رابعا، الاضطرابات الاجتماعية المتواصلة تهدد السلامة العامة
أخفقت الحكومة في الحفاظ على القانون والنظام المناسبين، وسجلت حوادث إطلاق النار وجرائم العنف، التي كانت تقع بمعدل مرتفع بالفعل، مستويات قياسية جديدة خلال جائحة كوفيد-19، ما أدى إلى حالة من الذعر بين عامة الناس. وأثار لجوء الشرطة غير المنضبط للعنف خلال إنفاذ القانون، موجات من الاحتجاجات عمت أرجاء البلاد. وأساءت الشرطة استخدام قوتها لقمع المحتجين، وقامت على نطاق واسع بالاعتداء على صحفيين وتوقيفهم، ما أجج بشكل أكبر الغضب العام والاضطرابات الاجتماعية المتواصلة.
شهدت معدلات الجريمة ارتفاعا وسط الجائحة. بينما تراجعت على نحو حاد الأنشطة في الأماكن المفتوحة نتيجة تدابير الاستجابة المختلفة للوباء، ارتفعت معدلات الجريمة في المدن الكبرى خلال الجائحة. وبحسب تقرير الجريمة الموحد الأولي لمكتب التحقيقات الفيدرالي الصادر في سبتمبر عام 2020، فإنه خلال النصف الأول من العام الماضي، ارتفع عدد جرائم القتل والقتل غير العمد بواقع 14.8 بالمئة على أساس سنوي، مع تسجيل المدن التي يتراوح عدد قاطنيها بين 250 ألفا و 500 ألف نسمة، زيادة بنسبة 26 بالمئة. وخلال ذات الفترة زاد عدد جرائم الحرق العمد بنسبة 19 بالمئة على أساس سنوي، فيما ارتفعت تلك الجرائم بنسبة 52 بالمئة في المدن التي يصل عدد سكانها إلى مليون نسمة فأكثر. وقفز عدد جرائم القتل في شيكاغو بنسبة 37 بالمئة، فيما ارتفع عدد حرائق العمد في المدينة بمعدل 52.9 بالمئة. وسجلت مدينة نيويورك ارتفاعا بنسبة 23 بالمئة في جرائم القتل، بينما شهدت لوس أنجلوس زيادة بواقع 14 بالمئة في جرائم القتل.
عدد جرائم العنف بقي عند مستوى مرتفع. بحسب تقارير مكتب التحقيقات الفيدرالي الصادرة في عام 2020، فإن ما يقدر بـ 1.2 مليون جريمة عنف وقعت في الولايات المتحدة في عام 2019، بينها 16425 جريمة قتل و139815 جريمة اغتصاب و267988 عملية سطو و821182 اعتداء خطيرا، وهو ما يترجم إلى خمس جرائم قتل وأكثر من 40 جريمة اغتصاب و80 عملية سطو و250 اعتداء خطيرا لكل 100 ألف من السكان.
مبيعات الأسلحة وحوادث إطلاق النار سجلت مستويات قياسية جديدة. كشفت دراسة من جامعة كاليفورنيا-ديفيس، أن الزيادة الكبيرة في عنف الأسلحة النارية في الولايات المتحدة مرتبطة بارتفاع شراء الأسلحة في ضوء تفشي فيروس كورونا الجديد. فمع تنامي الخوف من الفيروس، دفع شعور بعدم الاستقرار حتى الأشخاص الذين كانوا يعتبرون أنفسهم ضد شراء الأسلحة، دفعهم لشراء أسلحة لأول مرة. وأوردت صحيفة "ذا واشنطن بوست" على موقعها الإلكتروني في يوم 19 يناير عام 2021، أن عمليات الإغلاق جراء كوفيد-19 والاحتجاجات المناهضة للعنصرية والصراعات الانتخابية أدت جميعها إلى مبيعات قياسية للأسلحة بلغت نحو 23 مليون قطعة سلاح في عام 2020، بزيادة 64 بالمئة مقارنة مع مبيعات عام 2019. ووفقا للمؤسسة الوطنية لرياضات الرماية فإن أرقام عام 2020 تتضمن عمليات شراء قام بها 8 ملايين شخص اشتروا السلاح لأول مرة.
وذكرت صحيفة "يو.إس.أيه توداي" على موقعها الإلكتروني يوم 18 ديسمبر عام 2020، أنه فيما يتعلق بجرائم القتل بالأسلحة، فإن الولايات المتحدة سجلت على نحو تاريخي معدلا يزيد بواقع 25 ضعفا عن الدول الغنية الأخرى. وبحسب بيانات من أرشيف العنف المسلح، فإن أكثر من 41500 شخص قتلوا جراء العنف المسلح في أرجاء البلاد خلال عام 2020، بمتوسط يزيد على 110 أشخاص في اليوم الواحد، وهو ما يعد مستوى قياسيا. كما وقع 592 حادث إطلاق نار جماعي في أنحاء البلاد، بمتوسط يزيد على 1.6 حادث يوميا. وأسفرت حوادث إطلاق نار في مقاطعة تشاتام في نورث كارولينا، ومقاطعة ريفرسايد في كاليفورنيا، ومقاطعة مورجان في آلاباما عن إزهاق أرواح سبعة أشخاص في كل منها. كما كانت هناك نهاية أسبوع مميتة في شيكاغو في أواخر مايو من عام 2020، حيث أصيب 85 شخصا في إطلاق نار، وكانت بينهم 24 إصابة قاتلة. وبعد ظهر يوم 9 يناير عام 2021، قام جاسون نايتنجال البالغ من العمر 32 عاما، بإطلاق النار بشكل عشوائي في شيكاغو، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة أربعة آخرين.
