قد يبدو من الصعب تصديق أن أغنى دولة في العالم تقوم بنهب واحدة من أفقر بلدان العالم، لكن هذا يحدث بالفعل في عالمنا اليوم، وهو شيء مدان ويدعو للاحتقار.
فقد وجهت وزارة الخارجية السورية مؤخرًا رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة والرئاسة الدورية لمجلس الأمن، أشارت فيها إلى أن القوات الأمريكية المتمركزة في سوريا، والمنظمات الإرهابية وجيس سوريا الديمقراطية المدعوم أمريكيا وغيره من المنظمات قد أقدموا منذ عام 2011 إلى غاية يونيو من العام الحالي على ارتكاب أعمال نهب وتدمير في سوريا، خلفت أضرارا ثقيلة في مجالات النفط والغاز والمعادن وصلت قيمتها إلى 107.1 مليارات دولار.
في الوقت الذي تشارك فيه أمريكا في تدمير السلام والاستقرار في سوريا، تمتد يدها الطويلة للاستيلاء على ثروات هذا البلد المثخن بجراح الحرب. فقد أقدمت أمريكا على شن عدة عمليات عسكرية ضد سوريا، منتهكة سيادة هذا البلد وسلامة أراضيه، مما تسبب في خسائر فادحة في صفوف المدنيين وخسائر لا تُحصى في الممتلكات، إلى جانب نزوح أكثر من 12 مليون شخص. كما فرضت على سوريا عقوبات اقتصادية ثقيلة، جعلت من الصعب على الشعب السوري الحصول على الأمن المعيشي الأساسي. وعرضت التنمية الاقتصادية وإعادة الإعمار في البلاد إلى العديد من الصعوبات. وفي ذات الوقت، قامت أمريكا باحتلال المناطق الرئيسية المنتجة للنفط في سوريا بشكل غير قانوني، ونهب مايزيد عن 80٪ من النفط السوري، إلى جانب إنتاج وتهريب الحبوب السورية وإحراق المخزون السوري من الحبوب.
في الأثناء، تتواصل الأزمة السورية منذ ما يزيد عن العقد، ويواجه السكان أزمة إنسانية حادة. لكن رغم ذلك لا تتردد أمريكا عن نهب الثروات السورية، بما يكشف عن فظاعة ووحشية ممارستها.
وسوريا ليست الضحية الوحيدة للنهب الأمريكي، فقد قامت الولايات المتحدة بنهب العديد من الدول الضعيفة والصغيرة بأدوات مختلفة.
في أغسطس من العام الماضي، أعلنت حركة طالبان في أفغانستان عن تشكيل حكومة مؤقتة، فيما انسحب الجيش الأمريكي على الفور. وفي وقت لاحق، قامت الحكومة الأمريكية بتجميد 7 مليارات دولار من الأصول الخارجية للبنك المركزي الأفغاني عقابا لطالبان. مما أدى إلى نقص النقد الأجنبي في أفغانستان، وارتفاع الأسعار وتفاقم الفقر. وفي فبراير من العام الحالي، وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن أمرًا تنفيذيًا لاستخدام نصف الأصول الأفغانية كتعويض لضحايا هجمات 11 سبتمبر. وهوما ما زاد من تفاقم الأزمة الاقتصادية في أفغانستان.
بالإضافة إلى النهب المفضوح والمتعسف، استعانت الولايات المتحدة بهيمنة الدولار والاحتكار التكنولوجي والأدوات المالية لنهب ثروات الدول الأخرى. ولجأت إلى رفع أسعار فائدة الاحتياطي الفيدرالي لتسريع عودة الأموال العالمية إلى الولايات المتحدة لشراء السندات الأمريكية. ومن ثم تصدير أزمتها المالية واغتنام الفرصة لشراء أصول عالية الجودة من دول أخرى بأسعار منخفضة. إلى جانب شن حرب تجارية تعسفية لجعل جميع دول العالم تدفع ثمن فشل الحوكمة الاقتصادية الأمريكية. وفرض الحصار التكنولوجي على بعض الدول واحتكار التجارة العالمية في منتجات التكنولوجيا الفائقة، والاستفادة من ذلك لتحقيق أرباح ضخمة. ولتغطية ممارساتها الفظيعة، اعتادت الولايات المتحدة على نسج التبريرات مثل "الديمقراطية" و "حقوق الإنسان". وكثيرا ما كانت تفرض عقوبات أحادية الجانب ضد العديد من البلدان، مما يلحق ضررا خطيرا بالاقتصاد ومعيشة الناس في هذه البلدان ويخلف داخلها العديد من المآسي الإنسانية. وقد تحدث دانييل كوفاليك، أستاذ القانون الزائر في جامعة بيتسبرغ، عن هذه الممارسات الأمريكية قائلا بأن أمريكا تمارس "النهب الاستعماري" على أرض الواقع، أما خطاب "النظام" و "القواعد" فهو مجرد أداة لخدمة مصالحها.
لا تتورع أمريكا على اعتماد أي وسيلة من أجل الحفاظ على هيمنتها العالمية. ولا تتردد على إثارة النزاعات والفوضى في جميع أنحاء العالم، والاستفادة منها. والاستيلاء بالقوة كان دائما سمة واضحة في الهيمنة الأمريكية، ووسيلة رئيسية لتعظيم المصالح الأمريكية الخاصة والحفاظ على أسس الهيمنة العالمية.