فيصل السعدي، صحفي من صحيفة الرؤية العمانية
ينسج المغزل الصيني جسور المحبة والتواصل والتبادل التجاري بين الدول بمغزل حريري، أتحدث هنا عن "مبادرة الحزام والطريق" التي تأتي إحياءً لطريق الحرير التاريخي.
وقد عبَّر الرئيس الصيني شي جين بينغ عن اهتمامه بهذه المبادرة في خريف عام 2013، من منطلق كونها فكرة نموذجية لتحقيق التنمية المُستدامة والمنفعة المتبادلة ونبذ الحروب والكراهية، وإيصال رسالة السلام من الصين إلى منطقة الخليج مرورًا بجنوب شرق آسيا والمحيط الهندي وبحر العرب، كما يغطي هذا المشروع غرب آسيا وأوروبا.
وتجمع مبادرة الحزام والطريق ما يزيد عن 147 دولة و32 منظمة دولية حتى الآن؛ لتشارك الصين في أكبر مشروع لإسعاد البشرية، ومما لا شك فيه أن هذا المشروع العملاق سيُلبي حاجات الشعوب من السلع المتنوعة وتوفير فرص عمل جديدة لخفض أزمة الوظائف في بعض الدول النامية ومنحهم حياة كريمة.
ومنذ قديم الزمان ازدهرت حضارة الصين بفضل الحرير الذي كان يصل بلداننا قديمًا، وكان سببًا في تسمية هذا الطريق بـ"طريق الحرير"، كما يرجع الفضل في اكتشاف الطريق إلى معاناة أسلافنا في شق آلاف الكيلومترات بواسطة القوافل التجارية بين رمال وبحار وأودية في سبيل توفير احتياجاتهم؛ حيث قامت العديد من الحضارات والمدن بين محطات هذا الطريق الذي يربط العالم بثلاث نقاط رئيسية؛ وهي: صين الحرير، ووسط آسيا، والبحر الأبيض المتوسط، وتتفرع من كل نقطة الكثير من الطرق لتصل السلع معظم بلدان العالم القديم.
واليوم.. تعكف الصين على إحياء هذا الطريق بإنشاء طرق سريعة وسكك حديدية لربط دول الغرب والشرق، وهذا ما سيقوي العلاقات التجارية بين البلدان، وينشئ بنية أساسية متينة ويخلق أسواقًا ضخمة ويخلِّص الحكومات من الأزمات المالية ويُنهي التوترات الدولية التي أنهكت جميع الشعوب.
وفي هذا السياق، تعمل الصين على تعزيز "التنمية الخضراء" على طول هذا المشروع؛ حيث سيكون هناك تعاون مشترك بين الدول في مجال الطاقة النظيفة من خلال استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين، مما يساهم في خلق شبكات طرق ذكية داخل مدن عملاقة ذكية متطورة بطول الطريق، ليتحول العالم إلى مدينة لوجستية صديقة للبيئة ومتكاملة في كافة المجالات الاقتصادية.
وقد زُرتُ مؤخرًا مقاطعة شانشي الصينية، وذلك ضمن الزيارات التي ينظمها المركز الصيني الدولي للتبادل الصحفي، استعدادًا للمشاركة في منتدى الحزام والطريق للتعاون الإعلامي لسنة 2022 في مدينة شيآن، بعنوان "التركيز على التنمية العالمية وتعميق الترابط والتواصل"، وذلك تحت رعاية صحيفة الشعب اليومية ولجنة الحزب بالمقاطعة. وقد شاهدتُ أكبر تجمع إعلامي من مختلف أنحاء العالم في حياتي؛ فقد شارك أكثر من 120 صحفيًا من ممثلي وسائل الإعلام من مختلف الدول وأكثر من 40 منظمة دولية، وهو ما يعكس حرص حكومات الدول على التعاون والتركيز على إتمام هذا المشروع العظيم.
ما زلتُ أتذكر جمال مدن هذه المقاطعة المتطورة تكنولوجيًا والمحافِظة على هويتها التاريخية في الوقت نفسه، كما أثار دهشتي شوارعها الواسعة رغم التضاريس الصعبة؛ إذ تخترق الطرق والقطارات بطون الجبال المكسية بالثوب الأخضر، ثم تعبر إلى أودية ضخمة عبر جسور عملاقة لتُلهم زائرها بمدى قدرة الصين على ربط الكرة الأرضية بسكك حديد وطرق مُعبدة، كيف لا والشركات الصينية نجحت في ربط مدن المقاطعات الشاسعة ببعضها البعض؛ لتوفر خدمات نقل الركاب والبضائع بسهولة وسرعة إلى مختلف المقاطعات الأخرى.
وختامًا.. إنني وخلال عدة أسابيع قضيتها في دولة الصين الصديقة، تمكنت من اكتساب العديد من المعارف والمعلومات، عن أضخم بلد في العالم من حيث عدد السكان، وثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتعرفت على جانبٍ من ثقافة وحضارة هذا الشعب العريق، الذي يُبرهن لنا يومًا تلو الآخر أنه قادر على صُنع المُعجزات، وأن الطاقات البشرية لا حدود لها، فقط تحتاج إلى الإيمان والعزيمة حتى تحقق ما تصبو إليه من تطلعات ونجاحات.