واشنطن 10 يوليو 2017 / في الوقت الذي يتوقع فيه أن تحل "الروبوتات" الصناعية محل ملايين العاملين الأمريكيين وتكبح زيادة الأجور في العقد القادم، تتخلف الإصلاحات في مجالي التعليم والضمان الاجتماعي إلى حد كبير، هكذا ذكر خبير اقتصادي أمريكي شهير.
وأشار دارون أسيم أوغلو الخبير الاقتصادي بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا خلال مقابلة أجراها معه موقع ((أكسيوس ميديا)) الإخباري الأمريكي على الإنترنت ونشرت مساء الأحد "هناك عدم توافق حقيقي بين مؤسساتنا والتكنولوجيات المستخدمة"
لقد سحبت الروبوتات الصناعية أعمالا روتينية من يد الإنسان في العقود الماضية. وقدرت ورقة بحثية نشرها أسيم أوغلو والخبير الاقتصادي باسكال ريستريبو من جامعة بوسطن بأن الولايات المتحدة شهدت بالفعل تحول ما يتراوح بين 360 ألف و 670 ألف وظيفة إلى الروبوتات منذ عام 1990.
وقال أسيم أوغلو إن "خبراء الاقتصاد يتم تدريبهم على التفكير في التكنولوجيا بأنها تزيد دائما من فرص العمل وترفع الأجور"، و "لكن لا يوجد مبرر نظري للاعتقاد بذلك".
فآفاق البطالة التكنولوجية أصبحت أشد قتامة، حيث تحل الروبوتات الآن محل الإنسان في أداء بعض الوظائف بصورة أسرع بكثير من ذي قبل بفضل اوجه التقدم التكنولوجية التي تحققت في مجال الأتمتة والروبوتات والذكاء الاصطناعي .
ويقدر الاتحاد الدولي للروبوتات بأنه يجرى حاليا استخدام ما يتراوح بين 1.5 و1.75 مليون من الروبوتات الصناعية ، وقد يرتفع العدد إلى ما يتراوح بين 4 و 6 ملايين بحلول عام 2025.
وفي سيناريو جرئ يفترض انتشار أسرع للروبوتات في قطاع التصنيع، يقدر أسيم أوغلو بأن الروبوتات الصناعية ستقود إلى انخفاض يتراوح بين 0.94 و 1.76 نقطة مئوية في نسبة التوظيف إلى عدد السكان وإلى انخفاض تتراوح نسبته بين 1.3 و 2.6 في المائة في زيادة الأجور بين عامي 2015 و 2025.
ويشير سيناريو أكثر تحفظا إلى أن التأثيرات تعادل انخفاض يتراوح بين 0.54 وواحد نقطة مئوية في نسبة التوظيف إلى عدد السكان وانخفاض يتراوح بين 0.75 و 1.5 في المائة في زيادة الأجور.
وحتى في ظل السيناريو المحافظ، سيفقد ما يتراوح بين 1.7 و3.2 مليون عامل أمريكي وظائفهم لتقوم بها الروبوتات في السنوات العشر القادمة.
وليس أسيم أوغلو وحده الذي يحذر من مستقبل البطالة التكنولوجية. فقد تنبأ كارل فري ومايكل أوسبرون، الخبيران الاقتصاديان بجامعة أوكسفورد، بأن 47 في المائة من العمال الأمريكيين معرضين للمخاطر التي تشكلها الأتمتة خلال العقدين المقبلين وذلك ورقة بحثية صدرت في عام 2013.
كما أوردت شركة ماكنزي الاستشارية، مستخدمة منهجية ذات صلة، نفس النسبة تقريبا وهي 45 في المائة فيما قدر البنك الدولي بأن 57 في المائة من فرص العمل في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يمكن أن تصبح آلية خلال العقدين القادمين وذلك في تقرير نشر في عام 2016.
ومع ذلك، هناك أيضا خبراء اقتصاد يختلفون مع مثل هذه التوقعات التشاؤمية. فقد أشار ديفيد أوتور أستاذ الاقتصاد بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أشار بشكل مقنع في ورقة بحثية صدرت عام 2015 إلى أن نسبة التوظيف إلى عدد السكان في الولايات المتحدة ارتفعت بشكل مطرد خلال القرن العشرين حتى عندما كان جرس الإنذار بشأن البطالة نتيجة الأتمتة يدق بين الحين والآخر.
وأضاف أوتور أن المتشائمين يمليون إلى المبالغة في تقدير تأثير الأتمتة على العمل، ويقللون من أهمية الحقيقة المتمثلة في أن الأتمتة تكمل أيضا العمل الأمر الذي يقود إلى ارتفاع الناتج الاقتصادي وزيادة الطلب على العمالة.
وأفضل مثال على ذلك هو ابتكار ماكينات الصراف الآلي. فقد بدأ استخدام هذه الماكينات في سبعينات القرن الماضي، وزاد عددها بواقع أربعة أضعاف في الفترة ما بين عامي 1995 و 2010 في الولايات المتحدة ولكن عدد شاغلي وظيفة الصراف في البنوك ارتفع بشكل مطرد في القترة ما بين عامي 1920 و2010.
ويكمن السبب وراء هذه الظاهرة التي لا يمكن تصورها في أنه من خلال الحد من تكلفة تشغيل فرع للبنك، زادت ماكينات الصراف الآلي بشكل مباشر من الطلب على وجود من يشغلون وظيفة الصراف مع قيام البنوك بفتح مزيد من الفروع.
ولكن أوتور وأسيم أغلوا يتفقان في أن الأتمتة لها تداعيات اجتماعية مستمرة ومؤلمة لأن أصحاب الياقات الزرقاء أكثر ضعفا من الروبوتات.
"ونوثق أيضا أن تأثير الروبوتات على التوظيف أكثر وضوحا في مجال التصنيع، ولا سيما في الصناعات الأكثر احتمالية في استخدام الروبوتات"، حسبما كتب اسيم أوغلو في الورقة البحثية.
وبالمثل، اكتشف أوتور في أبحاثه أنه في الوقت الذي نمت فيه الوظائف في أعلى سلم المهارات بسرعة أكبر في الفترة ما بين عامي 1980 و2010 مقارنة بما كانت عليه في العقود الأربعة السابقة، تقلصت مهن ذوي الياقات الزرقاء المهرة بسرعة خلال نفس الفترة.
وتتجلى آثار الأتمتة في سوق العمل على أفضل وجه في التفاوت المتزايد في الأجور واستقطاب العمالة.
وأشار أسيم أوغلو إلى إن "التاريخ ليس موحدا". فالتطور التكنولوجي يميل إلى تحقيق رخاء واسع، ولكن هذا ليس قانونا من قوانين الطبيعة، مضيفا أن "الثورة الصناعية لم تؤد إلى ارتفاع الأجور لسنوات بين 1760 و 1850".
وبدون نهوض النقابات العمالية والتعليم الثانوي، لما وصلت فوائد أوجه التطور التكنولوجي في القرن الـ19مطلقا إلى أصحاب الياقات الزرقاء.
ولذلك، فإن إصلاح التعليم الهادف إلى توفير التدريب اللازم للعاملين الذين يفقدون وظائفهم لتقوم بها الروبوتات وتوفير شبكة ضمان اجتماعي أفضل يمثلان أمرين لا غني عنهما للتخفيف من الآلام التي تتكبدها الطبقة العاملة جراء الأتمتة.