ليو تشونغ مين مدير أكاديمية دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الأجنبية
في الوقت الذي اقتربت فيه المعارك على حدود مدينة دمشق من النهاية، تعرضت القاعدة الجوية السورية في حمص إلى هجوم صاروخي. في ذات الوقت، اتهمت أمريكا الحكومة السورية بإستعمال أسلحة كيميائية، وتجري تنسيقا مع كل من بريطانيا وفرنسا للضغط على الحكومة السورية في مجلس الأمن. من جهة أخرى، تعد الإتفاقية النووية الإيرانية قنبلة موقوتة أخرى في الشرق الأوسط. حيث هددت إيران بإستئناف تخصيب اليورانيوم بمستوى 20% في حال إنسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من الإتفاقية النووية.
تظهر تغيرات الوضع مؤخرا، دخول الوضع السوري والسياسات الأمريكية تجاه القضية النووية الإيرانية مرحلة حاسمة، الأمر الذي سيزيد من حدّة الصراع الأقليمي. وقد أدى هذا الصراع إلى تشكل معسكرين متنازعين بقيادة أمريكا وروسيا. ونظرا لتداخل وتعقد مصالح الجانبين، سيستمر الوضع في الشرق الأوسط متراوحا بين المواجهة والفوضى.
مواجهة متشابكة بين المعسكرين
منذ اندلاع الإضطرابات في الشرق الأوسط، أدت الأزمة السورية إلى تشكل معسكرين كبريين في المنطقة بقيادة أمريكا وروسيا، إلى جانب المواجهة الإقليمية بين السعودية وإيران.
إلى جانب الصراع السعودي الإيراني الواضح على زعامة المنطقة. تلعب كل من اسرائيل وتركيا وقطر دورا أكثر تعقيدا.
اسرائيل رغم أنها أحد الأعضاء المركزيين في المعسكر الأمريكي، لكنها تحافظ على سياسة محتشمة، وقد دفع تزايد النفوذ الإيراني في سوريا إلى مزيد من التقارب بين إسرائيل والسعودية. في ذات الوقت، مع احتدام المواجهة بين اسرائيل وايران وحزب الله داخل سوريا، أصبحت اسرائيل المشتبه الرئيسي بإطلاق الهجوم الصاروخي الأخير. كما من المتوقع أن تزيد اسرائيل من وتيرة تدخلها في سوريا خلال المرحلة القادمة.
يعد التغير في الموقف التركي هو الأكبر. فبعد أن كانت تركيا جزءا من المعكسر الغربي، أصبحت الآن عضوا في المعسكر الروسي، لكن لاتزال إلى الآن "عنصرا مختلفا" عن بقية أعضاء المعسكر الروسي. حيث تمثل المسألة الكردية مركز إهتمام تركيا، وهو السبب الذي دفع تركيا للتدخل عسكريا عدة مرات في سوريا. في ذات الوقت، لم تتخل تركيا إلى الآن عن فكرة إسقاط نظام بشار الأسد. وعلى هذا الأساس، ستواصل تركيا على المدى الطويل دعم المعارضة السورية من جهة، ومن جهة ثانية، ستواصل تنفيذ عمليات عسكرية على الأكراد في سوريا، وهو ماسيزيد الوضع السوري تعقيدا.
أما الدور القطري فيبدو أكثر اختلافا، فرغم انها تحافظ على انتمائها للمعسكر الأمريكي، إلا أن قطر تتخذ مواقف مستقلة تجاه عدة قضايا، كما تبدى تحديا للسعودية، وهو السبب الذي أدى إلى اندلاع أزمة قطع العلاقات في عام 2017.
أمريكا وروسيا تقودان لعبة معقدة
أبدت أمريكا منذ البداية ترددا وحذرا استراتيجيا تجاه الأزمة السورية. ويعود ذلك أساسا إلى تراجع النفوذ والتحكم الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد الدروس التي تعلمتها من حربيها في أفغانستان والعراق، وهو السبب الذي حال دون اندفاع أمريكا نحو الخيار العسكري لإسقاط نظام بشار الأسد.
