تعليق: مبادرة " أمن البيانات العالمية " الصينية .. السبيل الوحيد لعالم رقمي آمن

ذكر عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي في كلمة ألقاها في الندوة الدولية حول الحوكمة الرقمية العالمية عبر رابط الفيديو المنعقدة يوم 8 سبتمبر الجاري، انه من أجل مواجهة المشاكل والتحديات الجديدة، وبناء فضاء إلكتروني سلمي وآمن ومفتوح وتعاوني ومنظم، تستعد الصين لإطلاق "مبادرة أمن البيانات العالمية" بتوفير الخطة المبدئية، وبداية الصياغة المشتركة للقواعد الدولية للأمن الرقمي، بدعوة الحكومات والمنظمات الدولية والأطراف الأخرى للمشاركة فيها.

يشتمل المحتوى الرئيسي لـمبادرة " أمن البيانات العالمية" على ثمانية نقاط، وكلها النقاط الساخنة التي تهتم بها وترتبك فيها الدول حول العالم، والتي تكهنت بها بعض الدول والقوى بشكل غير صحيح.

على سبيل المثال، تتطلب النقطة الرابعة من النقاط الثماني أن تلتزم الشركات بالقوانين المحلية، ويجب ألا تجبر حكومات الدول المختلفة الشركات المحلية على تخزين البيانات التي يتم إنشاؤها والحصول عليها في الخارج في بلدانها. وتنص النقطة الخامسة على أن حكومات الدول المختلفة يجب ألا تحصل على بيانات موجودة في دول أخرى من شركات أو أفراد. وتطالب النقطة السابعة من الشركات عدم إنشاء أبواب خلفية في المنتجات والخدمات للحصول على بيانات المستخدم بشكل غير قانوني. في الواقع، تعتبر هذه حيوية لأمن البلدان في عصر المعلومات.

كما نعلم جميعًا، تشهد الإنترنت والاقتصاد الرقمي تطورا سريعا، لكن وضع القواعد لم تتم متابعته في الوقت المناسب، مما قد يؤدي بسهولة إلى سوء التفاهم وإثارة الشكوك بين الدول.

ويأتي إطلاق الصين لمبادرة " أمن البيانات العالمية" في هذا الوقت بذات بسبب إلحاح هذه لقضية واهميتها المتزايدة على نطاق عالمي. والصين كدولة نامية كبيرة، تعد أيضًا بلدًا يتقدم بسرعة نسبيًا في مجال تكنولوجيا المعلومات. وفي الوقت نفسه، لديها تجربة الاستجواب من قبل الغرباء. ما قد يجعلها أكثر شعورا بأهمية إنشاء أمن البيانات العالمي بشكل مباشر.

اقترحت الحكومة الأمريكية خطة "شبكة نظيفة" لـ 5G الشهر الماضي، تتطلب الإزالة الكاملة للمعدات الصينية والمنتجات التكنولوجية "غير الموثوق بها"، في المجالات الخمسة لمشغلي الاتصالات، وتطبيقات الهاتف المحمول، ومتاجر التطبيقات، وخدمات الشبكة السحابية، والكابلات البحرية، ودعوة جميع الدول لتحذو حذوها. ما يوضح أن واشنطن تستخدم الافتقار إلى القواعد في مجال تكنولوجيا المعلومات لمحاولة بناء إطار أمان للشبكة حول مصالح الولايات المتحدة. لذلك، يمكن القول إن "الشبكة النظيفة" هي منتج جيوسياسي، وليس خطة أمان بيانات عالمية حقيقية.

إن المبادرة المكونة من ثماني نقاط التي طرحها وزير الخارجية وانغ يي ليست خطة مستهدفة للعبة محصلتها صفر مع الولايات المتحدة، كما أنها ليست مسألة اختيار واحد للعالم، ولكنها مبادرة عمل إنساني مشتركة لحل مشاكل أمن البيانات بصدق. وتتميز هذه المبادرة كونها تحتضن الجميع دون تمييز، لا زعيم عليها، ولا شرط أفرلورد، وهدفها الرئيسي تنظيف المخاطر الأمنية التي تواجهها جميع الدول، وتعزيز وضع القواعد التي يجب على جميع البلدان والشركات الالتزام بها على قدم المساواة.

نعتقد أن كل دولة لديها مخاوف بشأن أمن البيانات ستتأثر بمبادرة النقاط الثمانية، وتوافق على عمومية تلك المسائل، وتدرك أنها ليست مستهدفة لدول وشركات معينة. وإن بعض الخلافات الحالية بين الصين والولايات المتحدة هي مؤقتة، وسوف تتغير بمرور الوقت، في حين أن أمن البيانات العالمي له أهمية طويلة المدى. وبالتأكيد، فإنه مع بناء هذا الأساس المتين، سيقلل الكثير من المشاكل، وسيؤدي عدد كبير من القضايا إلى تقليل التأثير والقوة المدمرة في الانفتاح والشفافية.

لقد أدخلت الولايات المتحدة التفكير الجيوسياسي إلى مجال التكنولوجيا على نطاق واسع. وأن استهداف واشنطن الصين "المنافس الاستراتيجي"، سيجعل كل شيء يقع في محصلة صفر. وفي المقابل، فإن هذا الحال يختلف في الصين، حيث ترى الأخيرة أن مساحة أكبر للتعاون والازدهار المشترك. ويجب أن تحظى مبادرة أمن البيانات العالمية بمشاركة نشطة من الولايات المتحدة. وكيفية عملها ستكون لها تأثير مختلف تمامًا على أمن العالم الرقمي البشري.

تتمتع الولايات المتحدة بشروط تقنية أقوى ونطاق أوسع في الأسواق. وإذا تمكنت من أخذ زمام المبادرة فيما يتعلق باحترام أمن البيانات في البلدان الأخرى، فسيكون ذلك بلا شك نعمة للمستقبل الرقمي للبشرية.

" الانسجام" هو جوهر الفلسفة الصينية، ففي القرن الحادي والعشرين، تعارض الصين بشكل خاص المواجهة في المجال الرقمي. وسنكتشف العديد من الاحتمالات الإيجابية التي لم نكن نصدقها من قبل، برفض تفكير المواجهة، ودفع التواصل والتعاون الى الأمام.

تضمين أمن البيانات العالمي هو أمر لا مفر منه خلال طريق تعميق اكتشاف البشرية للعالم الرقمي. ويرجى ألا ينظر إليها بعيون جيوسياسية. ولا يوجد الكثير من الجغرافيا السياسية في العالم الرقمي، فهناك مشاكل حقيقية وحلول تعاونية ومفيدة للطرفين يجب أن تُعطى بجدية.