شهد وادي غالوان المنطقة الحدودية بين الصين والهند احتكاكات بدنية شرسة بين الضباط والجنود الصينيين الذين ذهبوا إلى الموقع للتفاوض وقوات الخطوط الأمامية الهندية التي عبرت مرة أخرى خط السيطرة الفعلية لتنفيذ استفزاز متعمد، ما تسبب في وقوع ضحايا.
ولأن الصين باتت مادة دسمة في تصدر الأخبار في بعض وسائل الاعلام الغربية ومعلقين الاخبار، ارتفعت بعض الأصوات الإعلامية والتحليلية قائلين إن تحرك الصين سيدفع الهند نحو أحضان الولايات المتحدة.
إن مثل هذه الاخبار والتعاليق لم تبالغ في طبيعة الصراع في وادي غولوان فحسب، بل تقلل أيضًا من أهمية الاستقرار الاستراتيجي للصين والهند كقوتين عالميتين.
يعتقد جانغ جيا دونغ، مدير وأستاذ مركز أبحاث جنوب آسيا بجامعة فودان، أن الصراع العشوائي غير المنظم في وادي غلوان أمر لا مفر منه، حيث أن الحدود بين البلدين متوترة لفترة طويلة، ومن الصعب السيطرة على الوضع وتدهوره المفاجئ امر طبيعي. كما أن الصدفة تعني أن أياً من الطرفين لم يتعمد في الاعتداء على الطرف الآخرين، وأن العوامل التي أدت الى سقوط ضحايا هي موضوعية، حيث أن الارتفاعات العالية ودرجات الحرارة المنخفضة والتضاريس الخطرة في موقع المواجهة هي الأسباب الرئيسية للإصابات، حيث يمكن أن تؤدي مشاكل صغيرة مثل نزلات البرد وإصابات الدماغ البسيطة الى الموت في تلك المنطقة. لذلك، فإن الخسائر الفادحة التي وقعت في وادي غالوان غير مقصودة من كلا الطرفين، بالرغم من أن الصراع كان النتيجة الناجمة عن تعزيز الطرفين للسيطرة على الحدود.
يبدو أن إجراءات الرقابة بين الصين والهند على الحدود والنزاعات الإقليمي تعاني من العديد من المشاكل، لكنها في الواقع فعالة للغاية. وقد نجح البلدان في تخفيض تصنيف القضية من قضية نزاع إقليمي إلى مسألة الإدراك والسيطرة على خط التحكم الفعلي. ويرى جانغ جيا دونغ، أن المنافسة والتعاون بين الصين والهند في استراتيجية المحيطات وسياسة جنوب آسيا هي العوامل الأكثر أهمية التي تؤثر على العلاقات طويلة الأمد بين البلدين. ومن هذا المنظور، فإن الصرع الحدودي من الصعب تغيير النظام الاستراتيجي للصين أو الهند. كما أنه عند النظر في العلاقات الاستراتيجية بين الصين والهند، يكون من الضروري في بعض الأحيان تجاوز النزاعات الحدودية، وتجاوز النطاق الثنائي والإقليمي، واستخدام منظور أكثر عالمية.
وأشار جانغ جيا دونغ على أن الاستقرار في السياسة الخارجية للصين والهند مرتفعًا جدًا تاريخيًا، وان الهند لم تغير العلاقات الصينية الهندية بشكل جذري ولم تغير موقفها الأساسي بشأن بعض القضايا الرئيسية، بعد الصراع بين البلدين في عام 1962، ولكنها جمدت العلاقات مع الصين فقط، ولم يحدث التعديل الأساسي لاستراتيجية الهند الخارجية إلا بعد تحسن العلاقات الصينية الأمريكية ونهاية الحرب الباردة. ويعتقد جانغ جيا دونغ، إن تعديل استراتيجية الهند للصين هو نتيجة التغيرات الواضحة في النمط الدولي التقليدي بعد الأزمة المالية لعام 2008، ونتيجة لصعود الصين والهند في نفس الوقت. لذلك، فإن الحجة القائلة بأن الصراع الحدودي سيدفع الهند إلى طرف ثالث، ما هو إلا تقليل من شان الهند، القوة العالمية الصاعدة واعتبارها مجرد بيدق في السياسة الدولية.
إن إطار العلاقة الحالية بين الصين والهند تم تحديده من الجزئي الى الكلي بشكل أساسي في التسعينيات الى بداية القرن الحادي والعشرين. وفي ذلك الوقت، كانت الصين والهند ضعيفتان نسبيًا، وكانت قدراتهما الدولية وقدرتهما على السيطرة على المناطق الحدودية محدودة للغاية. كما كان لدى البلدين قدرات دورية منخفضة للغاية في المناطق الحدودية، وكانت فرص المواجهة نادرة نسبيًا. وغالبًا ما تعرف دوريات البلدين أن دورية الطرف الآخر هناك من خلال التغييرات في المشهد أو الكتابة على حجر معين فقط. ولكن الآن، أقام البلدان نظام مراقبة شاملاً وبدوام كامل، كما تم تعزيز قدرات دورياتهما بشكل كبير. وأن المواجهات التي كانت نادرة الحدوث في السابق أصبحت طبيعية. ولم تعد آلية مراقبة الحدود الصينية الهندية الحالية تلبي احتياجات الحفاظ على السلام والهدوء في منطقة الحدود في ظل الوضع الجديد. ويعتقد جانغ جيا دونغ، أن الصين والهند بحاجة حقا على إعادة تحديد العلاقات الثنائية بينهما في ظل الوضع الجديد.
على المستويين الكلي والاستراتيجي، يرى جانغ جيا دونغ، أن الصين والهند بحاجة حل بعض المشاكل الجديدة أيضًا. بعد أن أرسلت الصين أسطولًا مرافقة إلى المياه الصومالية، تطور الوجود المختلف في جنوب آسيا والمحيط الهندي تدريجيًا. ويمكن القول إن هذا هو التغيير الأكبر في استراتيجية الصين البحرية في الـ 600 سنة منذ رحلة تشنغ خه إلى الغرب. كما وسعت الهند أنشطتها البحرية إلى بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي وحتى شرق المحيط الهادئ من خلال استراتيجية شرعية ومختلف التعاون العسكري الثنائي والمتعدد الأطراف. كما شهدت الصين والهند ارتفاعات متزامنة غير مسبوقة أثناء سعيهما لرفع من مكانتهما كقوى البحرية، مما جلب فرصًا وتحديات جديدة للعلاقات الثنائية.
وخلص جانغ جيا دونغ قائلا: "جبال الهيمالايا لم تعد تشكل عوائق أمام التواصل بين البلدين، ولم تعد حاجزًا استراتيجيًا فعالًا بين البلدين مع تحول وجهات النظر الاستراتيجية للبلدين من الأرض إلى البحر في نفس الوقت. كما يجب على الصين والهند تجاوز جبال الهيمالايا وأن يكونا أكثر استقلالية واستراتيجية وتطلعيه عندما ينظران إلى المنظور الاستراتيجي لبعضهما البعض."