بقلم/ د. أُنس الزليطني شبّح ، باحثة تونسية في الشؤون الصينية
تطلق الصين في مارس من كل عام ما يسمى ب"الدورتين السنوتين" والمقصود بالدورتين هو تجمع سنوي للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، أعلى هيئة تشريعية في الصين والمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، الجهاز الاستشاري السياسي الأعلى في الصين، يتم خلال هذا التجمع عرض ما أنجزته الحكومة الصينية خلال السنة السابقة، وتقديم رؤية وجدول أعمال الحكومة للعام المقبل.
وفي هذه السنة والتي تعتبر سنة "حاسمة" وهامة، حيث أن الصين تحتفل بأربعينية الإصلاح والانفتاح، وبسبعينية إقامة جمهورية الصين الشعبية، قدّم رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ تقرير عمل الحكومة خلال الجلسة الافتتاحية اليوم الخامس من مارس الجاري في قاعة الشعب الكبرى ببكين وجاء في التقرير الذي جلب اهتمام أنظار العالم، استعراض انجازات الصين عام 2018، والأهداف الرئيسية المتوقعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال سنة 2019، وأعمال الحكومة الصينية ومهامها في 2019. ويعتبر تقرير عمل الحكومة أحد المواضيع المهمة والأكثر متابعة في أوساط الشعب الصيني، حيث تهتم هذه التقارير بكل ما يخص حياة الصيني على كل الأصعدة. وفي هذه الدورة، قدم نواب المجلس الوطني الـ13 لنواب الشعب الصيني 491 مقترحا رسميا و8000 اقتراحا إلى هيئة رئاسة الدورة السنوية الثانية للمجلس التشريعي. وهذا العدد الهائل من المقترحات، إن دل على شيء، فهو يدل على الاهتمام الكبير من قبل النواب بجل الجوانب التي تمس المواطن الصيني على وجه الخصوص والحكومة الصينية عموما، حيث تهتم المقترحات في أغلبها بالجوانب التي تهم حياة الصيني مباشرة، وعلى رأسها توفير حياة رغيدة على كل الجوانب للصينيين، وتعزيز الحضارة الأيكولوجية، وسلامة الإدارة الاجتماعية والتنمية الثقافية.
إن القرارات والرؤى التي تتضمنها تقارير الدورتين السنويتين للجهازين التشريعيِ والاستشاري السياسي في الصين تعتبر مرجعا هاما للدول الخارجية لفهم المزيد حول هذه الدولة التي أصبحت مثالا مهما في العديد من المجالات أهمها الاقتصادية والتكنولوجيا وفي تجربتها المميزة في القضاء على الفقر وتوفير عيش رغيد يتمتع به كل مواطنيها. حيث أن العالم ينتظر بشغف كل سنة القرارات والرؤى التي يتم الكشف عنها خلال الدورتين، فمستقبل الصين وازدهارها يعود بالنفع ليس فقط على أفراد هذا البلد بل أيضا على العديد من الدول الخارجية التي تربطها معاملات ومصالح مباشرة مع الصين. فحين تحدد الصين أن من أهم أهدافها في سنة 2019 نمو الناتج المحلي بين 6% و6.5% لن يهم هذا الهدف الصين فقط، بل سيوضح أيضا إلى حد كبير مستوى الأداء الاقتصادي العالمي والمرتبط مباشرة بمحرك ثاني أهم اقتصاد في العالم، ألا وهو الصين.
إن الصين تشق وبخطى ثابتة في عصرها الجديد طريقا يرسم توجها وأهدافا واضحة لهذا العملاق الاقتصادي ولبقية شركائه، حيث أن الصين جذبت في ظرف قصير ما إجماليه 152 دولة ومنظمة دولية والتي وقعت وثائق تعاون معها حول مبادرة "الحزام والطريق" التي تم اطلاقها منذ سنة 2013. كما أن الصين على يقين بأهمية الشركاء الأجانب لتطوير اقتصادها، وهو ما يوضحه ما ورد في تقرير عمل الحكومة الصينية للدورة الثانية للمجلس الوطني ال13 لنواب الشعب الصيني، انه من أهم أهداف الحكومة في هذا العام هو جذب المستثمرين الأجانب في الصين من خلال تقليص القائمة السلبية لتسهيل دخول الاستثمارات الأجنبية إلى السوق الصينية. فالصين تواصل خطتها الاقتصادية في جذب المستثمرين الأجانب إلى داخل أسواقها، بعد النجاح الذي حققته خلال سنة 2018 من خلال انشاء 60 ألف شركة جديدة برأس مال أجنبي في الصين بزيادة سنوية بلغت 69.8%، وهذا ما جعل الدورتين أيضا تضع الاستثمارات الأجنبية على رأس قائمة اهتماماتها وتقديم تسهيلات أكثر إلى المستثمر الأجنبي من خلال رفع المزيد من القيود المفروضة من قبل التدابير الإدارية الخاصة بقبول الاستثمارات الأجنبية.