بروكسل 6 أكتوبر 2018 / تزامنا مع الذكرى الخامسة لطرح مبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين، اعتمد الاتحاد الأوروبي مؤخرا وثيقة تحدد رؤية الاتحاد لإستراتيجية جديدة وشاملة من أجل تحقيق ربط أفضل بين أوروبا وآسيا.
وقوبلت الإستراتيجية الجديدة، التي يطلق عليها اسم نسخة الاتحاد الأوروبي من الحزام والطريق، قوبلت بالتشجيع والقلق في أنحاء القارة، إذ يعتقد البعض أنها تتوافق بشكل مثالي مع المبادرة العابرة للقارات التي اقترحتها الصين، فيما يقول آخرون إن الخطتين الكبيرتين متنافستان طبيعيتان.
-- هل هي لمواجهة الحزام والطريق؟
في أعقاب الرسالة المشتركة الصادرة عن المفوضية الأوروبية والممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية التي تحدد رؤية الاتحاد الأوروبي، أصدر الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي بيانا يوم 19 سبتمبر قال فيه إن "الرسالة، وجوهرها الربط المستدام والشامل والقائم على القواعد، ستساعد على توجيه العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي في هذا المجال ويعد جزءا من تنفيذ إستراتيجيته العالمية".
فلماذا أصدر الاتحاد الأوروبي الرسالة المشتركة في هذه اللحظة؟
لقد أصبح "من الملح على نحو متزايد أن يقوم الاتحاد الأوروبي بصياغة سياسته حول الربط الأوروبي - الآسيوي" حيث توفر آسيا مرتبطة فرصا متزايدة في مجال الاستثمار وبعض المجالات الأخرى.
وأشارت بعض المؤسسات الإعلامية، مثل الفينانشيال تايمز، إلى أن هذه الإستراتيجية "رد" على أو "مواجهة" لمبادرة الحزام والطريق.
ولكن بالنسبة إلى أليشيا جارسيا-هيريرو، الباحثة الكبيرة في مركز بروغل البحثي ومقره بروكسل، فهذه الإستراتيجية "ظلت في طور الإعداد لفترة طويلة. وليست خطة جديدة".
وتعليقا على تلك التقارير، قالت جارسيا-هيريرو، وهي أيضا كبيرة خبراء الاقتصاد المتخصصين في شؤون آسيا والمحيط الهادىء ببنك الاستثمار ناتيكسيس ومقره باريس، قالت لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "الاتحاد الأوروبي لديه خطط الربط هذه منذ سنوات عديدة".
وفي بيان آخر صدر في نفس اليوم عقب البلاغ المشترك، ذكر الاتحاد الأوروبي بوضوح أن "الاتحاد الأوروبي والصين يتقاسمان الاهتمام بالتأكيد على أن مبادرتينا تعملان معا بشكل جيد، رغم الاختلافات في النهج والتنفيذ".
وأكد البيان أن "الربط غير ممكن إذا لم تكن الأنظمة والشبكات قابلة للتشغيل المتبادل. وكما قمنا من قبل بالفعل، سيواصل الاتحاد الأوروبي الإنخراط مع الصين -- في منصتنا للربط الثنائي، وفي العلاقات الثنائية الأوسع، وفي المحافل المتعددة الأطراف -- لإيجاد أوجه تآزر وقواسم مشتركة".
-- التعاون يتفوق على التنافس
طرحت الصين مبادرة الحزام والطريق في عام 2013 بهدف تعزيز التجارة وربط البنى التحتية بطول مسارات طريق الحرير القديم الذي يربط آسيا بأوروبا. وأعربت الصين عن ترحيبها بأن يقوم شركاء التعاون المحتملين لها بتحقيق التوافق بين مبادراتهم التنموية وخطة التنمية العظيمة.
ويتوقع ماسيمو باجناسكو نائب رئيس غرفة الاتحاد الأوروبي للتجارة في الصين، أن يكون هناك تعاون أكبر من المنافسة بين خطة الربط الجديدة للاتحاد الأوروبي ومبادرة الحزام والطريق.
