عُقد مؤخرا مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين، وقد ألقى الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني الرئيس شي جين بينغ في هذا المؤتمر كلمة استعرض فيها العمل الاقتصادي في عام 2020، وقدم تحليلا للوضع الاقتصادي الحالي ورتّب أولويات العمل الاقتصادي في عام 2021 حتى تتمكن عجلة الاقتصاد الصيني من تجاوز كل العقبات ومواجهة التحديات لتحقيق تنمية مطردة وطويلة الآجال. من خلال نافذة مهمة لمراقبة النبرة العامة للسياسة الاقتصادية للصين في العام المقبل، أصبح لدى العالم تصورا أوضح بأن الاقتصاد الصيني الذي يتمتع بمرونة وحيوية قوية سيضخ مزيدًا من الثقة والزخم في انتعاش ونمو الاقتصاد العالمي في فترة ما بعد كوفيد-19.
يقول المثل، لا يمكن التعرف على الصفات الحقيقية لأي بطل إلا بعد أن يركب أمواج البحر. هذا العام هو عام استثنائي في تاريخ الصين الجديدة. ولمواجهة التحديات الدولية شديدة التعقيد، والإصلاحات المحلية الشاقة والمرهقة، والمهام التنموية والحفاظ على الاستقرار، وخاصة التأثير الكبير الناجم عن كوفيد-19، حافظت الصين على قوتها الاستراتيجية، وقيّمت الوضع بكل دقة وخططت بشكل جيد، وتصرفت بحزم وبذلت جهودا جبارة مما جعلها تحظى برضى شعبها وجلب انتباه العالم إليها، وهذا ما جعلها تدخل صفحات التاريخ من أوسع أبوابه. أخذت الصين زمام المبادرة في السيطرة على الفيروس واستئناف العمل والإنتاج، كما أخذت زمام المبادرة أيضا في تحقيق النمو الاقتصادي من سلبي إلى إيجابي، لتصبح بذلك الاقتصاد الرئيسي الوحيد في العالم الذي يحقق نموًا إيجابيًا، وسيتجاوز حجم الاقتصادي السنوي 100 تريليون يوان، وسترتفع حصتها في الاقتصاد العالمي من 16.3٪ العام الماضي إلى حوالي 17.5٪ هذه السنة. إن المجتمع الدولي متفائل بشكل عام بشأن آفاق التنمية الاقتصادية للصين. وقد ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن "الانتعاش الاقتصادي للصين آخذ في التوسع." وعلقت شركة بلاك روك، أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، أن "الصين هي قطب لا مثيل له في النمو العالمي"، كما رفع معهد أكسفورد لبحوث الاقتصاد البريطاني ومجموعة غولدمان ساكس الأمريكية توقعاتهما بشأن النمو الاقتصادي الصيني العام المقبل.
ما سرّ هذه الإنجازات الاقتصادية التي حققتها الصين والتي لم تكن سهلة أبدا إذن؟ لقد أشار مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي إلى أن "سلطة اللجنة المركزية للحزب هي الدعامة الرئيسية للحزب كله وللشعب من كافة المجموعات العرقية لمواجهة الصعوبات في أوقات الأزمات"، وأن "مبدأ 'الشعب أولا 'هو الشرط الأساسي لاتخاذ الخيارات الصحيحة"، "وميزة النظام هي تشكيل قوة جبارة للتغلب على الصعوبات"، و"صنع القرار العلمي والاستجابة الإبداعية هي الأساليب الأساسية لتحويل الأزمات إلى فرص" و "الاعتماد على الذات في العلوم والتكنولوجيا هو الداعم الأساسي للتنمية الشاملة ". إن هذه "الأساسيات الخمسة" هي طريق منير للصين للعمل على تنسيق الوضع العام في الداخل والخارج وتعميق الفهم لانتظام الأداء الاقتصادي الجيد في مواجهة التحديات الشديدة والتنسيق بين عمليات مكافحة الأوبئة والوقاية منها والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما جعل من التنمية الاقتصادية الصينية أيضا مصدر إلهام عالمي.
