د. تمارا برّو، باحثة لبنانية
لم أتخيل في يوم من الأيام أن تنشأ بين الصين وبيني علاقة متينة وعميقة. هذا البلد الذي يبعد آلاف الكيلومترات عن وطني لبنان، كان بنظري " آخر الدنيا"، ولم يخطر ببالي للحظة أن أسافر الى هناك. لا أخفي أني كأغلب الشباب اللبناني فكرت بالسفر إلى بلاد العم سام وأوروبا للاستجمام والتعرف على حضارات جديدة وثقافات مختلفة، ورؤية الابداعات والابتكارات هناك، ولكن الصين!!
بداية كنت أسمع عن الصين من خلال :
- عبارة "صنع في الصين" المكتوبة على أغلب البضائع اللبنانية. فقد استهوت الصين التجار اللبنانيين نظراً لرخص أسعار بضائعها.
- عبارة" أطلب العلم ولو في الصين" ، حتى أنا نفسي كنت أردد هذه العبارة لحثّ الآخرين على التعب والجهد والمثابرة في سبيل التحصيل العلمي والتطور والنجاح.
- سور الصين العظيم الذي يُعدّ أحد عجائب الدنيا السبع ، فلم أتصور أبداً أنني سأقف على أدراج هذا المعلم التاريخي لرؤية عظمته ومشاهدة المناظر الخلابة من حوله.
لقد بدأت علاقتي بالصين في العام 2014 عندما شاركت في الملتقى الأكاديمي الأول بين الدول العربية والصين، والذي نظمته جامعة بكين للدراسات الأجنبية، وشاركتُ فيه باسم الجامعة اللبنانية وتحت إشراف الرابطة اللبنانية الصينية للصداقة والتعاون.
وبصريح العبارة لا أعرف ما الذي دفعني إلى المشاركة في الملتقى، ربما الفضول لمعرفة بلد قلّما يفكر اللبناني بالسفر إليه. وربما للتعرف على حضارة مختلفة عن الحضارة العربية، وأيضاً لرؤية شعب يختلف عن الشعوب العربية، على مستوى العادات والتقاليد والملامح والدين والأطعمة. ولكن مع مرور الوقت أدركت أن الدافع وراء السفر كان بهدف ولادة رابطة مع هذا العملاق الآسيوي.
من هنا كانت البداية، حيث نشأت بين الشباب الصيني وبيني علاقة وطيدة لم يفرقها بُعد المسافات ومرور السنين وعدم اللقاء مجدداً. وما آثار انتباهي أن هؤلاء الشباب، لاسيما الناطقين باللغة العربية، لديهم الحماس واللهفة للتعرف على عادات وتقاليد وثقافة البلاد العربية.
وشاء القدر أن تتكرر زياراتي إلى الصين، وحبي لهذا التنين الصاعد، جعلني أسعى للمساهمة في نشر الثقافة الصينية في لبنان. سواء من خلال نشر أبحاث ومقالات خاصة بالصين، أو من خلال حثّ الشباب اللبناني على المشاركة في لقاءات ومؤتمرات تعقد بين البلدين، ومحو فكرة "الصين آخر الدنيا". فعلى العكس تماماً الصين أقرب إلى لبنان من أي بلد آخر، فلطالما وقفت إلى جانبه ودعمته اقتصادياً وثقافياً ودولياً.
واليوم مع إحياء طريق الحرير، ازداد الاهتمام الصيني بلبنان، نظراً لدور هذا الأخير في طريق الحرير الجديد، بسبب موقعه المميز وانفتاحه على الجميع وامتلاكه طاقات كبيرة في مختلف المجالات. وقد عبّر الرئيس الصيني شي جين بينغ عن رغبة الصين في تطوير علاقاتها مع لبنان في برقية التهنئة التي بعث بها إلى الرئيس اللبناني ميشال عون بمناسبة انتخابه رئيساً للبلاد بقوله" إنني أعلّق أهمية كبيرة على تطوير العلاقات الصينية اللبنانية حرصاً على بذل جهود مشتركة معكم من أجل مواصلة تطوير علاقات الصداقة والتعاون المتبادل بين الصين ولبنان، بما يعود بالخير على البلدين والشعبين بشكل أفضل".
لبنان اليوم أمام فرصة ذهبية لا تعوّض، تتمثل في تطوير علاقاته مع الصين عن طريق تكثيف الزيارات الرسمية والشبابية بين البلدين، وتوقيع المزيد من الاتفاقيات في مختلف المجالات.
لقد قال نابليون بونابرت، وصدق في قوله، " الصين مارد نائم، فاتركوه يغط في نومه، لأنه عندما يستيقظ سوف يهزّ العالم". واليوم استيقظ هذا التنين، وبدأ يلعب دوراً حيوياً في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والدولية، وبات يُحسب له ألف حساب.