رفح 7 أبريل 2018 /على وقع الأهازيج التراثية والأغاني الوطنية المنسجمة مع حركات رقصة الدحية البدوية التي يشتهر بها العرب احتفلت عائلة نصر على مرأى من القوات الإسرائيلية المتمركزة خلف السياج الفاصل شرق قطاع غزة بزفاف نجلها البكر.
وأقام الفلسطينيون في 30 من الشهر الماضي خيام اعتصام في خمسة تجمعات رئيسة على مسافة بضع مئات من الأمتار من السياج الفاصل، الذي يمتد 40 كيلو مترا مع إسرائيل.
وكثير من الشبان الذين يتوافدون إلى المخيمات دأبوا على الاقتراب من الحدود وقذف الجنود الإسرائيليين بالحجارة، وركل الإطارات المشتعلة باتجاه الأسلاك الشائكة.
ورفع العريس أحمد نصر (26 عاماً) على الأكتاف ملوحا تارة بالكوفية وأخرى بالعلم الفلسطيني في رفح، حيث تجمع الخيام التي يتوافد إليها مئات الشباب والعائلات يومياً، بينما بدأ بعض كبار السن يتبارزون بسيوفهم ومن حولهم عشرات الشبان يدبكون على الأرض بأقدامهم على وقع الأنغام الشعبية.
وتجمع الخيام في رفح أقيم فوق أنقاض مطار غزة الدولي المدمر ويقع قرب معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي المتآخم للحدود مع مصر وقطاع غزة.
وكانت حركة حماس وجماعات مسلحة انطلقت عبر نفق أرضي من هذا المكان وخطفت الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وقتلت اثنين من زملائه في الخامس والعشرين من يونيو 2006. وهذا ما يعزز تخوفات الجيش الإسرائيلي من خطورة إقامة تلك المخيمات على مسافة قريبة من الحدود.
وأقيمت حفلات أفراح مماثلة في تجمعات أخرى هذا الأسبوع.
يقول العريس نصر الذي كان يرتدي بدلة سوداء ورابطة عنق، إنه لم يخطط لإقامة حفل زفافه هنا، لكنه شعر بسعادة غامرة رغم المخاطر المحدقة التي تعم المكان.
وقال والده حسان لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "كل الأرض يمكن أن تكون ساحات لاحتفالات الفلسطينيين عند زوال الاحتلال" في إشارة إلى نزوح مئات الالاف من الفلسطينيين من ديارهم في الصراع حول تأسيس دولة إسرائيل قبل نحو 70 عاما.
ويعتزم الفلسطينيون مواصلة الاعتصام في المخيمات حتى الخامس عشر من مايو المقبل بالتزامن مع إحياء مرور 70 عاما على يوم "النكبة" الفلسطينية وقيام إسرائيل.
وكان الاب والأبن شاركا في احتجاج يوم الجمعة الماضي، الذي أطلق عليه اسم "مسيرة العودة الكبرى" إحياء لذكرى يوم الأرض الذي يحييه الفلسطينيون في الثلاثين من مارس كل عام.
وقتل أكثر من 29 فلسطينيا منذ اندلاع الاشتباكات، وأصيب المئات بنيران الجيش الإسرائيلي وفق وزارة الصحة في غزة.
ووصف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة، في تقرير قمع الجيش الإسرائيلي المظاهرات الفلسطينية السلمية قرب السياج الحدودي مع إسرائيل، بأنها "الأكثر دموية" منذ النزاع المدمر في صيف العام 2014.
وفي مخيم ثان شرق خان يونس، استمتعت عائلة الأكاديمي عبد الهادي شوالي (52 عاماً) خلال رحلة نظمها الأب لأفراد عائلته بالتنافس بين المتسابقين الذين كانوا يمتطون الخيول والإبل في ساحة واسعة أمام الخيام.
وسأل نجل شوالي والده عن مكان منزل وأرض جده خلف الحدود، وقدم والده شرحاً لعائلته وعدد من الزائرين، داخل إحدى الخيام حول هجرة عائلته من حيفا إلى غزة ومزرعة البرتقال والبيت الواسع.
وخارج الخيام كانت نسوة يطهون طعام العشاء تمهيداً لتقديمه لمئات الزائرين وبينهم عائلة شوالي التي كانت تتحضر أيضاً لمشاهدة جلسة سمر ليلية داخل خيمة شعر بدوية.
يقول أحمد النجار أحد المشرفين على المخيم لوكالة أنباء ((شينخوا)) "المخيم بات جاذباً للناس بمختلف شرائحهم، وإن هذا الأمر جدير بالتقدير".
والنجار مشرف على النشاط الرياضي الذي يقام عصر كل يوم تقريباً من خلال إقامة مباريات كرة قدم بين صفوف لاعبين هواة يزورون المخيم.
وكان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي رونين مانليس قال في إيجاز للصحفيين العسكريين مساء أمس (الجمعة) إن "الجيش مستعد للرد بقوة إذا ما جرت أعمال استفزازية على السياج الأمني"، واتهم حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة بـ"العمل على تنفيذ هجمات تحت غطاء المظاهرات".
واتهم وزير جيش الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان في وقت سابق حركة حماس بأنها "تمارس الاستفزاز على الحدود، بدلاً من تحسين حالة الحياة للسكان في غزة".
في المقابل، قال القيادي البارز في حماس محمود الزهار إن التهديدات الإسرائيلية بقصف عمق قطاع غزة رداً على التظاهرات، تأتي من باب "طمأنة المستوطنين من "حالة الخوف" التي أحدثتها تلك التظاهرات.
وصرح الزهار خلال زيارته لمخيم شرق مدينة غزة "حين يقصف الاحتلال في عمق غزة.. العين بالعين والسن بالسن (..) هو يريد أن يرسل رسالة تطمينية للمستوطنين وإسرائيل تعرف من نحن وما هي قواتنا".
ورغم التهديد الإسرائيلي، إلا أن تلك المخيمات جذبت الباعة الجائلين، ومعظمهم شبان، حيث يمكنك أن تشتري الطعام والمياه والمشروبات الغازية بكل سهولة هناك.
ووجد وائل النحال وهو خريج جامعي في المخيم فرصة لتحصيل قوت يومه من خلال بيع حزم انترنت وكروت الاتصالات على الزائرين والمعتصمين.
يقول النحال (24 عاماً) لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه شارك منذ اليوم الأول في الاحتجاجات، وبحكم عمله كبائع في محل اتصالات نقل عمله إلى ساحات المخيم وأحياناً يشارك في قذف الجنود الإسرائيليين بالحجارة.
وبث نشطاء فلسطينيون على مدار الأسبوع الماضي مئات الصور ومقاطع الفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي لأنشطة من داخل الخيام وخارجه لعشرات الجرحى والضحايا معظمهم من الشبان.
وتقضي الفتاة وسام الشاعر بضع ساعات يومياً وهي تحمل العلم الفلسطيني وتوثق بهاتفها المحمول مشاهد من مخيم رفح والحقول الزراعية والزائرين من مختلف الأعمار.
وترى الشاعر الطالبة في السنة الثالثة في أحد أقسام الإعلام في غزة أن المخيم فتح أمامها فرصة لتطبيق ما درسته في الميدان وتوثيق الحدث الفلسطيني.
وتتردد فتيات وطالبات على المخيمات، وبعضهن يشاركن في المواجهات، وفي وقت سابق من هذا الأسبوع أقام أستاذ التاريخ في الجامعة الإسلامية غسان وشاح محاضرة لطلابه في إحدى الخيام شرق مدينة غزة.