يقول المثل "الشخص الذي يراقب الوضع هو الشخص الحكيم، ومن يتحكم بالوضع هو الفائز". إذا نظرنا إلى العالم فإن كوفيد-19 قد أغرق الاقتصاد العالمي في حالة من الركود، وتكبدت المجتمعات البشرية خسائر فادحة مما جعل أزمة الوباء هذا تتجاوز تأثيرات الأزمة المالية الدولية التي حدثت سنة 2008 وأصبحت آفاق الانتعاش الاقتصادي العالمي غير مؤكدة إلى حد كبير. لكن بالتركيز على الصين الآن وفي المستقبل أيضا فإن التنمية فيها لا تزال تشهد فرصا استراتيجية هامة ومع ذلك فإن الفرص والتحديات التي تواجهها لها تطورات وتغيرات جديدة. لقد قام مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي بتحليل موضوعي وعقلاني للوضع الاقتصادي الحالي في الصين والعالم، وقدم بوضوح المتطلبات العامة والأهداف الرئيسية وتوجهات السياسة والمهام الرئيسية للعمل الاقتصادي للعام المقبل، وشدد على النبرة العامة للالتزام بالسعي لتحقيق التقدم مع الحفاظ على الاستقرار والاستمرارية في سياسات الاقتصاد الكلي. لذلك فهو ذو أهمية كبيرة للتنمية الاقتصادية في الصين وانتعاش الاقتصاد العالمي. يعتقد جوهانس بفلوج، مفوض الشؤون الصينية في مدينة دويسبورغ بألمانيا، أنه في عام 2021، من المتوقع أن يستمر الاقتصاد الصيني في لعب دوره كقاطرة لمساعدة الاقتصاد العالمي على التعافي.
يتكامل الاقتصاد الصيني بشكل كبير مع الاقتصاد العالمي، وقد جذب توسع الصين في الانفتاح على العالم الخارجي انتباه العالم. دعا مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي إلى خطوة أولى جيدة في بناء نمط تنموي جديد في العام المقبل، ورؤية الأجواء الجديدة، مؤكدا على أن أمن واستقرار السلسلة الصناعية وسلسلة التوريد هي اللاعب الأساسي لبناء هذا النمط وتشكيل سوق محلي قوي، كما شدد على أنه "لبناء نمط جديد للتنمية، يجب علينا بناء نظام اقتصاد سوق اشتراكي رفيع المستوى وتنفيذ انفتاح على مستوى عال وتعزيز الترويج المتبادل للإصلاح والانفتاح". إن نمط التنمية الجديد ليس دورة داخلية مغلقة، بل هو دورة مزدوجة محلية ودولية أكثر انفتاحًا، حيث لا يقتصر الأمر على احتياجات التنمية الخاصة بالصين فحسب، بل سيفيد أيضا جميع شعوب العالم بشكل أفضل. لقد تم التوقيع رسميا على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة منذ فترة قصيرة، لذلك أوضح مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي بأنه سيدرس جيدا فكرة الانضمام إلى الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة عبر المحيط الهادئ والتي تثبت التزام الصين ببناء اقتصاد عالمي مفتوح وجلب المزيد من الانتعاش والأرباح له.
إن السنة القادمة هي السنة الأولى للخطة الخمسية الرابعة عشرة والذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني. بالنظر إلى عام ذي أهمية خاصة في عملية تحديث الصين، فإن هذه الأخيرة وبناء على المرحلة الجديدة من التطور الذي تشهده، فلا بد لها من تحدي الصعاب ومواجهة المخاطر من أجل تحقيق تطوير عالي الجودة ومستقبل مستقر. وبينما تصنع الصين باستمرار معجزات جديدة أكبر على كافة المستويات، فإنها في نفس الوقت تتعاون مع الدول الأخرى لكتابة فصل جديد من أجل مستقبل أفضل للبشرية.