"الطعام يمثل الأولوية بالنسبة لحياة الشعوب." يعكس هذا المثل الصيني القديم معنى "ثقافة الأكل" الهام وبعيد المدى. من يستطيع أن يحقق الإكتفاء الغذائي الذاتي لمليار و400 مليون شخص؟ هذه ليست مسألة تخص بلدا واحدا فقط، ولكنها مسألة مهمة تؤثر على العالم أيضا.
الصين بلد زراعي كبير ومزدحم بالسكان. في السنوات الأخيرة استقرت المساحات المزروعة بحبوب وطنية على مساحة قدرها أكثر من 1.7 مليار مو (حوالي مليون كيلومتر مربع)، كما أن الإنتاج تحسن باستمرار وظلت كميات إنتاج الحبوب أعلى من 600 مليار كلغ. في الوقت الحالي يتجاوز معدل الإكتفاء الذاتي من الحبوب في الصين 95 بالمائة ومعدل الإكتفاء الذاتي من الحصص الغذاية يصل إلى 100 بالمائة، وحصة الفرد من الغذاء تصل إلى 240 كلغ بزيادة قدرها 37 بالمائة عن المتوسط العالمي.
يوجد في الصين 132 ألف كلم مربع من الأراضي المزروعة بالفواكه أي ما يعادل مساحة مقاطعة فوجيان لوحدها، في السنة الماضية تمت زراعة 250 مليون طن من الفواكه وهو ما يمثل 31.4 بالمائة من الإنتاج العالمي. الفواكه مهمة بنسبة كبيرة في حياة الناس اليوم، ومنذ بدايات تأسيس الصين الجديدة بلغ معدل كمية الفواكه بالنسبة للفرد الواحد ما يقارب 3 كلغ، أما الآن فتصل هذه الكمية إلى 184 كلغ.
تحسن المستوى الغذائي، والنمو البدني والحالة الغذائية للشعب الصيني قد تحسنت بشكل ملحوظ، كما أن مؤشر السعادة تحسن بشكل مستمر.
وفقا للإحصائيات، فقد استمرت مؤشرات الطول والوزن عند الأطفال الصينيين في النمو بسرعة منذ سنة 1975 إلى سنة 2015. إذا أخذنا الفئة العمرية الأكثر تمثيلا من 5 إلى 5 سنوات ونصف، فقد ازداد طول الأولاد والبنات بمقدار 8 و 8.2 سنتم على التوالي. كما ارتفع متوسط العمر المتوقع في الصين من 35 سنة عام 1949 إلى 77 سنة أي أكثر من الضعف.
الغذاء خط دفاع غير مرئي. في سبعينات القرن العشرين، أشار وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر إلى أنه "إذا كنت تسيطر على النفط فأنت تسيطر على جميع البلدان، وإذا كنت تتحكم في الغذاء فأنت تتحكم في كل البشر".
بحلول سنة 2020، تتوقع الصين أن يصل طلب الغذاء فيها إلى 700 مليار كلغ ولتلبية مثل هذا الطلب المهول من الغذاء يمكن تخيل الضغط.
في سنة 1978 أيقظ ”استئجار الأراضي من الحكومة“ الذي نشأ في قرية شياو قانغ، الأرض النائمة وضخ حيوية جديدة بالنسبة لإنتاج الحبوب في الصين. شهد الإقتصاد الريفي وإنتاج الغذاء تغيرات جذرية خلال الإصلاح والإنفتاح والتي هي سلسلة من السياسات والتوجهات تماشيا مع الوضع الريفي. فمنذ سنة 1978 إلى سنة 1984 ارتفع إنتاج الحبوب من 304.6 مليار كلغ إلى 407.3 مليار كلغ بزيادة سنوية متوسطة قدرها 5.1 بالمائة خلال 6 سنوات. منذ سنة 2004، حافظ إنتاج الأغذية على الارتفاع ل12 سنة متتالية.
من أجل حماية خط الدفاع غير المرئي للأغذية، اقترحت "الخطة الخمسية الثالثة عشرة" للصين ما يلي: "الإلتزام الشديد بنظام حماية الأراضي الصالحة للزراعة والإلتزام بالخط الأحمر للأراضي المزروعة، وتنفيذ استراتيجية التكنولوجيا القائمة على توفير الحبوب وزيادة قدرتها الإنتاجية وضمان الإكتفاء الذاتي منها والحرص على أن تكون الحصص الغذائية آمنة بشكل تام". أما الإلتزام الصارم بالخط الأحمر في الإعتماد على التكنولوجيا التي تضمن قدرة إنتاج عالية في الأراضي المزروعة فقد بلغت مساحتها مليار و800 مليون مو.
