أعلنت الشرطة النيوزيلندية في ليلة يوم 15 مارس الجاري حسب التوقيت المحلي أن حصيلة ضحايا إطلاق النار على مسجدين في مدينة كرايستشيرش بالجزيرة الجنوبية لنيوزيلندا بلغت 49 قتيلا على الأقل وإصابة 48 شخصًا.
وصفت السلطات النيوزيلندية إطلاق النار على المسجد بأنه "هجوم إرهابي". وقالت رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن بعد أطلاق النار:” حادثة إطلاق النار التي حصلت في مدينة كرايست تشيرش بأنها واحدة من أحلك الأيام في تاريخ البلاد .. وأنه عمل غير عادي وغير مسبوق من القسوة ولا يوجد لها مكان في نيوزيلندا".
وكشف رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون بعد الهجوم أن مهاجمًا واحدًا على الأقل هو مواطن أسترالي. وقال موريسون، أن استراليا تدين الهجوم الذي شنه إرهابيون متطرفون وعنيفون، ومستعد للمساعدة عندما تحتاج نيوزيلندا إليه، وقال إن أستراليا ستنكس العلم حدادا على أرواح الهجوم الإرهابي.
أستراليا ونيوزيلندا ليستا بمأمن عن الهجمات الارهابية
وفقا لتقارير وسائل الإعلام النيوزيلندية، هاجم عدد من المسلحين في وقت واحد في كرايستشيرش جنوب نيوزيلندا. ونشر أحد المسلحين عمره 20 عاما على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً بثه بشكل مباشر على موقع فيسبوك لتوثيق ما قام به، يظهر فيه كيف اقتحم المسجد واستخدم سلاحاً رشاشاً، وهاجم المصلين. وقد دعت شرطة نيوزيلندا الجمهور الى التوقف عن نشر مقاطع الفيديو ذات الصلة. ووفقا لموقع فيسبوك تم حذف على الويب. كما كتب المسلح إعلاناً من 37 صفحة على وسائل التواصل الاجتماعي ووصف هذا بـ"هجوم إرهابي". بالإضافة إلى ذلك، كشفت الشرطة ايضا أن المشبه به نشر الكثير من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي بألوان يمينية متطرفة، وخصائص "التفوق الأبيض"، وكراهية المهاجرين، وصور لبنادق وأسلحة أخرى.
وفقًا للسلطات، في عام 2013، كان 1٪ فقط من سكان نيوزيلندا البالغ عددهم حوالي 5 ملايين نسمة، هم مسلمون وأقل من 50،000 شخص. لكن هذا الرقم نما بسرعة كبيرة في السنوات الأخيرة. وفي المقابل، يوجد في نيوزيلندا عدد أكبر من المسيحيين.
أشار نيو سونغ، باحث بمعهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، إلى أن أستراليا ونيوزيلندا دولتان أنشأهما الأوروبيون البيض، وبسبب الموقع الجغرافي الخاص بالدول الجزرية، فقد تم تهميشهم منذ فترة طويلة في المجتمع الدولي، مما خلق أيضًا موقفًا سياسيًا محافظًا نسبيًا وموقفًا محافظًا تجاه المهاجرين. لكن أوقيانوسيا ليست خارج التهديدات الارهابية بأي حال من الأحوال. وقد أثر المهاجرون في السنوات الاخيرة، ولا سيما المهاجرين غير البيض وغير المسيحية إلى حد كبير على النمط السياسي العرقي التقليدي التي يقودها البيض. وأصبح "التفوق الأبيض" اتجاهًا سياسيًا متطرفًا أكثر شيوعًا في أستراليا ونيوزيلندا، وحتى أنه دخل السياسة الانتخابية للبلدين. وفي هذا السياق، ذهب المواطن الأسترالي إلى نيوزيلندا لتنفيذ الهجوم الإرهابي.
وقال نيو سونغ، إن المهاجم تبنى منهج البث المباشر من وسائل الإعلام، بهدف توسيع تأثيره الارهابي لنشر مفهومه "التفوق الأبيض" المتطرف وكراهيته تجاه المهاجرين المسلمين. لذلك، فإن كيفية تعزيز الإشراف على التواصل الإرهابي والأنشطة غير القانونية من وسائل الإعلام هي مشكلة شائعة يواجهها المجتمع الدولي، وينبغي أن يكون القضاء على معايير متعددة وتعزيز الإدارة الدولية للفضاء الإلكتروني قضية مهمة تواجه المجتمع الدولي.
الصراع بين الدول الغربية والعالم الإسلامي سيتزايد
بما أن الهجوم حدث في المسجد، فقد جذبت خصائص النزاعات الدينية انتباه الناس. هل سيؤدي هذا الهجوم إلى زيادة الصراع بين الغرب والعالم الإسلامي ويؤدي إلى مزيد من الانتقام؟
يعتقد نيو سونغ بأن العالم الإسلامي سيدين هجوم المسجد، وستحافظ حكومات الدول الإسلامية على ضبط النفس النسبي، لكن سيكون لدى المسلمين "العاديين" رد فعل عنيف نسبيًا. ويمكن للمنظمات الإسلامية المتطرفة أو المنظمات العنيفة والإرهابية أن تستخدم ذلك كذريعة لشن هجوم عشوائي ضد الدول الغربية والناس العاديين. وأن تعزيز التعاون العالمي لمكافحة الارهاب أضعف القوة الكلية لـ "الدولة الإسلامية" و "القاعدة"، ما يجعل الهجمات واسعة النطاق ضد الغرب صعبة نسبيًا، لكن خطر حدوث هجمات "الذئب الوحيد" كبير. ومن حيث المنفذين ومواقع الهجوم، زاد خطر الهجوم على أستراليا ونيوزيلندا بشكل كبير.
كما يعتقد نيو سونغ أيضا أن اتجاه الصراعات الدولية الحالية يتحول نحو القومية الدينية بشكل واضح ومتزايد. وأن الهجوم على المسجد هو نتيجة للتطور المستمر لاتجاه "التفوق الأبيض" طويل المدى في العالم الغربي. وأصبحت القومية الدينية اتجاها جديدا في العلاقات الدولية المعاصرة، مع اشتداد حدة النزاعات الشاملة بين الغرب والعالم الاسلامي في الشرق الاوسط، والمزيد من " مشاركة " العناصر الدينية والحضارية والثقافية وغيرها من العوامل الاخرى في العلاقات الدولية، والتقارب بين النزاعات القومية والصراعات الدينية. وأن جوهر "التفوق الأبيض" هو العنصرية، لكنها تستفيد من النقاط الساخنة للنزاع الديني. ولا يمكن ربط الإرهاب بمجموعات وديانات عرقية معينة، ولكن تواجد التطرف سواء كان بين المسيحيين أو المسلمين هو حقيقة لا مفر منها.