تشانغ وي وي، عميد معهد الأبحاث الصينية بجامعة فودان
لفترة طويلة، دعمت الولايات المتحدة تحت ستار "الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان"، القوى الموالية لأمريكا في جميع أنحاء العالم، وحرضت على "الثورات الملونة"، وخلقت الانقسامات والمواجهات، أدت إلى تغيير أنظمة في بعض الدول، وغرقها في مستنقع الاضطرابات السياسية والركود الاقتصادي وصعوبة معيشة شعوب تلك الدول. ويمكن القول، إن ما فعلته الولايات المتحدة قد عرّض السلام والاستقرار والتنمية في العالم لخطر جسيم.
وبالنظر إلى التاريخ، حرضت الولايات المتحدة والغرب عدة مرات على " الثورات الملونة" أو شاركت فيها. ومن تفكك الاتحاد السوفيتي في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، والتغييرات الجذرية في أوروبا الشرقية إلى "ثورة الورد" في جورجيا في عام 2003، ومن "الثورة البرتقالية" في أوكرانيا في عام 2004 إلى "ثورة التوليب" في قيرغيزستان في 2005، ومن "الربيع العربي" عام 2011 إلى "ثورة المربع" في أوكرانيا عام 2014، بالإضافة إلى "ثورة الثلج" في بيلاروسيا عام 2005، و" الثورة البرتقالية" في أذربيجان عام 2005، و"ثورة الأرز" في لبنان عام 2005، و"الثورة الخضراء" في إيران عام 2009، إلخ. وهناك المزيد من أحداث تغيير النظام مع طبيعة الثورة الملونة من حقبة الحرب الباردة، وتشير الإحصاءات إلى أنه بين عامي 1946 و2000، حاولت الولايات المتحدة 81 مرة التأثير على انتخابات 45 دولة.
لقد كانت "الثورات الملونة" التي حرضت عليها الولايات المتحدة "ناجحة" لمرات عديدة، حتى وزعمت الولايات المتحدة أنها "الفائز في الحرب الباردة". ومع ذلك، منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وخاصة منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، كانت "الثورات الملونة" في كثير من الأحيان "نكسة". وفي بعض البلدان والمناطق، سرعان ما أحبطت حكوماتهم تدخل القوى الخارجية، في حين تسببت الديمقراطية على النمط الغربي في حدوث فوضى كبيرة وحتى حروب بسبب عدم ملائمة مع الظروف المحلية في بلدان ومناطق أخرى، الأمر الذي أثار إدانة شديدة من شعوب الدول المعنية والمجتمع الدولي.
"رسم الخبز لإشباع الجوع" خدعة كبيرة تستخدمها الولايات المتحدة للتحريض على "الثورات الملونة". وقد نفذت الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون تسللًا أيديولوجيًا وثقافيًا واسع النطاق إلى البلد المستهدف، وزرعت عددًا كبيرًا من النخب المزعومة التي يحفزها الغرب، وصنعت أسطورة الديمقراطية الخيالية على النمط الغربي، أي أنه طالما تم تبني نظام ديمقراطي على النمط الغربي، فسيتم حل المشاكل التي تواجهها الدولة المستهدفة، مثل الفقر والبطالة والفساد، إلخ.
وإن أكثر دليل على ذلك، "الربيع العربي" الذي اندلع في عام 2011. ووفقًا لكتاب "الجانب الخفي من الثورات العربية" للباحث الفرنسي ايريك دينيسي وآخرون، أمضت المنظمات غير الحكومية المزعومة مثل الصندوق الوطني للديمقراطية، وبيت الحرية، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ومعهد المجتمع المفتوح أكثر من 10 سنوات في تدريب عدد كبير من الكتاب الناطقين باللغة العربية على الإنترنت لتشكيل "التحالف العربي على الإنترنت". وطرحوا قضايا على الإنترنت، وأثاروا زوابع في الرأي العام، ونسبوا المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا إلى نظام "استبدادي"، مؤكدين على أنه من خلال النمط الديمقراطي الغربي فقط يمكن حل المشاكل المزعومة بشكل جذري.
هذه المؤسسات تدرب بشكل منهجي العمود الفقري لسياسة الشارع، وهناك دورات في كل شيء من ملابس وشعارات المتظاهرين، إلى الإيماءات الموحدة للقادة على جميع المستويات، إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات المضللة الفيروسية. وقد اعترف وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو علانية: "كنت مدير وكالة المخابرات المركزية أنداك، لقد كذبنا، وخدعنا، وسرقنا. كما لدينا دورات مخصصة لتدريس هؤلاء. وهذا هو مجد الاستكشاف والتقدم المستمر لأمريكا. " وعندما تكون هناك "فرصة" في البلد المستهدف، تقوم هذه المؤسسات على الفور بالتحريض السياسي من خلال وسائل مختلفة مثل الإنترنت، والانخراط في سياسات الساحة وأعمال الشغب في الشوارع.
غالبًا ما لا يدوم نجاح "الثورة الملونة" في بعض البلدان والمناطق طويلاً، وتدخل الأخيرة في المزيد من الصراعات البارزة. وفي التحليل النهائي، فإن عملية تبني ما يسمى بـ "ديمقراطية المواجهة" في الغرب، وتجاهل التاريخ والثقافة، والنظام السياسي، والمعتقدات الدينية، والتوازن العرقي، والبيئة الاجتماعية، وما إلى ذلك في هذه الدول، غالبًا ما تكون عملية يتم فيها تكثيف التناقضات المختلفة باستمرار.
تحرض الولايات المتحدة على "ثورات ملونة" حول العالم، غير مدركة أن هالتها الديمقراطية قد سقطت في المستنقع. في 6 يناير 2021، صدمت أعمال الشغب واقتحام مبنى الكابيتول هيل العالم. كتبت صحيفة "النيويورك تايمز" مقالاً، ذكرت فيه أن أعمال الشغب كانت "ضربة لصورة منارة الديمقراطية الأمريكية". ويعتقد الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير أن العنف في مبنى الكابيتول الأمريكي هو نتيجة نشر السياسيين الأمريكيين الأكاذيب وازدراء الديمقراطية والتحريض على الكراهية والانقسام.
تحرض الولايات المتحدة على "الثورات الملونة" في كل مكان، من أجل تعظيم مصالح الولايات المتحدة بالكامل. وبخصوص طبيعة الهيمنة باسم الديمقراطية الأمريكية، أشارت وسائل الإعلام الفرنسية إلى أن "الديمقراطية" أصبحت "سلاح الدمار الشامل" للولايات المتحدة. وإن التحريض على "الثورات الملونة"، والتدخل في أنظمة الدول الأخرى والإطاحة بها، ينحرف بشكل خطير عن القواعد الأساسية للعلاقات الدولية، وينحرف عن الاتجاه العام للتطور التاريخي، والذي لن يؤدي إلا إلى تسريع السحب على المكشوف للمصداقية الوطنية للولايات المتحدة، ومزيد من الانهيار لصورتها الدولية.