صورة التقطت في 14 يناير 2019 لمجموعة من المركبات العسكرية أثناء نشرتها في مقاطعة هاتاي الواقعة جنوبي تركيا، قرب الحدود السورية. |
أنقرة 19 سبتمبر 2019 (شينخوا) تسعى تركيا جاهدة إلى إنشاء منطقة آمنة على حدودها مع سوريا تخفف من مخاوفها الأمنية وتجعلها أيضا بوابة لإعادة توطين أعداد ضخمة من اللاجئين ولكن خططها الكبرى قد تكون غير مجدية، هكذا حذر الخبراء.
فقد ذكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الأربعاء أن "منطقة آمنة" من المزمع إقامتها في شمال شرق سوريا يمكن أن تستضيف ما يتراوح بين مليوني وثلاثة ملايين لاجئ سوري استقروا في تركيا وأوروبا بعد ثمان سنوات من الحرب داخل سوريا.
وفي خطاب علني ألقاه في أنقرة، كرر أردوغان أيضا أن أنقرة ستتصرف من تلقاء نفسها في غضون أسبوعين إذا كانت المنطقة، المزمعة إقامتها بالاشتراك مع الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا، لا تحمل أي نتائج قريبا، معربا عن شعوره بالإحباط مجددا من مماطلة الولايات المتحدة في هذا الأمر.
وأضاف أنه "من خلال جعل شرق (نهر) الفرات مكانا آمنا، وبالاعتماد على عمق هذه المنطقة الآمنة، يمكننا إعادة توطين ما يتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين سوري مهجر يعيشون حاليا في بلادنا وأوروبا".
وفي تصريحات سابقة، ذكر أردوغان أنه يمكن نقل مليون سوري إلى المنطقة الآمنة حتى أن تعهد ببناء منازل جديدة للاجئين هناك على الرغم من عدم الاتفاق بعد على عمق المنطقة وطولها.
وأضاف أردوغان "نريد أن نرى دعما قويا من الدول الأوروبية، فيما يتعلق بكل من قضية إدلب ومنطقة شرق الفرات. لقد سئمنا الأقوال ونتطلع إلى إجراء".
وفي الأسبوع القادم، سيناقش أردوغان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخطط الرامية إلى إنشاء ما تصفه تركيا بمنطقة آمنة على طول حدودها مع سوريا البالغ طولها 450 كلم والممتدة من نهر الفرات إلى الحدود العراقية، وهي منطقة يسيطر عليها بشكل أساسي مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية بسوريا والمدعومة من الولايات المتحدة.
تعد وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها أنقرة حركة إرهابية ذات صلة بحزب العمال الكردستاني، تعد حليفا رئيسيا للولايات المتحدة في قتال تنظيم (داعش) بسوريا.
وأثار الدعم الأمريكي لهؤلاء المقاتلين غضب تركيا وأدى إلى توتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن التي لديها ما يقدر بنحو ألفي فرد من القوات العسكرية في شمال سوريا.
وكرر أردوغان، قائلا "سنبدأ خططنا الخاصة في غضون أسبوعين إذا لم يخرج العمل مع الولايات المتحدة بشأن تشكيل منطقة آمنة بنتائج"، محذرا مرة أخرى من أنه سيتخذ إجراء أحادي الجانب.
وأثار اقتراح أردوغان المخاوف بين الخبراء بشأن جدوى مهمة ضخمة كهذه حيث قالوا لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه سيكون من المستحيل إرسال مثل هذه الأعداد الكبيرة من السوريين للتوطن في مساحة ضيقة من الأرض.
ومن جانبه، ذكر ميتين كوراباتير رئيس مركز البحوث المعنية باللجوء والهجرة في أنقرة "لقد التزمت تركيا بالاتفاقيات الدولية وامتنعت عن إرسال اللاجئين إلى مناطق النزاع. والمنطقة الآمنة المقترحة سيتم إنشاؤها في منطقة فاصلة بين الجنود الأتراك والمقاتلين الأكراد، لذلك سيكون من المستحيل إعادة إرسال المدنيين إلى هناك".
