يفخر قوه جينغ تشوان، 52 عاما، والذي يتكلم لهجة جنوب فوجيان وهو صاحب شركة للسفن من قرية شييوي في مقاطعة فوجيان بجنوب شرقي الصين، يفخر بأسلافه البحارة.
ويعتبر جميع سكان قريته تقريبا أحفادا للتجار العرب الذين سافروا إلى تشيوانتشو قبل مئات السنين، عندما كانت المدينة أحد أكثر الموانئ حيوية في العالم. ويعتزم قوه شراء سفينة شحن تزن 10 آلاف طن في وقت لاحق من العام الحالي للانضمام إلى ما يسميه " نادي الشحن 100 الف طن ".
تزدهر صناعة الشحن البحري في تشيوانتشو، باعتبارها إحدى نقاط الانطلاق الأصلية لطرق الملاحة البحرية القديمة، في حين تعمل المدينة على أن تصبح نقطة هامة على طول طريق الحرير البحري للقرن الـ21.
مياه البحر في الدم
وتقع قرية شييوي التي تقع في مصب خليج تشيوانتشو بجوار ميناء شيهو التاريخي المعروف أيضا باسم رصيف ميناء "لين لوان" بعد قيام مسافر ببنائه في القرن الثامن.
ويذكر أن الرصيف التاريخي كان الأول في تشيوانتشو لرسو سفن التجارة الخارجية.
وأشار قوه تشي منغ رئيس لجنة الحزب الشيوعي الصيني في قرية شييوي إلى جزيرتين وبرج ليوشنغ البالغ من العمر 800 عام على تلة مجاورة، وشرح بفخر كيف كان الرصيف من العلامات الملاحية لعدة قرون.
وكان طريق الحرير البحري القديم شبكة هامة للتجارة والتبادلات الثقافية بين المناطق الساحلية الصينية والدول في جنوب شرق آسيا وافريقيا وأوروبا.
ووفقا لدينغ يوي لينغ، رئيس متحف تشيوانتشو البحري، فقد أبحر عدد كبير من التجار العرب والفارسيين إلى تشيوانتشو عبر طريق الحرير البحري .
وخلال موسم الذروة في القرن الحادي عشر وحتى القرن الرابع عشر، نمت المدينة لتصبح أكبر تجمع للعرب والفرس في الشرق الأقصى . بعضهم بقي بشكل دائم وتزوج مع الصينيين المحليين واندمجوا في المجتمع المحلي.
وقال قوه جينغ تشوان: " إن عائلتي عملت في مجال الشحن البحري لعدة قرون، وأعتقد بأن مياه بحر ممزوجة في دمي".
وأمضى جدّ قوه معظم حياته في البحر، وعندما كان طفلا سمع قوه مغامرات أسلافه العديدة، بما في ذلك مداهمة القراصنة في عهد أسرة تشينغ (1644-1911) وفقدان شحنات من بذور الشاي، والتربة التي دمرها الغزاة اليابانيون في أربعينيات القرن الـ20.
وبوحي من هذه القصص، أصبح قوه جينغ تشوان بحارا في السن الـ17 وحلم ببناء امبراطورية الشحن الخاصة به، واقترض المال لشراء العديد من القوارب المملوكة للقرية وأقام شركة الشحن الخاصة به في عام 1996.
مثل أسلافهم البحارة، يعتبر سكان قرية شييوي بحارة طبيعيين، ويعمل 80 بالمئة من 5000 ساكن في القرية بصناعة الشحن البحري. ووفقا لدينغ، يوجد في الوقت الراهن 50 ألف شخص من سكان تشيوانتشو من أحفاد التجار العرب، وخاصة أولئك الذين يحملون أسماء عائلات دينغ، و قوه، و بو.
إحياء الميناء القديم
في عام 1417، ركب المستكشف الصيني تشنغ خه أسطوله الهائل في تشيوانتشو في انتظار الرياح لبدء حملة استكشافية أخرى، حيث قام بزيارة قوه تشوانغ يوان، وهو رجل أعمال محلي من أصل عربي للحصول على المشورة.
وبعد نحو 600 عام من صخب وضجيج أسطول تشنغ، لا يزال ميناء تشيوانتشو نشطا وحيويا.
أما عن حلم الطفولة لـ قوه جينغ تشوان، فقد تحول إلى حقيقة من خلال 20 عاما من العمل الشاق حتى طور شركته لسفن البضائع .
ويوجد أكثر من 12 شركة شحن بحري مقرها في شييوي، ما يمثل ثلثي قدرة الشحن البحري في مدينة تشيوانتشو، وأنجح شركة بينها هي شركة تشيوانتشو آنشنغ للشحن التي يملكها الأخوان قوه دونغ تسه و قوه دونغ شنغ، وتحتل حاليا المرتبة الثالثة في الصين والـ24 على الصعيد العالمي.
وتقدم صناعة الشحن البحري المزدهرة لمحة عن مدينة مزدهرة تسعى إلى إحياء نفسها كميناء مهم دوليا، وقد تجاوزت الإنتاجية السنوية للميناء 100 مليون طن لمدة خمس سنوات متتالية، كما نما ليصبح نقطة عبور هامة للسفن المتجهة إلى والقادمة من جنوب شرق آسيا .
وفي يوم تشينغمينغ (عيد الصفاء والنقاء) وهو عيد صيني تقليدي لتقديم الاحترام للأسلاف ، يزور قوه جينغ تشوان وقرويون آخرون ضريح عائلة بالقرب من قرية بايتشي حيث تم الحفاظ على بعض النقوش باللغة العربية التي تصف أصول أسرهم العربية.
وبصرف النظر هذه النقوش، فهناك آثار ثقافية قليلة للأسلاف العرب للقرويين تم استبدالها مع مرور الوقت باللهجات الإقليمية والعادات الصينية.
" ولكن شغفنا وروحنا المتعلقة بالملاحة لن تتغير أبدا ، فنحن فخورون بأسلافنا البحارة"، قال قوه جينغ تشوان.
وتواصل الأجيال اللاحقة تواصلها مع البحار، ويمتلك والد قوه جينغ تشوان الخبرات في مجال السفن ويأمل في توريث أعمال العائلة في يوم من الأيام .