أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض يوم 6 ديسمبر الجاري اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، وطالب ترامب وزارة الخارجية الأمريكية ببدء الاستعدادات لنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس. كما أكد ترامب أن القرار لا يعني أن الولايات المتحدة لم تعد تؤيد مفاوضات السلام الاسرائيلية الفلسطينية، وأنها تدعم حل الدولتين إذا أقره الإسرائيليون والفلسطينيون. مضيفا، أن الولايات المتحدة لا تتخذ أي خطوة لها علاقة بالوضع النهائي بما فيها حدود سيادة القدس. وسيتم حل ذلك من خلال المفاوضات بين إسرائيل وفلسطين.
ماذا غيّر ترامب؟
تضمن خطاب ترامب نقطتين أثارتا الاهتمام، الأولى، اعلان ترامب لأول مرة عن دعمه لبرنامج " حل الدولتين"، ولكن لم يقدم خطوات التنفيذ. الثانية، الولايات المتحدة لم تعترف بحدود القدس جغرافيا وسياسيا بالرغم من اعترافها بأنها عاصمة لإسرائيل، حيث ترك المجال لمحادثات السلام. وبالرغم من ترك ترامب مساحة فارغة في البيان، إلا أنه قد دمر على ما يبدو أساس محادثات السلام بين اسرائيل وفلسطين، وإضفاء عدم الاستقرار على الوضع في الشرق الاوسط، وتعزيز المشاعر المعادية للولايات المتحدة في البلدان العربية. ويظن دياو دا مينغ أستاذ مشارك في معهد العلاقات الدولية بجامعة الشعب الصينية ان ما قامت به الولايات المتحدة حساسا ودقيقا جدا، مضيفا، أن الشكل أكبر من المحتوى. وقال سون داه قانغ نائب مدير معهد بحوث الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي: " هذا الحل الوسط بالنسبة لترامب". وإن الوقت الراهن ليس مناسبا للقيام بنقل السفارة، الذي سوف يثير رد فعل قويا من العالم الاسلامي. لذلك اختار ترامب السير في خطوتين، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أولا، ووضعه موضع التنفيذ مستقبلا. ولكن بغض النظر عن المشاعر والقانون، فإن ما أقدم عليه ترامب لا معنى له.
لماذا اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل؟
يعتقد الخبراء أن بيان ترامب من ناحية، يرجع الى حد كبير الى التطور السياسي الداخلي في الولايات المتحدة. متطلعا الى اثراء السياسة الداخلية من خلال الوفاء بالوعود الرئيسية التي أطلقها على نفسه خلال الحملة الانتخابية، ومن ثم ارضاء الناخبين المحافظين والقوات الموالية لإسرائيل، وجمع راس المال للانتخابات النصفية العام المقبل، واعادة انتخابه بعد أربع سنوات. ومن ناحية أخرى، تتماشى هذه الخطوة مع نوايا الولايات المتحدة الاستراتيجية في الشرق الاوسط على المدى الطويل.
أولا، تأمل الولايات المتحدة في تعزيز موقف إسرائيل في استراتيجيتها للشرق الأوسط، ولعب دور " رأس الجسر" على الساحل الشرقي للبحر الابيض المتوسط. واتخذت الولايات المتحدة هذا العام تدابير مختلفة لتعزيز " الاستثمار العسكري " مع اسرائيل: ليس فقط بيع مقاتلات F-35، ولكن أيضا إنشاء قاعدة عسكرية.
ثانيا، يأمل ترامب تحقيق انفراج في قضية اسرائيل وفلسطين، وتحقيق "عودة قوية" للولايات المتحدة في الشرق الأوسط في ظل دفع جاريد كوشنر صهره ومستشاره بالقضية. وأشار دياو دامينغ الى ان الضبابية لا تزال تسيطر على محادثات السلام بين اسرائيل وفلسطين حتى الآن، والمملكة السعودية الدولة الأولى التي قام ترامب بزيارتها بعد توليه الرئاسة تتقارب مع روسيا سريا، وفشل الاتفاق النووي الإيراني. لذلك، يحرص ترامب على العثور على فرصة لتحديد المواضيع والاستفادة من القرارات الرمزية، وخلق مساحة أكبر لعودة الولايات المتحدة.
سيكون لها عواقب وخيمة؟
خلال ال 48 ساعة الماضية، حذر عدد من القادة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الملك عبد الله الثاني من الأردن إلى الملك سلمان من المملكة العربية السعودية ترامب من " عواقب وخيمة" محتملة، واعلنت اليوم، الفضائل الفلسطينية يوم غضب يستمر ثلاث ايام احتجاجا على البيان.
لكن، يبدو أن ترامب وكأنه يغض الطرف. وتعتقد وسائل الاعلام الامريكية عموما أن هناك ثلاث تأثيرات على الاقل من قرار ترامب:ـ
أولا، سيقوض مصداقية الولايات المتحدة على قضية السلام بين فلسطين وإسرائيل. وفي نظر الفلسطينيين، القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية المقبلة. ما يجعل قرار ترامب تجاهلا وإلغاء لرغباتهم وخنق اي اتفاق سلام ممكن التوصل اليه بين فلسطين واسرائيل.
ثانيا، سيثير غضب حلفاء الولايات المتحدة العرب التقليديين (السعودية والإمارات والأردن وغيرها) في الشرق الأوسط. وأشار سون داه قانغ الى أنهم كانوا راضين عن ترامب، الذي رفع راية معارضة إيران. لكن الآن، ترامب يقف الى جانب اسرائيل تماما، وهذا غير مقبول لا من ناحية المشاعر ولا من ناحية المصلحة. وقال شبلي درغام بروفيسور في جامعة ميريلاند، أن قرار ترامب سيجعل من الصعب على دول الخليج التي تتقاسم الامن مع اسرائيل أن تتعاون أكثر مع الاخيرة.
ثالثا: سيثير البيان المشاعر المعادية للولايات المتحدة في العالم الاسلامي، مما يسبب التوترات والاضطرابات في الشرق الأوسط. ويرى درغام أن البيان سيكون بمثابة مادة دعائية للمتطرفين، سوف تستفيد منها كل الجماعات الاسلامية المتطرفة. مضيفا، ستواجه الحكومة الامريكية تحديات عديدة، ناهيك التأثير على القوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة.
قال برينان مدير المخابرات المركزية الأمريكية السابق لوسائل الاعلام يوم 5 ديسمبر الجاري أن القرار " خطأ متهور في السياسة الخارجية"، سيضر بالمصالح الامريكية في الشرق الأوسط في السنوات القادمة. وأشار سون داه قانغ الى أن الولايات المتحدة تلعب لعبة " الارجوحة" في الشرق الأوسط. حيث تريد أن تحقق عملية السلام بين فلسطين وإسرائيل، والانحياز الى إسرائيل، وحماية التحالف مع دول الخليج في آن واحد. ومع ذلك، فإن التناقض بين الثلاث واضح جدا.