وفاة جورج فلويد جراء وحشية الشرطة أثارت الاضطرابات. في 25 مايو عام 2020، توفي جورج فلويد، وهو أمريكي من أصل أفريقي عمره 46 عاما من ولاية مينيسوتا، بعد أن جثا ضابط شرطة أبيض على عنقه لمدة ثماني دقائق خلال القبض عليه بتهمة التزوير. وقال جاكوب فراي، عمدة مينيابوليس، إن ما شاهده كان "خطأ على كل المستويات"، مشيرا إلى أنه "كونك أسود في أمريكا لا يجب أن يكون حكما بالإعدام". وقال بن كرامب محامي الحقوق المدنية في بيان إن "هذا الاستخدام السيئ والمفرط واللاإنساني للقوة أزهق حياة رجل كان يجري توقيفه من قبل الشرطة للاستجواب بشأن تهمة غير عنيفة".
وقالت كريستين كلارك، الرئيسة والمديرة التنفيذية للجنة المحامين الوطنية للحقوق المدنية بموجب القانون "إن أعماق اليأس هائلة الآن بالنسبة للمنحدرين من أصل أفريقي في هذه البلاد. يتراكم لديك العنف غير المنضبط من قبل الشرطة، وهو ما يجهز لعاصفة بكل معنى الكلمة". وأثارت وحشية الشرطة غضبا عارما، أدى إلى احتجاجات لدعم حركة "حياة السود مهمة" في أنحاء الولايات المتحدة وكذلك في العديد من البلدان الأخرى. وتصاعدت الاضطرابات في أنحاء البلاد، حيث قام المحتجون بإغلاق الشوارع ووضع الحواجز لمواجهة الشرطة. وتعرض عدد كبير من مراكز الشرطة والمؤسسات العامة ومراكز التسوق للنهب. وأوردت صحيفة "ذا جارديان" على موقعها الإلكتروني يوم 8 يونيو عام 2020، أنه منذ وفاة جورج فلويد على يد الشرطة، فإن نحو 140 مدينة في جميع الولايات الخمسين في أنحاء الولايات المتحدة، شهدت احتجاجات وتظاهرات ردا على عملية القتل هذه.
تم قمع المتظاهرين بالقوة. وفي مواجهة المظالم العامة العميقة، صب زعيم الإدارة الأمريكية آنذاك الزيت على النار بنشر عدد كبير من جنود الحرس الوطني في أنحاء البلاد والدعوة إلى إطلاق النار. ومع استهدافهم بالرصاص المطاطي المتطاير والغاز المسيل للدموع في مواقع التظاهرات، شعر الناس بالرعب وسقط المجتمع في حالة من الفوضى. كان العملاء الفيدراليون الأمريكيون يلقون القبض على المحتجين دون سبب على ما يبدو. وأُلقي القبض على أكثر من 10 آلاف شخص، بينهم العديد من الأبرياء. وأدى إعلان مقتل بريونا تايلور، وهي سيدة أمريكية من أصل أفريقي، خلال مداهمة للشرطة إلى تأجيج موجة متجددة من احتجاجات حركة "حياة السود مهمة" خلال عام 2020، حيث أعلنت مدينة لويفيل وحدها عن توقيف 435 فردا خلال الاحتجاجات. وذكرت صحيفة "ذا جارديان" على موقعها الإلكتروني يوم 29 أكتوبر عام 2020 أن ما لا يقل عن 950 حادثا يدلل على وحشية الشرطة ضد المدنيين والصحفيين وقعت خلال الاحتجاجات المناوئة للعنصرية منذ مايو 2020. واستخدمت الشرطة الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع "والقوة المميتة غير القانونية" ضد المحتجين.
تعرض الصحفيون لاعتداءات غير مسبوقة من قبل قوات إنفاذ القانون. وكان هناك ما لا يقل عن 117 عملية توقيف أو اعتقال لصحفيين خلال قيامهم بتغطية الاحتجاجات المناهضة للعنصرية في الولايات المتحدة في عام 2020، بزيادة بنسبة 1200 بالمئة مقارنة مع أرقام عام 2019. ونشرت صحيفة "ذا جارديان" على موقعها الإلكتروني يوم 5 يونيو عام 2020، أن الصحفيين تعرضوا للضرب والرش برذاذ الفلفل وتوقيف الشرطة لهم بأعداد لم توثق مطلقا من قبل في الولايات المتحدة. وكانت هناك 148 عملية توقيف أو اعتداء على صحفيين في البلاد خلال أسبوع واحد بعد حادث مقتل جورج فلويد، وهو ما يتجاوز ما تم تسجيله خلال السنوات الثلاث السابقة مجتمعة. وذكرت لجنة حماية الصحفيين في بيان صدر في 14 ديسمبر عام 2020، أن الصحفيين الأمريكيين واجهوا اعتداءات غير مسبوقة في عام 2020، كان أغلبها على يد قوات إنفاذ القانون.