دفع اغتيال الولايات المتحدة الجنرال الإيراني قاسم سليماني مرة أخرى الصراع الأمريكي الإيراني إلى الواجهة من جديد، مما زاد من تفاقم الاضطرابات في الشرق الأوسط. فما هو هدف هذا الهجوم الهمجي الذي نفذته الولايات المتحدة؟ ويرى فان هونغدا، مدير مركز أبحاث الشرق الأوسط في جامعة شيامن الصينية أن عملية الاغتيال يمكنها تحقيق العديد من الاهداف. فهي لا تستهدف كبح جماح "التوسع الإقليمي" لإيران فحسب، بل تمثل رسالة أيضا للدول المعادية الأخرى. وبشكل عام، فإن شرق أوسط أكثر انقساما وفوضة وخاضع للسيطرة يمكنه أن يتماشى بشكل أكبر مع المصالح الأمريكية.
ان اغتيال الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولا ايرانيا مركزيا تحت مسمّى "ارهابي" في العراق، يعدّ انتهاكا خطيرا للقانون الدولي. ورغم أن أمريكا تدرك بأن اغتيالها لسليماني سيواجه بأدانة دولية، لكن رغم ذلك أقدمت على هذه الخطوة. فما هي الرسائل التي تريد الولايات المتحدة إرسالها إلى العالم الخارجي من هذه العملية؟ أو كيف علينا أن نفهم سلوك الولايات المتحدة؟
من الطبيعي أن يؤدي اغتيال قاسم سليماني إلى كبح النفوذ الايراني في الشرق الأوسط، نظرا للدور الكبير الذي لعبه سليماني في هذا المجال. فقد ظل النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط يتعاظم باستمرار خلال العقدين الماضيين، ولا شك في أن المكانة الاستراتيجية لايران باتت تهدد مصالح امريكا وحلفائها في الشرق الأوسط. لذا بادرت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة إلى ادراج السليماني في القائمة السوداء للارهابيين الدوليين. كما صنّفت قوات "فيلق القدس" والحرس الثوري الإسلامي الإيراني كمنظمتين ارهابيتين. وتعتقد امريكا أنها باغتيالها لقاسم سليماني ستتمكن من احتواء التوسع الايراني في منطقة الشرق الأوسط.
قصف الولايات المتحدة للسليماني يعبر أيضا عن رسائل تهديد للخصوم والأعداء الاخرين. فرغم مكانة سليماني وما تقتضيه هذه المكانة من حماية أمنية، إلا أن الولايات المتحدة استطاعت أن تصل اليه. ولا شك أن تصفيتها لسليماني تحمل رسائل تهديد لأعداء آخرين. فمن النادر جدًا في العلاقات الدولية المعاصرة استخدام مثل هذا العنف الوحشي الذي يتعارض مع القانون الدولي للتعامل مع الأعداء، وهذا يدل أيضًا على أن الولايات المتحدة بصدد في كل شيء من أجل تحقيق مصالحها الذاتية. وهوما قد يخلق ضغوطا نفسية على أعدائها الأخرين. وهذه هي احدى الرسائل التي أراد الرئيس ترامب ارسالها من خلال عملية اغتيال قاسم سليماني.
امريكا تحتاج الى شرق أوسط يعاني من الفوضى
لا شك في ان أمريكا تدرك بأن اغتيال سليماني، سيتبعه رد ايراني. وأن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات في الشرق الأوسط. فكيف لا تقلق من أن يتحول الشرق الأوسط إلى منطقة أكثر اضطرابا وفوضى؟ وهذا يعود أساسا إلى رغبة الولايات المتحدة في استمرار الشرق الأوسط في حالة فوضى، وعدم قدرة أي دولة إقليمية السيطرة عليه.
فالفوضى في الشرق الأوسط يمكن أن تحفز مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المنطقة، وتأثير مؤسسات الصناعة العسكرية على السياسات الحكومية معلوم لدى الجميع. وقد أكّد النقاش المحتدم منذ فترة طويلة في الولايات المتحدة حول السيطرة على الاسلحة هذه الحقيقة. وفي الوقت الحالي، هناك العديد من الدول في العالم في حاجة إلى الأسلحة الأمريكية، لكن المشترين ذوي القوة الشرائية مثل الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط نادرون. ولسنوات عديدة، كانت الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط هي الأكثر شراء للأسلحة الأمريكية. لذا فإن السلام في الشرق الأوسط سيضر بسوق الأسلحة الأمريكية، وهو أمر لا يحظى بترحيب من جانب مؤسسات الصناعة العسكرية الأمريكية. وتعد المحافظة على الفوضى والاضطرابات المستمرة في الشرق الأوسط خيارًا لسياسة حكومة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، تتأثر بشدة برغبات الشركات المصنعة للأسلحة.
يمكن أن تسمح الفوضى في الشرق الأوسط أيضًا لدول المنطقة بكبح بعضها البعض، مما يجعل من الصعب إحداث ظاهرة هيمنة بلد ما. مما يسهل تدخل الولايات المتحدة بل وحتى التلاعب بشؤون الشرق الأوسط. ويُظهر التاريخ اللاحق للحرب العالمية الثانية بوضوح أن طرف اقليمي يسعى للسيطرة على الشرق الأوسط يتعرض للاحتواء من قبل الولايات المتحدة ويتحول إلى عدو لها. وكانت جمهورية إيران الإسلامية التي تعتبر نفسها قائدة في منطقة الخليج بالشرق الأوسط، هدفا لاحتواء الولايات المتحدة منذ إنشائها. حيث لا يمكن للولايات المتحدة أن تتسامح بأن تظهر في منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة قوى هيمنة إقليمية يمكن أن تعطي الأوامر. لأن الولايات المتحدة تعتقد أن مثل هذه الدول سيصعب التحكم فيها ولن تخدم مصلحة الهيمنة الأمريكية. لذلك، فإن شرق أوسط منقسم ومضطرب وغير خاضع للسيطرة، هو النموذج الأكثر ملائمة للمصالح الأمريكية.
في سبيل الحفاظ على مكانتها المهيمنة في العالم، لا تتردد الولايات المتحدة في إطلاق حملاتها المعادية لكل القوى التي تمثل تحدّيا بالنسبة لها. وعلى المجتمع الدولي أن يبقى يقظا تجاه هذه السياسات وخاصة البلدان المعنية بشكل أكبر.