حلب ــ سوريا 5 يونيو 2018 / يستيقظ أهالي بعض الأحياء الشرقية من مدينة حلب شمال سوريا في جوف الليل على صوت المسحراتي أبو عبدو وهو يردد عبارات لم يسمعها أهالي تلك المنطقة منذ سنوات بسبب الحرب التي ضربت حلب، ويقول مرددا "يا نايم وحد الدايم، ويا صايم قوم من فرشتك على السحور .. رمضان كريم " ، وهو يقرع طبلته المستديرة الصغيرة بعصا.
وكانت محافظة حلب تعيش طقوسا رمضانية مختلفة عن باقي المحافظات السورية قبل نشوب الأزمة السورية في مارس 2011 ، وكان لشهر رمضان رونقا خاصا لدى أهالي حلب، من حيث الأطعمة الخاصة التي كانت تعد في هذا الشهر، وإشعال الفوانيس في الأحياء القديمة ترحيبا بقدوم الشهر الفضيل، إضافة لوجود أنشطة اجتماعية وترفيهية وغنائية ، وخاصة في الأحياء القديمة من مدينة حلب.
وبعد أكثر من سنة مضت على التحرير الكامل لمدينة حلب من المسلحين الذين سيطروا على الأحياء الشرقية، وإعلان الجيش السوري سيطرته الكاملة على مدينة حلب في ديسمبر من عام 2016 ، بدأت هذه المدينة العريقة بتاريخها تستعيد رونقها، وراح الناس يستعيدون ذكرياتهم الجميلة خلال شهر رمضان عبر إقامة نشاطات في خان الوزير بمدينة حلب القديمة تحت عنوان "فانوس رمضان" تذكرهم بطقوس رمضان أيام زمان.
وتجمع المئات من العائلات الحلبية في خان الوزيرالذي يقع إلى الجنوب الشرقي من قلعة حلب الشهيرة، لأحياء طقوس رمضان التي كانت في حلب قبل الحرب، والاستماع إلى قصص الحكواتي عن بطولات عنترة بن شداد العبسي، وأبو زيد الهلالي والزير سالم بأسلوب فكاهي وكوميدي، يرسم الضحكة على وجوه الحاضرين، والمسحراتي الذي كان يجوب الحارات القديمة ليوقظ الناس على السحور، ومناداته لكل شخص باسمه كي يصحو على السحور، إضافة للوحات التراثية الراقصة التي تعبر عن الموروث الشعبي في حلب.
وقال باسم الخطيب مدير السياحة في حلب لوكالة أنباء ((شينخوا)) يوم الثلاثاء "نعمل على إحياء طقوس رمضان التي اعتاد عليها أهل حلب منذ سنوات بهدف إعادة الألق لمدينة حلب واستعادة الذكريات بعد سبع سنوات عجاف مرت على مدينة حلب"، مؤكدا أن حلب في هذه السنة عادت لتقول "إننا عدنا بقوة للفرح والإصالة ".
وأشار الخطيب، الذي كان يستقبل العائلات الحلبية في خان الوزير مرحبا بهم، إلى أن الفعاليات تتضمن أمسية رمضانية فيها أناشيد دينية ورقصات ميلويه (رقصة تراثية معروفة في سوريا)، إضافة لإعادة إحياء بعض الطقوس الرمضانية الأخرى مثل المسحراتي إضافة للحكواتي الذي كان يشكل نقطة وعلامة بارزة في رمضان في مقاهي حلب.
وبين الخطيب أن خان الوزير هو خان أعيد ترميمه مؤخرا ويعود تاريخه لعام 683 ميلادية ويتمتع بخصوصية كبيرة في نفوس أهالي حلب.
وكانت عيون العائلات الحلبية مشدودة إلى المنصة التي نصبت في وسط باحة الخان، لتخرج بعد دقائق فرقة للرقص الشعبي الحلبي وتقدم عدة لوحات جميلة، منها رقصة السيف والترس، أدخلت البهجة والفرح في نفوس الحاضرين، إضافة لرقصة الميلويه التي يبدأ فيها الراقص بثوب أبيض وهو يدور حول نفسه بسرعة ويقوم بحركات فنية من خلال الرداء الواسع الذي يلبسه.
ومن جانبه، قال الشيخ هثيم تيمة من مديرية أوقاف حلب لوكالة ((شينخوا)) " تربينا منذ نعومة أظافرنا على أن لشهر رمضان لون خاص في مدينة حلب، واليوم نشهد ظاهرة رائعة تهدف إلى إعادة الذاكرة الجميلة لشهر رمضان في حلب في هذه الظروف الصعبة في خان الوزير الذي له مكانة هامة في نفوس أهالي حلب".
وأضاف أن "إحياء طقوس رمضان في هذا الخان أعادنا إلى تاريخ أجدادنا بعد أن حاول الإرهابيون أن يطمسوا هذا التاريخ بالجهل".
وأكد الشيخ هيثم أن "الأطفال والكبار ينتظرون المسحراتي وينتظرون الأذان وهذا الشيء لا يمكن أن ننساه"
ومن جانبه، اعتبر محمود نعمة، 57 عاما ، وهو بائع لآلة الربابة بسوق خان الوزير، أن شهر رمضان في حلب له ميزة خاصة بعد أن تحررت حلب من الإرهاب فهي تعيش حالة من الفرح، لافتا إلى أن الأهالي يحاولون إحياء طقوس الأجداد في هذا المكان الأثري.
وأضاف نعمة، الذي تجمع عشرات الشبان والشابات لالتقاط صورة تذكارية معه وهم يلبسون الطربوش الأحمر على رؤوسهم، ليصبحوا مثل الحكواتي، "في شهر رمضان قبل الحرب كانت العائلات والأقارب تزور بعضها البعض ويتناولون الإفطار سويا ... واليوم نحاول أن نحيي تلك الطقوس والتراث القديم" .
ولم يمض وقت طويل حتى صعد إلى المنصة ثلاثة أشخاص أحدهم يرتدي طربوشا أحمر ويحمل بين يديه دفترا كبيرا فيه قصص عنترة بن الشداد، وحكاية أبو زيد الهلالي ، ومعه عصا طويل، وآخر يلبس قبعة صوفية ولباسا تراثيا ، ومعه طبلة مستديرة، وهو المسحراتي، وثالث يرتدي لباسا أنيقا وهذا كان المنشد، ليبدؤوا بالحديث عن التراث الحلبي الذي كان سائدا قبل سنوات، وسط حالة من الفرح والبهجة بغية إنعاش الذاكرة القديمة.
وقال عصام عيسى،70 سنة، وهو تاجر لوكالة ((شينخوا))، إن "شهر رمضان له خصوصية معينة لدى أهالي حلب .. وبالرغم من ظروف الحرب التي مرت على حلب والدمار الذي لحق بالمدينة القديمة إلا أن أهالي حلب يصرون على إحياء طقوس رمضان في خان الوزير لإرسال رسالة للعالم بأن أهالي حلب شعب حي وقادر على النهوض من جديد".
وأوضح عيسى أن موائد رمضان مشهورة بالأطعمة الحلبية المعروفة وهي الكبة الحلبية والمحاشي و"بعد الإفطار نجتمع للاستماع للطرب الحلبي والموسيقى."
ولكن ما إن تخرج بضعة أمتار من خان الوزير، لتجد أكوام الركام والمباني المدمرة، التي كانت شاهدة على حجم المعارك التي دارت في هذه الأحياء القديمة ، ومع ذلك يحاول أهالي حلب الانتصار على الجراح والنظر بعيون متفائلة للقادم من الأيام.