لذا فضلت أمريكا الضغط على النظام السوري من خلال القنوات الدبلوماسية والرأي العام والعقوبات الإقتصادية ودعم المعارضة. في حين بقيت الحرب خيارا مستبعدا سواء في إدارة باراك أوباما أو إدارة دونالد ترامب.
منذ تسلمه مقاليد السلطة في البيت الأبيض، مثّل "حظر السفر"، واحتواء إيران ومحاربة تنظيم داعش واعلان القدس الشرقية عاصمة لإسرائيل، أبرز محطات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. في المقابل، ظلت الأزمة السورية بعيدة عن مركز إهتمام السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. لكن مع تغيير ترامب لفريقه الدبلوماسي والأمني، سيكون مستقبل السياسة الأمريكية تجاه سوريا أكثر غموضا.
اجمالا، يمكن القول أنه رغم استبعاد أمريكا للخيار العسكري في سوريا، إلا أنها لاتزال تستعمل مختلف الوسائل الأخرى للتأثير في مجرى الأزمة السورية، والحيلولة دون سيطرة روسيا على الوضع السوري بأكمله. وهذا يعد العامل الأبرز وراء إطالة أمد الحرب السورية.
بالمقارنة مع أمريكا، تمتلك روسيا إستراتيجية واضحة في سوريا. مثلا، تسعى روسيا للعودة إلى الشرق الأوسط من خلال سياستها في سوريا، كما ساعدتها الأزمة السورية على تخفيف الضغوط التي تواجهها في أوكرانيا. وإضافة لعلاقات التحالف مع إيران، قامت روسيا بتحسين علاقاتها مع كل من تركيا والسعودية ومصر واسرائيل، في مسعى لخلخلة تحالفات أمريكا وتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط.
من جهة أخرى، استغلت روسيا الخلاف الأمريكي التركي في عام 2016، لتغيير السياسات التركية تجاه سوريا. لكن نظرا لتداخل وتعقد المصالح الداخلية والخارجية في روسيا، تبقى روسيا عاجزة وحدها على معالجة الأزمة السورية.
مصاعب تشكيل جبهة موحدة
رغم حالة المواجهة بين المعسكرين في الأزمة السورية، لكن ذلك لايعني بأن هذين المعسكرين متماسكين داخليا. مثلا، يجمع كل من روسيا وإيران موقفا موحدا تجاه القضية السورية، لكن إمكانية إتفاق الجانبين على تشكيل جبهة واحدة حول مسألة الإتفاق النووي تبقى مستبعدة.
وعلى سبيل المثال أيضا، تلتقي المصالح السعودية والإسرائيلية في مجابهة إيران، لكن في ذات الوقت تربطهما علاقات جيدة مع روسيا. أما تركيا فرغم انحيازها للمعسكر الروسي، لكن تبقى بينها وبين روسيا تبيانات في المواقف بشأن نظام بشار الأسد والقضية الكردية. من جهة أخرى، رغم وجود تعاون بين أمريكا وحلفائها الأوروبيين التقليديين، غير أنه من الصعب أن تنجح أمريكا في تشكيل جبهة موحدة مع الأوروبيين تجاه قضايا الشرق الأوسط.
طبعا، يبقى مصدر المتغير الأكبر هو التغيرات المستمرة التي تشهدها ادارة ترامب. فبإستثناء وضوح سياسة "أمريكا أولا" وسياسة احتواء ايران، من الصعب أن نجد إستراتيجية أمريكية واضحة ومتكاملة في الشرق الأوسط. لذا، من المرجح أن تبقى منطقة الشرق الأوسط بين مطرقة المعسكر الأمريكي وسندان المعسكر الروسي، وتحافظ على وضع معقد ومتشابك بين مختلف القوى والتناقضات.