يذهب إلى طبيب نفسي بأنه مجنون.
من جانب أخر أشار رجل يبلغ من العمر (32 عاما) بشرط عدم الكشف عن اسمه وهو ينظر إلى رسوم طبية في ردهة العلاج النفسي إلى انه يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع وقد اختطف من قبل تنظيم داعش قرب جبال حمرين بين ديالى وكركوك مع أربعة آخرين وما يزال يتذكر تلك اللحظة المؤلمة.
وقال وهو يتحدث بمرارة "رأيت أمام عيني شخصين ينحران بالسكين من قبل الإرهابيين قبل أن يتم وضعي في حفرة تحت الأرض لأكثر من شهر قبل أن يشاء الله واستعيد حريتي بعد فرار التنظيم عقب هجوم مباغت للقوات الأمنية والحشد الشعبي".
وأوضح أن الكوابيس المفجعة قضت مضجعه وجعلته ينسى النوم ما دفعه للاعتماد على الحبوب والمهدئات طيلة أشهر عدة لكن حالته تسوء يوما بعد أخر لافتا إلى أنه طرق الكثير من الأبواب لكن دون جدوى ولم يتخلص من تلك الكوابيس.
وأضاف "جئت إلى عيادة الطب النفسي لإيجاد حل ولمعرفة لماذا تطاردني الكوابيس التي تدفعني في بعض الأحيان إلى الاستيقاظ واصرخ بحيث بدأت حالتي تشكل مصدر قلقل وتأثير على أطفالي الصغار وأخاف أن تنتقل إليهم ".
يذكر أن تنظيم داعش معروف بقساوته وأعماله القاسية واللانسانية بحيث إن الأزمات النفسية من جرائمه لم تعد تلاحق الأشخاص الذي سجنوا لديه بل شملت شهود العيان على جرائمه البشعة.
وفي هذا الصدد، قالت أم سعدية، سيدة تبلغ من العمر (61 عاما) إن ابنتها صباح (25 عاما) تعرضت إلى انتكاسة نفسية حادة بعدما رأت إعدام شقيقها أمام عينيها عقب سقوط قريتنا الواقعة على بعد (45 كلم) شرق بعقوبة بيد التنظيم المتطرف".
وأضافت وهي تذرف الدموع أن "ابنتها أصبحت أكثر انطوائية وتصرخ كلما شاهدت رجل مسلح يقترب منها بهستيرية حتى أن خطيبها فسخ الخطوبة بسبب مرضها النفسي".
إلى ذلك، قال سعد خاتم طبيب نفسي، في عيادته المتواضعة التي وضع على جدرانها بعض الشهادات التي حصل عليها من جامعات أجنبية إن "العلاج النفسي للمرضى ما زال بنظر الكثير عيب، لذا فإن اغلب الحالات التي تصلنا تكون متأخرة ".
وأضاف حاتم أن "المجتمع يحبذ معالجة المرضى النفسيين وفق طرق تقليدية معروفة منها زيارة ذوي الكرامات رغم أن الكوابيس والاكتئاب والانطواء والعدوانية هي أمراض نفسية لها حلول في علم النفس ".
واقر حاتم بان بعض المرضى الذين يأتون إليه هم سجناء سابقون لدى داعش بعضهم نجا من الموت بأعجوبة والبعض منهم رأى أمام عينيه جرائم مروعة لا تزال عالقة في أذهانهم حتى اللحظة رغم مرور أشهر على حدوثها.
فيما أكد عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة ديالى احمد الربيعي بان تنظيم داعش ارتكب فور سيطرته على بعض المدن والقصبات في صيف 2014 جرائم مروعة من خلال الإعدامات الجماعية التي كانت تقام أمام مراى ومسمع الأهالي في ظل تطبيق فعلي لما يعرف بزرع الخوف والرعب للسيطرة عليهم.
واقر الربيعي بان داعش مارس سياسة قاسية بحق السجناء الذين كانوا لديه من خلال الضغط النفسي والايذاء الجسدي ونسبة قليلة لاتصل إلى 5 بالمائة هم فقط من نجوا واغلبهم يعاني من تبعات نفسية حادة بالوقت الحالي لأنه خاض تجربة قاسية للغاية امتدت أسابيع وأشهر.
وكان تنظيم داعش الإرهابي يتملك سلسلة من السجون التي زج بها المخطوفين والمعتقلين في المناطق التي سيطر عليها ومارس معهم ابشع أنواع التعذيب، فضلا عن تفننه في طرق القتل فقد نشر فيديوهات عن بعض أساليبه في القتل منها وضع مجموعة في سيارة وضربهم بقذيفة (ار بي جي)، والاعدام غرقا عن طريق وضعهم احد المسابح او عن طريق تفخيخهم بالمواد الشديدة الانفجار، أو عن طريق اجبارهم على شرب المواد السريعة الاشتعال ومن ثم اطلاق النار عليهم.
يذكر أن تنظيم داعش سيطر بعد يونيو 2014 على مناطق واسعة من محافظة ديالى بينها ثلاث مدن رئيسة قبل ان تنجح القوات الامنية والحشد الشعبي والعشائر من تحريرها بعمليات عسكرية واسعة.