بقلم: عباس جواد كديمي
بكين 19 سبتمبر 2019 (شينخوا) قبل 21 عاما بدأت عملي في بكين. ومنذ اليوم الأول، لوصولي لهذا البلد ورؤية الناس يتحركون ويعملون مثل خلية نحل دؤوبة، والبناء ينهض هنا وهناك، والنمو يتحقق بشكل ملحوظ، تمنيت مخلصا أن يكون هناك مزيد من التعاون بين بلدي العراق وبلدي الثاني الصين.
ومع مرور الأيام، أدركت ولمست عن قرب، عمق مشاعر الشعب الصيني الودية تجاه العراق بشكل خاص. مشاعر الصينيين تجاه العراق هي خليط من الإعجاب بالتاريخ والحضارة والصبر والجَلد والإمكانيات البشرية والمادية الظاهرة والكامنة. الناس في بكين يرفعون شارة الإبهام إعجابا عندما أقول لهم إنني من العراق.
ومع مر الأيام، ازدادت تمنياتي عمقا وقوة لمزيد من تعميق العلاقات بين الصين الناهضة بحيوية، والعراق. وعندما تبادرت لذهني فكرة أن نسعى لإحياء جمعية الصداقة العراقية الصينية، كان تفكيري مركزا على أمنية عميقة وهي أن تسهم هذه الجمعية بخلق الأجواء والأسس لتبادلات شعبية ثقافية وتعليمية أوثق وأكثر نضجا بين الشعبين.
لقد نمت الصين وتطورت وأصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والعراق حاليا يمر بفترة إعادة بناء بكافة المجالات. وأصبح من الضروري والمهم أكثر من أي وقت مضى، أن تتعمق العلاقات الثنائية بين البلدين، لتمتد لكافة القطاعات إلى جانب قطاع الطاقة. التعاون في قطاع الطاقة كبير ورائع جدا، ويتمتع بإمكانية المزيد من التطوير والتعمق.
الصين طرحت مبادرة الحزام والطريق، وهي مشروع تنموي هائل، والعراق شريك طبيعي للصين، وبموقع ممتاز يؤهله للعب دور حيوي قوي على طرق هذه المبادرة. الصين لديها الإمكانيات الهائلة والاستعداد التام للتعاون، والعراق يتمتع بعلاقات ودية تاريخية معها، وهذا يعني أن الأساس صلب وممهد لمزيد من التعاون ضمن إطار هذه المبادرة.
هذه المبادرة تركز على تعزيز التواصل والتكامل بين الدول والمناطق بما يدفع العلاقات التجارية والاقتصادية وتشييد البنية التحتية مثل الطرق والجسور والاتصالات، وتتضمن أيضا جانبا مهما مكملا هو الجانب الثقافي. فلا بد من تعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين وشعبيهما. وهنا ينبغي السعي لأن يكون في العراق معهد كونفوشيوس لتدريس اللغة الصينية وتعزيز التبادلات الثقافية. الأوضاع في العراق تتطور للأحسن، وفيه العديد من الجامعات في مدن، بغداد وأربيل والبصرة، على سبيل المثال لا الحصر، مهيأة لاستقبال مثل هذا المعهد أو أكثر من معهد. إن تعلم لغات الجانبين ضروري جدا لدفع التبادلات بينهما بكافة المجالات. فاللغة والتبادلات الثقافية هي الجسر الذي يربط بين الشعبين ويوطد علاقاتهما لبناء مستقبل أفضل.
الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء العراقي، الدكتور عادل عبد المهدي، للصين هي بالتأكيد فرصة ممتازة لتوطيد أسس العلاقات الثنائية الودية التعاونية بين الصين والعراق، ونتطلع لأن تكون فرصة أيضا لمزيد من الحوار وتعزيز وتعميق الروابط بين البلدين بما يوسع قنوات وسبل التعاون وأرضياته.
حاليا، الصين تستعد للاحتفال في أول أكتوبر المقبل، بالذكرى ال70 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، والبلاد تشهد نهوضا شاملا وتعززا مستمرا لقوتها الشاملة، ومبادرة الحزام والطريق تحقق نجاحا ملحوظا يتجسد بالكثير من المشاريع الرئيسية في الدول الواقعة على طول المبادرة، ومنه عالمنا العربي، كما هو الحال في مشروع الطاقة النظيفة في دُبي، ومركز التميز لنظام الملاحة بالقمر الاصطناعي الصيني (بيدو) في تونس، ومجمع النور للطاقة الشمسية بالمغرب، وغيرها الكثير.
ونتطلع بإخلاص لأن تشارك الصين بشكل أكثر فاعلية في مشاريع بناء وتطوير في العراق المعروف بأرضه الخصبة المعطاء، التي يمكن أن تستقبل الخبرات والتقنيات الزراعية الصينية المتطورة. لقد نجحت الصين في تحقيق نهضة زراعية وتمكنت من إطعام أكثر من مليار و300 مليون نسمة، وحققت الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وانتشلت 700 مليون نسمة ريفية من الفقر خلال 70 عاما منذ إنشاء جمهورية الصين الشعبية في عام 1949. وبفضل تجاربها التنموية والإدارية، بإمكانها مساعدة العراق، وخاصة بالقطاع الزراعي، من خلال برامج تعاونية مزدوجة المنفعة.
الصين حاليا، تستعد لاستقبال عام 2020 وهو العام الذي حددته للقضاء على الفقر بالبلاد وتحقيق مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل نسبيا لجميع أبناء الشعب؛ وهذا يعني أنها في ذروة جهود جبارة لتحقيق هذا الهدف. ويمكن للتعاون العراقي - الصيني أن يواكب هذه المسيرة ويستفيد من زخمها الهائل.
العراق حاليا في أمسّ الحاجة لمواكبة التطور العلمي السريع بالعالم، والصين يمكنها تعزيز التعاون مع العراق في تحديث البنية التحتية بكل أنواعها، ومنها الجامعات ومعاهد البحوث والتطوير، وبناء القدرات والإمكانيات، ودفع الابتكار التكنولوجي بما يعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العراق.
وبفضل الأرضية الصلبة للعلاقات التاريخية بين البلدين، وعلاقة الشراكة الاستراتيجية بينهما، يرى المتابعون لهذه العلاقات وللزيارة المرتقبة، بأن المستقبل يحمل الكثير من الأشياء الرائعة للعلاقات بين البلدين وشعبيهما، وستتكلل هذه الزيارة بالنجاح الباهر والنتائج الملموسة.