بكين 19 إبريل 2018/ رغم أن إعادة الكذبة قد يوحي بجو من تحقيقها، ولكن الخرافات، التي لا علاقة لها بالحقيقة الناصعة بالوقائع، لن تصمد أمام اختبار الزمن.
لقد اعتادت واشنطن أن تلقي باللوم على الدول الأخرى فيما يتعلق بمشاكلها الداخلية، وآخر عدوان تجاري لها ضد الصين، يقع إلى حد ما، ضمن هذه الدائرة.
تزعم إدارة ترامب أنه منذ انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية عام 2001، خسرت الولايات المتحدة أكثر من 60 ألف مصنع.
ولكن، أي كشف سريع للوقائع سيظهر أن الحقيقة شيء آخر. تشير الإحصاءات إلى أن تراجع فرص العمل في قطاع التصنيع الأمريكي هو قضية داخلية أكثر منها مرتبطة باقتصادات ذات أجور عمالة منخفضة مثل الصين.
ووفقا للاقتصادي الأمريكي فيليب ليفي، فإنه لا علاقة لانضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية بهذا الأمر، لأن حصة العمالة في قطاع التصنيع في إجمالي الأعمال غير المرتبطة بالزراعة في الولايات المتحدة، وهي مؤشر رئيسي يستخدم لتقييم خلق فرص العمل بالولايات المتحدة، تنخفض بحوالي 30% كل 16 سنة. أما عامل الصين، وبدلا من أن يتسبب بانخفاض، فإنه يمثل بالحقيقة تباطؤا في توجه قائم فعلا .
والأكثر من هذا، وفي دراسة حول أثر توسيع الواردات من الصين على خلق فرص العمل بالولايات المتحدة، قال البروفيسور في جامعة ييل الأمريكية لورينزو كاليندو، إن الوصول إلى منتجات وسيطة قليلة الكلفة، قد زاد من فرص العمل في قطاعات غير التصنيع، ومنها البيع بالتجزئة والإنشاءات والخدمات، بحيث يقلل من أثر خسارات فرص العمل في التصنيع، الأمر الذي ساهم في تحسين حياة الناس.
في الحقيقة، هناك عوامل جادة توضح الأسباب الفعلية لفقدان فرص العمل، وهي:
أولا، إن العمال الصينيين لم يكونوا هم من أخذ فرص العمل من الأمريكيين . فالمعامل أو المصانع الأمريكية هي من اختار أن يستثمر ويفتح مصانع في الصين، حيث تكون العمالة ماهرة وأرخص.
وثانيا، أن المعامل والمصانع الأمريكية لا تحتاج لأعداد كبيرة من الأيدي العاملة بفضل ما لديها من أجهزة روبوت تتزايد مهامها العملية، في وقت أصبحت فيه الصناعة أكثر انتاجية وقربا من الأسواق .
وإضافة لذلك، لا يوجد انخفاض في إنتاجية المصانع الأمريكية ، بل أن الاستثمارات في مجالات الأتمتة والبرامجيات، قد ضاعفت الإنتاج لكل عامل بالمصانع في الولايات المتحدة، خلال العقدين الماضيين.
وأخيرا وليس آخرا، فإن أكبر اقتصادين بالعالم، الولايات المتحدة والصين، يتميزان بالاعتمادية المتبادلة وهما أكثر من مجرد شريكين تجاريين. ووفقا لوزارة التجارة الأمريكية ، فإن صادرات الولايات المتحدة من السلع والخدمات إلى الصين، قد أسهمت في دعم نحو 910 آلاف فرصة عمل خلال عام 2015، منها 610 آلاف مدعومة بصادرات السلع، و309 آلاف أخرى مدعومة بصادرات الخدمات.
وعلى مدى سنوات، تمتعت الولايات المتحدة بفائض تجارة خدمات مع الصين، وكان هذا الفائض 38 مليار دولار عام 2016، بزيادة 11.6% عن عام 2015، وأكثر بـ908% عن عام 2001.
والأكثر أهمية هو أنه عند النظر إلى العجز التجاري الأمريكي الشامل، فإن عجزها التجاري مع الصين في تناقص على أساس سنوي. أما مزاعم الولايات المتحدة بأن عجزها التجاري مع الصين يتوسع، فهي تستند على حسابات غير دقيقة. ولا يمكن لأي أحد أن ينكر أن غالبية الفوائد تذهب إلى جيب الولايات المتحدة.
إنه لمن الساذج فعلا أن تحاول الحكومة الأمريكية معالجة الخلافات التجارية من خلال رفع عصا الحمائية. ولا يمكن أن يكون نقص فرص العمل في قطاع التصنيع الأمريكي ، هو العامل الوحيد لقياس منافع العلاقات الاقتصادية مع الصين، ولا أن يغطي على المنافع التجارية الهائلة للاقتصاد الأمريكي ومنافع جديدة أخرى.
إن استهداف الصين لن يسهم إلا بتحويل الطاقة عن مواجهة التحدي الحقيقي، ويضع مستقبل الاقتصاد الأمريكي في خطر.