القلمون، لبنان 23 ابريل 2017 /بمجرد أن تطأ قدم الزائر بلدة القلمون اللبنانية في هذا الوقت من العام، تستقبله رائحة زهر الليمون العطرة المادة الأساسية في صناعة شعبية تتوارثها الأجيال المتعاقبة جيلا بعد جيل.
وتعتبر صناعة ماء زهر الليمون من خلال تقطيره من الصناعات العريقة في شمال وجنوب لبنان وتتركز بكثافة في بلدتي القلمون ومغدوشة.
وتكثر في البلدتين بساتين الليمون المسمى محليا "بوصفير" وفي بلدان عربية أخرى "النارنج" أو "الزفير" وهو نوع من أنواع الليمون الذي يمتاز بطعم مر.
وهذه الصناعة هي مهنة موسمية تشكل مصدر دخل جيد لكثير من العائلات والبيوت الريفية خصوصا وأنه يندر أن يخلو المنزل اللبناني من قارورة ماء الزهر نظرا لفوائده على الصعيد الصحي او بسبب كونه مادة أساسية في صناعة الحلويات العربية.
ويشتهر أبناء بلدة القلمون الواقعة على شاطئ البحر المتوسط للجهة الغربية الجنوبية من طرابلس كبرى مدن شمال لبنان ببراعة واتقان الأجيال المتعاقبة فيها في استخراج ماء الزهر.
ويحرص أبناء القلمون على جودة انتاجهم من ماء الزهر الذي اقترن اسمه باسم بلدتهم منذ عقود حيث يقصدها ابناء الشمال والمناطق اللبنانية الأخرى لابتياعه منها.
وينتشر في بساتين زهر الليمون بالقلمون في هذا الوقت من العام الأهالي وعاملات معظمهن من النازحات السوريات.
وعادة ما يبدأ موسم قطاف أزهار الليمون وهي المادة الأساسية التي يعتمد عليها صانعو ماء الزهر، في الثلث الأول من شهر مارس ويستمر حتى نهاية ابريل .
وتشرح السيدة عائشة طوط (55 عاما) لوكالة انباء ((شينخوا)) مراحل صناعة ماء زهر الليمون منذ قطفه وحتى وصوله الى مستهلكيه.
وتقول السيدة طوط "بعد القطاف ينقل الزهر الى المنازل او المشاغل الصغيرة في البلدة ثم يغربل وينقى من الورق والعيدان ويغسل من الغبار ويفرش على القماش لان تكدسه فوق بعضه يعرضه للاهتراء والذبول".
وتضيف "لا يحفظ الزهر بعد قطافه اكثر من يوم أو يومين إذ من الأفضل المباشرة بتقطيره قبل أن يصيبه الذبول.
وتعتمد طريقة التصنيع على مبدأ التقطير بالبخار حيث يتم وضع الزهر مع الماء البارد في وعاء كبير من الالومنيوم أو النحاس أو "الستانليس ستيل" مصنوع خصيصا لعملية التقطير يسمى في كتب الكيمياء ب"الأنبيق" ويطلق عليه محليا اسم "الكركة".
و"الكركة" التي يسخن فيها مزيج الزهر والماء بواسطة الحطب أو الغاز تكون موصولة بأنبوب يمر منه البخار إلى وعاء للتبريد بالماء (مكثف) ليصبح بعدها سائلا مرة ثانية ويخرج منه الماء المقطر عبر أنبوب الى وعاء الاستقبال.
وتقول طوط ان النار يجب أن تكون قوية حتى غليان المزيج ثم يجري تخفيفها شيئا فشيئا لتستقر على نار هادئة تطيل زمن تكاثف البخار وتؤمن تصاعده بنكهة جيدة ورائحة زكية.
وتلفت طوط إلى مقادير محددة للتقطير حيث يوضع مقابل كل 5 كيلوجرامات من الزهر 5 لترات من الماء حيث سيستخرج من هذا المزيج 5 زجاجات من ماء الزهر سعة كل منها 500 ملليتر.
وبحسب الطريقة التقليدية توضع زجاجات ماء الزهر تحت حرارة الشمس لمدة أربعين يوما وذلك لتعقيمها ومنحها لونا أسمر ونكهة أقوى.
وتختلف المقادير بحسب حجم سعة الكركة الا انه يجب ان يكون عدد كيلوجرامات الزهر مساويا لعدد لترات المياه.
وتؤكد طوط أهمية استبدال الماء في وعاء التبريد العلوي كلما سخن لأنه يلعب الدور الأساسي في تحويل بخار غليان مزيج الماء والزهر إلى ماء الزهر.
وحول الأسعار تقول السيدة الخمسينية ان اللتر من الانتاج الجيد يباع بأكثر من 12 الف ليرة لبنانية (ما يوازي أكثر من 8 دولارات أمريكية).
وصناعة ماء زهر الليمون ورغم عراقتها، فقد تقلص انتاجها مع تناقص مساحات الاراضي المزروعة به.
ويقول محمد مغيط أحد أصحاب بساتين الليمون في القلمون "كان سابقا انتاجنا من ماء الزهر يكفي حاجة محافظة الشمال ونصدر منه الى مناطق لبنانية اخرى والى دول عربية اما اليوم وبعد تقلص المساحات المزروعة في البلدة لصالح العمران فقد تقلص الانتاج".
ويضيف "تستهلك القلمون عشرات اطنان الزهر وكانت بمعظمها من انتاج شجيراتها المترامية إلا انه وبعد اقتلاع نسبة لا بأس بها لصالح الشقق السكنية التي يزداد الطلب عليها فقد أصبحنا نعتمد على مصادر للزهر من البلدات المجاورة".
ولماء الزهر فوائد جمة غير استعماله في صناعة الحلويات الشرقية حيث أنه منكه لمياه الشرب ومهدئ للأعصاب ومنه تصنع القهوة البيضاء مع الماء المغلي والسكر لتقدم ساخنة كسائل مهضم كما يفيد في حالات التخمة والغازات وآلام تشنجات البطن.
كما يوضح مغيط أن استخدام ماء الزهر على بشرة الوجه يجعلها صافية ذات مسامات نقية ويمنع ظهور الحبوب كما يعمل على ترطيب البشرة الحساسة والملتهبة.