تعليق: "صفقة القرن".. هل ستبقى جنينا في رحم المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية؟

أعلن جيسون غرينبلات، مبعوث الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، وأحد أبرز المسؤولين الأمريكيين عن صياغة ما تسمى "صفقة القرن"، عن استقالته في الآونة الأخيرة. ويعتقد التحليل أن استقالة غرينبلات تضيف صعوبة في تنفيذ "صفقة القرن" التي تم التشكيك فيها، مما يعكس الوضع المحرج للولايات المتحدة في محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية واستراتيجية الشرق الأوسط.

بدأ غرينبلات العمل في البيت الأبيض في أوائل عام 2017، ووفقا لعدة مسؤولين أمريكيين سيغادر غرينبلات بعد إصدار "صفقة القرن" في 17 سبتمبر، وسيحل محله آفي بيركوفيتش، مساعد كبير المستشارين في الإدارة الأمريكية جاريد كوشنر، وسيتم دمج مجموعة العمل المستقلة التابعة للبيت الأبيض والمعنية بشؤون الشرق الأوسط مع فريق شؤون إيران في وزارة الخارجية الأمريكية.

ويظن الفلسطينيون إن استقالة غرينبلات قبل إصدار "صفقة القرن" إشارة إلى فشل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وقال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، أن غرينبلات دمر مصداقية الولايات المتحدة ويقوض عملية السلام في الشرق الأوسط، ولن يبكي الفلسطينيون من أجل استقالته. وقالت القيادية في منظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي:" حاولوا إخضاع الفلسطينيين وابتزازنا للموافقة على خطتهم"، معتبرة أن هذه الخطة "كانت محكومة بالفشل منذ البداية".

فلسطين ترفض "النوايا الحسنة" للولايات المتحدة

 نشر موقع البيت الأبيض على شبكة الإنترنت في وقت سابق، خطة اقتصادية من 40 صفحة تقريبا أطلق عليها "صفقة القرن" و"السلام من أجل الازدهار"، وتهدف الصفقة الى مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني، وخلق مليون وظيفة للفلسطينيين، وتقليل البطالة الفلسطينية إلى ما يقرب من رقم واحد وتقليل معدلات الفقر بنسبة 50 ٪.

والهدف الرئيسي من البرنامج هو جمع أكثر من 50 مليار دولار لتمويل فلسطين في غضون 10 سنوات. ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، سيقدم المجتمع الدولي مساعدة اقتصادية كبيرة لفلسطين ومصر والأردن ولبنان. وستتلقى فلسطين 25 مليار دولار، بينما ستتلقى دول أخرى 40 مليار دولار. وسيتم توفير الأموال من قبل دول الخليج والولايات المتحدة وإسرائيل. وسيتم إدارة الأموال من قبل بنك متعدد الجنسيات بدلاً من الحكومة الفلسطينية. وليس من الواضح ما إذا كانت دول الخليج مستعدة للدفع أم لا.

وشدد جاريد كوري كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أن البرنامج يمثل "فرصة قرن" للفلسطينيين والخطوة الأولى نحو تسوية ناجحة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأن البرنامج يسعى إلى تزويد الفلسطينيين بدعم اقتصادي سخي في مقابل دعم الدول العربية لـ "صفقة القرن" الأمريكية.

يعتقد لي وي جيان، الباحث في معهد دراسات السياسة الخارجية بمعهد شنغهاي للدراسات الدولية ونائب رئيس معهد الصين للشرق الأوسط، أن الصفقة تقترح مساعدة فلسطين على حل مشكلة التنمية بنفسها، لكن لم تأخذ بعين الاعتبار للهوية والقضايا الإقليمية التي يوليها الفلسطينيون أهمية أكبر، لذلك، تعتبر "صفقة القرن" هشة بسبب عدم اليقين.

وأشار ماجد الأنصاري أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، إلى أن هذه الخطة الاقتصادية تحاول تغيير الفكرة السابقة المتمثلة في "الأرض مقابل السلام" إلى "المال مقابل السلام" وهي إهانة للفلسطينيين.

لم يعترف الفلسطينيون ببرنامج "صفقة القرن" ولم يتلق دعمًا عاما من الإسرائيليين. ووصفتها صحيفة هاآرتس الإسرائيلية بأنها "رشوة القرن". ولم تقبل العديد من الجماعات اليمينية الإسرائيلية أي حل وسط بشأن القضايا المتعلقة بالأراضي والعاصمة والأمن القومي.

يعتقد سون ده قانغ نائب مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، أن " صفقة القرن" بمثابة الرعد القوي، الذي ترافقه أمطار قليلة. حيث تأمل الولايات المتحدة في الحفاظ على علاقتها الخاصة مع حليفها إسرائيل من خلال بيع "صفقة القرن"، وفي نفس وقته تريد تعزيز حق التحدث حول القضية الفلسطينية الإسرائيلية، القضية الأساسية في الشرق الأوسط. ومع ذلك، قاوم الفلسطينيون والدول العربية الأخرى سياسة إدارة ترامب لصالح إسرائيل، ومن الصعب التوفيق بين التناقضات الهيكلية لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

المصالحة بين فلسطين وإسرائيل لا تزال بحاجة إلى بعض الوقت

يبدو أن التوصل إلى "صفقة القرن" في مواجهة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي استمر لأكثر من نصف قرن، بمثابة "تمنيات" للولايات المتحدة. ويعتقد سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل دان شابيرو، أن الكشف عن الاتفاقية لن يكون قبل تشكيل حكومة (اسرائيلية) جديدة في نوفمبر، لكن ترامب قد بدأ حينئذ بالفعل حملة انتخابات لعام 2020 في الولايات المتحدة، وبالتالي لا يستبعد احتمال تجمد الصفقة وعدم الكشف عنها أبدا."

حلل سون دي قانغ أن ولادة "صفقة القرن" عسيرة في النهاية، من ناحية، حاولت الصفقة استخدام المساعدات الاقتصادية كطعم لإجبار الجانب الفلسطيني على التخلي عن مطالبه السياسية، ومن المؤكد أن تلقى مقاطعة فلسطينية وعربية، ومن ناحية أخرى، يعيش العالم العربي الإسلامي حاليا حالة من الانقسام بسب قضايا مختلفة مثل سوريا، وليبيا، واليمن، والحفاظ على هذا الوضع هو لصالح إسرائيل في بعض النواحي، وليس لدى الجانب الإسرائيلي أي نية لتقديم تنازلات كبيرة.

قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إن الفلسطينيين ما زالوا يصرون على تحقيق السلام وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة والاتفاقيات الموقعة، ويأملون في التعاون مع آلية دولية متعددة الأطراف لتعزيز محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، يجب أن يكون الحل السياسي الذي يضمن حرية وحق واستقلال وعدالة الشعب الفلسطيني أسبق وأقوى من أي برنامج أو مشروع اقتصادي.

يعتقد لي وي جيان أنه من الصعب أن تتقدم محادثات السلام من جانب واحد عبر الولايات المتحدة، وأن عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية تتطلب مشاركة نشطة من المجتمع الدولي تحت قيادة إطار الأمم المتحدة، وبالتالي الحصول على المزيد من الدعم من الدولة. وبالإضافة الى البرامج الاقتصادية، فإن حل القضية الفلسطينية بحاجة الى حلول سياسية أيضا.