وذكر "ومن حيث المبدأ، يعد التنافس دائما أمرا مفيدا لأنه مع المنافسة، يمكنك تقديم خدمة أفضل أو منتج أفضل للمستخدم النهائي. وفي هذه الحالة، اعتقد أن المنافسة مهمة في التعاون المشترك".
وأضاف "لا أقول أن بإمكاننا تحقيق تعاون مشترك في كل مشروع ولكن يجب أن يكون لدينا موقف في النهج المتمثل في السماح بأن يكون لهاتين المبادرتين بعض الأساس المشترك للتعاون".
وأشار باجناسكو إلى أن "هدف المفوضية الأوروبية (من هذه الإستراتيجية) في الأساس يكمن في امتلاك أداة يمكن استخدامها للتعاون مع الصين في موضوع الربط".
وقال باجناسكو، الذي يقوم بأنشطة أعمال في الصين منذ أكثر من 15 عاما، لـ((شينخوا)) إن الجانب الأوروبي مرتبك ومع ذلك لديه توقعات عالية فيما يتعلق بمبادرة الحزام والطريق وهذا يتطلب إجراء "مزيد من الحوار والتواصل والانخراط لإيجاد أرضية مشتركة للتعاون بين الحزام والطريق ومنصة الربط (الخاصة بالاتحاد الأوروبي)".
-- أذرع مفتوحة
بعد وقت قصير من الإعلان عن إستراتيجية الاتحاد الأوروبي، رحبت الصين بها بأذرع مفتوحة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قنغ شوانغ "نتطلع إلى أن يلعب الاتحاد الأوروبي دورا بناء في تحسين الربط بين أوروبا وآسيا، ويبعث بإشارة إيجابية للعالم لتعزيز التعاون الاقتصادي بين جميع البلدان في القارتين وبناء اقتصاد عالمي مفتوح".
وذكر قنغ أن "الصين تؤيد دوما الدفع من أجل تعزيز الربط بين القارتين الآسيوية والأوروبية، وهو أيضا هدف رئيسي لمبادرة الحزام والطريق".
وقال المتحدث "نحن نؤمن بأنه من خلال الجهود المشتركة للصين وأوروبا، ستستمر عملية الربط بين آسيا وأوروبا بكل تأكيد في المضى قدما، لتجلب المزيد من المنافع لشعوب جميع البلدان بأنحاء المنطقة".
ولتحقيق التآزر بين خطتي الربط، ترى جارسيا-هيريرو أن الاتحاد الأوروبي والصين سيكونا بحاجة إلى التشارك معا.
وأضاف "لا ينبغي أن يتنافسا على المشروعات وإنما يتفقا في الواقع على تمويل مشروع ما بشكل مشترك. هذا أمر معقول لكليهما".
واتفق باجناسكو مع جارسيا-هيريرو، قائلا إن الصين يمكن أن تكون شريكا محتملا لتسهيل التمويل بالنسبة لإستراتيجية الاتحاد الأوروبي التي صدرت مؤخرا.
وعلى الرغم من أن القطاع الخاص في أوروبا "دائما ما يكون نشطا ومستعدا لاتخاذ إجراءات بمجرد رؤيته للفرص المعقولة مع وجود خطة عمل صلبة وظروف شفافة، إلا أنه قد تكون هناك مزيد من الصعوبة من جانب القطاع العام"، حسبما ذكر باجناسكو.
وأوضح رجل الأعمال الذي يتطلع إلى مزيد من الفرص في مجال التمويل بين الصين والاتحاد الأوروبي، قائلا "أعني أنه سيكون لدينا بعض الجوانب الفنية التي قد تبطئ قليلا من سرعة (تنفيذ) العملية".
وقال لـ((شينخوا)) إنه من خلال تجميع نقاط قوة أوروبا والصين، يمكن تحقيق نتائج أفضل.
أما روان تسونغ تسه نائب الرئيس التنفيذي لمعهد الصين للدراسات الدولية والباحث الكبير بالمعهد، فذكر "لا اعتقد أن الاثنتين متضادتين، أو تمثلان معادلة صفرية".
وأكد روان بقوله "هذه ليست مسألة أسود وأبيض، إذ يمكن للاثنين العمل مع بعضهما البعض وتحقيق ما يريدونه"، مضيفا أن "المنافسة الصحية ليست سيئة بالنسبة لنا".