"يجب على الصينيين أن يتحكموا بغذائهم وأن يحافظوا عليه." قال ذلك الرئيس الصيني شي جين بينغ في سبتمبر 2018 خلال تفقده في مزرعة تشيشينغ في مقاطعة هيلونغجيانغ، وأمسك وعاء أرز بكلتي يديه وتمعن فيه وقال: "الغذاء الصيني يعتمد على وعاء الأرز هذا." يقصد تحقيق الإكتفاء الذاتي من الحبوب").
مع دخول حقبة جديدة، وعندما استطعت الصين أن تجعل أكثر من خمس سكان العالم لا يأكلون فحسب وإنما يأكلون بشكل جيد أيضا، فإن ذلك يساهم في تطوير البرنامج الصيني للأمن الغذائي العالمي والتنمية الزراعية المستدامة.
في 23 يونيو 2019 وخلال الدورة الحادية والأربعين للجمعية العامة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في روما، تم انتخاب نائب وزير الزراعة والشؤون الريفية الصيني تشيو دونغ يوي مديرا عاما جديدا لهذه المنظمة بنسبة تصويت عالية، ليصبح بذلك أول مدير عام صيني في تاريخ المنظمة.
يبلغ حجم التجارة العالمية السنوية للحبوب حوالي 400 مليار كلغ سنويا، ما يمثل ثلثي استهلاك الصين فقط. لذلك فإن الصين إذا لم تستطع أن تحقق الإستقرار في حصصها الغذائية فسيشكل ضغطا على حصص سكان الدول الأخرى في العالم.
في مؤتمر الأغذية العالمي الأول المنعقد في سنة 1974، أعرب ممثلون وخبراء في جميع البلدان عن قلقهم العميق إزاء عدم إمكانية الصين من إطعام مليار شخص. وفي مؤتمر الفاو لسنة 1986 أعلنت الحكومة الصينية للعالم بأن الصين قد حلت بشكل أساسي مشكلة الغذاء والملابس.
منذ اندلاع أزمة الغذاء العالمية سنة 2008، حافظت الصين بقوة على الخط الأحمر للأراضي المزروعة ومعدل الإكتفاء الذاتي من الغذاء، والمحافظة على استقراره، وفي عامي 2014 و2015 على التوالي قامت الفاو بتكريم الصين بمنحها شهادة بلوغ الهدف الإنمائي للألفية في خفض نسبة الجياع وشهادة مؤتمر القمة العالمي للأغذية للحد من نسبة الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية.
"لدي حلمان، الأول هو الجلوس قرب حقول الأرز ومشاهدة سنابل الأرز وهي تنمو بشكل مستمر، والثاني هو أن يغطي الأرز الهجين الحلم العالمي". هذا ما يصرح به دائما يوان لونغ بينغ "أبو الأرز الهجين" والبالغ من العمر 90 عاما عن حلميه مرارا وتكريرا في الأماكن العامة.
منذ سنة 1979 تم بحث وتطوير الأرز الهجين الذي صدّرته الصين إلى الخارج في عشرات الدول والمناطق حول العالم، وقد تجاوزت المساحة المزروعة بالأرز الهجين 7 ملايين هكتار أي بنسبة 20 بالمائة أعلى من مساحة الأرز المحلي. وقد أدرجت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الأرز المهجن باعتباره أفضل تكنولوجيا بالنسبة للبلدان النامية لمعالجة نقص الغذاء لديها.
وأنشأت الصين مراكز إرشادية للتكنولوجيا الزراعية في حوالي 100 دولة، وأوفدت عشرات الآلاف من الخبراء الزراعيين ودرّست التقنيات المتقدمة في العديد من المجالات مثل المكننة وتجهيز الأغذية لمساعدة هذه البلدان على تدريب عدد كبير من المتخصصين في الزارعات الغذائية. إن المساعدة الزراعية والتكنولوجية المتأتية من الصين تدعم وتساعد في التخفيف من حدة الجوع في العالم.
لقد أثبتت الحقائق بأن الصين لم تضرب أسواق الأغذية العالمية، كما أنها لم تشكل تهديدا تنافسيا لاحتياجات البلدان النامية المستوردة للأغذية. لقد مكنت ميزات نظام الدولة الكبيرة والوسائل العلمية والتكنولوجية التي تُكتشف باستمرار في الصين من إطعام ما يقارب 20 بالمائة من السكان بنسبة 7 بالمائة من الأراضي المزروعة في العالم فقط، كما أن الصين المستقرة عززت السلام والإستقرار في العالم.