بقلم: وانغ ليان، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بكين
أعلنت وزارة الدفاع العراقية في يونيو الماضي عن تحرير مدينة الموصل بالكامل من أيدي تنظيم "الدولة الإسلامية". وقال رئيس الوزراء العراقي ، حيدر العبادي في بيان، إن استعادة السيطرة على جامع النوري في المدينة القديمة بغرب الموصل "إعلان بانتهاء" تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق. وأكد على استمرار عمليات ملاحقة عناصر التنظيم حتى آخر داعشي في العراق . وفي الوقت نفسه، اعلنت المعارضة السورية المسلحة يوم 4 يوليو عن بدأ هجومًا على مدينة "الرقة" لطرد تنظيم " الدولة الاسلامية" منها، وهذه خطوة لاستعادتها بالكامل. وعند هذه النقطة، يمكننا التأكيد أن هزيمة تنظيم "الدولة الاسلامية" لا رجعة فيه، ودخول منطقة الشرق الاوسط عصر ما بعد تنظيم " الدولة الاسلامية".
وأثبت الواقع أن القضاء على تنظيم " الدولة الاسلامية" يمكن أن يتحقق بعد التعاون وتوحيد القوة بين المجتمع الدولي، حتى ولو دون مركز قيادة مكافحة الارهاب المشترك. ومع ذلك، قد لا تحصد الحكومة والشعب العراقي والسوري من هذه الحرب الطاحنة سوى تهديم المنازل، وتحول إعادة إعمار مهمة عاجلة أمامهم بعد الحرب. كما أن القضاء على تنظيم " الدولة الاسلامية" بالنسبة للمجتمع الدولي، خاصة بالنسبة لدول الجوار أمر بات غير مستحيلا، ولكن القضاء على ايديولوجيتها المتطرفة اساس الفوضى في المنطقة على المدى القصير غير واضح.
تنظيم " الدولة الاسلامية" ليس جديدا، لكنه استطاع في غضون سنوات فقط احتلال اراضي جديدة، بسبب الطائفية والعداء العرقي والوضع الداخلي والخارجي في منطقة الشرق الاوسط. لذلك، فإن العوامل الثلاث التالية جزء لا يتجزء من رصد تطور وضع مكافحة الارهاب في منطقة الشرق الاوسط بعد عصر تنظيم " الدولة الاسلامية" :ـ
أولا،سرعة تفكيك هيكل تنظيم " الدولة الاسلامية" لا يعني القضاء عليه نهائيا ، حيث أن إستمرار تأثير ايديولوجية التنظيم على عناصر التنظيم الاجانب قد يؤدي الى تمدد التطرف لبقية العالم، وهذا أحد أسباب الاندلاع المتكرر للهجمات الإرهابية في العالم حاليا، وخاصة في أوروبا وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا.
ثانيا، عدم وجود تغيير جوهري في الاساس الاجتماعي الذي يعتمد عليه التطرف، مثل الصراعات الطائفية التي توفر بيئة فطرية لنمو المنظمات المتطرفة في الشرق الاوسط. وعدم تحسن تهميش وسخط القوة الشيعية للسنة في العراق حتى الآن. وصعوبة التعايش السلمي بين قوات الاقلية العلوية التي ينتمي إليها بشار الاسد والقوات السنية والكردية في ظل الحرب الاهلية في سوريا. كما لم تخفف الحرب الاهلية في اليمن بين القوات السنية والقوات الحوثيين المسلحة بعد دخول القوات الاجنبية. وفي مصر، بعد استسلام العسكر الحكم، تحركت مجموعة الاخوان المسلمين غير العلني، وظهرت مرارا وتكرارا أحداث العنف شنتها جماعات التطرف المسلحة. وأن عدم إمكانية التخفيف من حدة الصراع الطائفي ، يصعب تحقيق السلام في الشرق الاوسط.
ثالثا، تسود منطقة الشرق الاوسط بعد نشوب " الربيع العربي" في السنوات الاخيرة، حالة من الاضطرابات، والركود الاقتصادي، وزيادة المواجهة الاجتماعية وتوتر الوضع. وتتيح التناقضات العربية الداخلية فرصة لتدخل القوات الخارجية في الشؤون العربية المحلية وايجاد وتدريب الوكلاء. وفي هذا السياق ، أدى الظهور المفاجئ لتنظيم " الدولة الاسلامية في عام 2013 الى زخم نمو سريع. اليوم، وكما هو الحال دائما ، تنقسم الولايات المتحدة وروسيا بشأن القضية السورية، والصراع بين السعودية وايران في اليمن، كما أدى التناقض بين تركيا وقطر والسعودية الى جانب مصر الى ازمة قطر العلاقات الدبلوماسية مع قطر، كما هددت الولايات المتحدة باتخاذ اجراءات من جانب واحد ضد ايران، في حين أن الاخيرة تعزز علاقاتها مع روسيا، وتحسن علاقاتها مع تركيا ، كما لا تتردد اسرائيل في ضرب خصومها في سوريا من وقت لآخر في ظل الفوضى الحالية. فكيف يمكن لمجتمع دولي منقسم أن يواجه بفعالية تحديات الارهاب والتطرف في المنطقة؟
وبالنظر الى تاريخ محاربة الارهاب، ينبغي على المجتمع الدولي أن يدرك حقا أن الإرهاب والتطرف هو عدو العالم، وينبغي للبدان أن تعرف أن التعامل بالكيل بمكيالين في مجال محاربة الارهاب والتطرف سيؤدي الى هزيمة بعضهما البعض، ما ينبغي نبذ الخلافات والعمل معا تحت رعاية الامم المتحدة. وبهذه الطريقة فقط ، يمكن تغيير البيئة الدولية من أجل محاربة الارهاب وتحقيق نصرا دائما.