دمشق 11 أكتوبر 2018 /جلست نور الحبال مع ابنها البالغ من العمر ثمانية أعوام تشرح له جهاز التلفاز الذي لم يعرفه من قبل لأنه قضى السنوات السابقة من حياته لا يعرف شيئا عن الكهرباء نفسها، عندما كان المسلحون يسيطرون على بلداتهم وقراهم في الغوطة الشرقية بريف دمشق الشرقي، وهذا الأمر لم يكن غريبا لأن معظم من ولد أثناء اندلاع الأزمة لا يعرف شيئا عن هذه التقنيات لأنه لم يراها.
وهذه الأم وغيرها من الأمهات ومعهن أطفالهن بقين في تلك البلدة النائية بالغوطة الشرقية، في بيوتهم ولم يخرجوا منها باتجاه المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري خوفا من أن يصابوا بأذى.
وذكرت نور أن الأطفال لم يعرفوا شيئا سوى الخوف والرعب عندما كان المسلحون يتحكمون في الكهرباء ولم تكن الكهرباء موجودة في منطقتها طوال سنوات الحرب التي انتهت في الغوطة الشرقية في مايو الماضي.
وتابعت تقول لوكالة ((شينخوا)) وهي تتحدث عن رد فعل ابنها في البداية عندما رأى الكهرباء والأجهزة الكهربائية "عندما تم تشغيل المروحة الكهربائية في بادئ الأمر، خاف منها ابني، واعتقد أنها ستقع عليه لأنها كانت شيئا جديدا لم يكن يعتاد عليه، وعندما شاهد التليفزيون لأول مرة كان مندهشا أيضا"، مؤكدة أنها وعائلتها سعداء بعودة التيار الكهرباء إلى منازلهم ومبينة أن ابنها كان يعتقد أن الرسوم المتحركة هي الشخصيات التي كانت تتحدث إليه وتلعب معه.
وتعيش نور الحبال إلى جوار سمر سبيعي، وهي امرأة أخرى تعيش مع ابنتها (30 عاما) وأحفادها في بلدة كفر بطنا.
وقالت سبيعي البالغة من العمر 50 عاما إنها واجهت صعوبة في التعامل مع حالة عدم وجود كهرباء قبل أن يستعيد الجيش بلد كفر بطنا ومناطق أخرى في الغوطة الشرقية.
وباعتبارها ربة منزل، كان عليها التعامل مع الوضع كما لو كانت قد عادت إلى العصر الحجري.
وفي حديثها لـ((شينخوا))، قالت سبيعي إنها اعتادت تعليق الطعام في السقف لإبقائه باردا قليلا وإبقاء الحشرات بعيدة حيث لم تستطع استخدام الثلاجة، التي تحولت إلى صندوق معدني جيد من أجل لا شيء سوى تذكرة من الماضي الحلو.
بالنسبة لامرأة عجوز نسبيا مثلها، أصبح غسل الملابس بيديها عبئا، خاصة أنها أصيبت بمرض التهاب المفاصل في أصابعها بسبب الضغط الشديد أثناء الغسيل.
وقالت "خلال الأزمة، لم يكن لدينا كهرباء لذا لم نتمكن من تشغيل الثلاجة أو الغسالة أو التليفزيون بسبب عدم وجود شيء يعمل. الآن، أصبح الوضع أفضل بكثير وعدنا إلى استخدام الغسالة ونحن نشاهد الآن التليفزيون ولدينا ثلاجة تعمل يمكننا استخدامها لتخزين وحفظ الطعام والشراب لدينا".
كما تحدثت ابنتها هناء عن الكيفية التي اعتاد الناس على العيش بها دون كهرباء، قائلة إنه بسبب عدم وجود كهرباء، بدأ الناس في بيع أمتعتهم الكهربائية مثل أجهزة التليفزيون والثلاجات بأسعار رخيصة جدا وأحيانا بأقل من سعر التكلفة لاعتقادهم بأنها أصبحت عديمة الفائدة.
حتى أنها أشارت إلى أن الناس قد غيروا أوقات نومهم لتتناسب مع ضوء النهار مع عدم وجود أي ضوء آخر.
وقالت لـ((شينخوا)) "عندما لم يكن لدينا كهرباء، كنا نستيقظ مع بزوغ الفجر وننام عندما يسقط الظلام حيث لم تكن هناك كهرباء أو ضوء حتى اعتاد الناس على الفرار من الليل المظلم بالذهاب للنوم".
الآن علمت هناء طفلها البالغ من العمر أربع سنوات كيفية تشغيل جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بها وعلمته كيفية استخدام الهاتف الخلوي الصغير، وكيف يتأكد من أن الكمبيوتر المحمول مشحون لأن الكهرباء متوفرة الآن لساعات طويلة من اليوم مع بضع ساعات فقط من الانقطاع.
كما يستمتع الصبي وشقيقته بأفلام الرسوم المتحركة التي تعرض على شاشة التلفاز ولا يزالوا يتفاعلون مع شخصياتها كما لو كانت شخصيات حقيقية.
لقد تلاشى عذاب هؤلاء الناس عندما انسحب المسلحون بشكل كامل من الغوطة الشرقية في مايو، وبدأت الحكومة السورية في بذل جهود لإعادة تأهيل المناطق بالاحتياجات الأساسية مثل إصلاح وإعادة الكهرباء، وهو أمر بالغ الأهمية لعودة الحياة إلى كفر بطنا وأماكن أخرى في الغوطة الشرقية.
وشاهد مراسلو ((شينخوا)) الذين زاروا البلدة لأول مرة بعد استعاد الجيش السوري السيطرة عليها، عمال الكهرباء في كفر بطنا وهم يتجولون من مكان لآخر من أجل تأهيل شبكة الكهرباء لتصبح أفضل.
ويجري التحقق من خطوط الكهرباء والمحولات الكهربائية حيث صارت الشوارع تعج بالحياة بعدما عادت المتاجر والمطاعم لفتح أبوابها.
وقال محمد شربجي، مدير مكتب طوارئ الكهرباء في الغوطة الشرقية، لـ((شينخوا)) إن أعمال الكهرباء مستمرة منذ أن استعادت القوات الحكومية المناطق لتمكين الناس من العيش بشكل صحيح بعد كل سنوات الحرمان.
وأضاف "عادت الكهرباء إلى 70 في المائة من المناطق المأهولة بالسكان في الغوطة الشرقية لكننا نواجه بعض الصعوبات لأننا بدأنا حديثا في هذه المنطقة حيث أن الأدوات الكهربائية السابقة والمحولات سرقها الإرهابيون أو تضررت، ولهذا السبب نجلب معنا كل جديد من المعدات إلى هذه المناطق".
يشار إلى أن قطاع الكهرباء في سوريا تأثر إلى حد كبير بالحرب التي دامت أكثر من سبع سنوات في البلاد وتقدر خسائر هذا القطاع بأربعة مليارات دولار أمريكي.