وقال كوراباتير مذكرا إن أي عملية إعادة توطين ينبغي أن تجري في ظل ظروف صارمة، أولها ضرورة أن تكون على أساس طوعي، مضيفا أنه "من المستحيل نقل اللاجئين إلى منطقة فاصلة" بين القوات المتحاربة.
أما عمر كادكوي محلل السياسات في مؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية التركية (تيباف)، فقد أشار إلى ضرورة خلق "عامل جذب" للسوريين الذين يرغبون في العودة" وضرورة "بناء البنى التحتية وخلق فرص اقتصادية لاستيعاب الاحتياجات المختلفة للعائدين المحتملين".
وأوضح كادكوي، الذي يعد في حد ذاته لاجئا، أن السوريين أسسوا جذورا لهم في تركيا ودخلوا سوق العمل وأرسلوا أبنائهم إلى المدارس.
"التخلي عن كل ذلك للعودة إلى مستقبل قاتم في مكان ليس بالموئل الأصلي سيكون، بالنسبة لغالبية السوريين في تركيا، مغامرة غير ضرورية"، هكذا قال كادكوي.
ووفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن غالبية السوريين الذين يعيشون في تركيا جاءوا من غرب الفرات وحلب، اللتين تبعدان مئات الكيلومترات عن المنطقة التي يُفترض إنشاء منطقة آمنة فيها، وهو عامل من شأنه أن يضيف إلى إحجام اللاجئين عن العودة.
ومن ناحية أخرى، قال وزير الداخلية التركي سليمان سويلو يوم الخميس إن حوالي 354 ألف سوري عادوا إلى وطنهم ليقيموا في الأراضي التي تم تطهيرها خلال عمليتين عسكريتين تركيتين تم تنفيذهما عبر الحدود منذ عام 2016.
ويتعرض أردوغان بالفعل لضغوط داخلية كبيرة فيما يتعلق بالحجم الضخم لمجتمع اللاجئين السوريين الذي تستضيفه بلاده في ظل صعوبات اقتصادية معوقة.
وأثار هذا الوضع مشاعر معادية تجاه اللاجئين بين السكان المحليين.
وقالت أنقرة مرارا إنها لن تستطيع تحمل تدفق جديد للاجئين وهدد أردوغان بإرسال اللاجئين إلى الدول الأوروبية، مطالبا بمزيد من الدعم المالي من تلك الدول.
وقد تباطئ تدفق المهاجرين عبر تركيا إلى منطقة البلقان وإلى الاتحاد الأوروبي، والذي بلغت ذروته في عام 2015، بشكل ملحوظ بعدما أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقا في عام 2016 يقضي بدفع مبلغ لأنقرة تتجاوز قيمته 6 مليارات يورو (حوالي 6.6 مليار دولار أمريكي) لتشديد الرقابة على حدودها.
وأضاف أردوغان "إذا لم نتمكن من تحقيق السلام في إدلب بسرعة، فلن نكون قادرين على تحمل عبء أربعة ملايين سوري يعيشون في تلك المنطقة".
وفيما يتعلق بموجة محتملة من اللاجئين من إدلب، اعترف كوراباتير بأن مخاوف تركيا شرعية وتقوم على أساس حقا، واقترح نقل هؤلاء المدنيين إلى مناطق خالية من الصراع حاليا في سوريا، وتخضع في الأساس لحماية الولايات المتحدة وقوات التحالف الأخرى.
وقال "هناك صيغة تسمى الوجهة الداخلية البديلة في القانون الدولي، والتي يمكن تطبيقها، ولكن على الولايات المتحدة أن تتحمل المسؤولية" عن سلامة اللاجئين مستقبلا.