صحف نت - الرياض: فتح الرحمن يوسف
أكد وانغ يي، وزير الخارجية الصيني، أن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى بكين رسالة إيجابية إلى دول الشرق الأوسط والمجتمع الدولي، وتبين حرص بكين والرياض على تعزيز التعاون الاستراتيجي وتعميق الالتقاء التنموي وصيانة السلم الإقليمي وتكوين مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية.
وقال وزير الخارجية الصيني، في حوار لـ«الشرق الأوسط»، إن «زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الصين ستعزز الالتقاء بين الاستراتيجيات التنموية للبلدين وتعمق التعاون في إطار (الحزام والطريق)»، مشيرا إلى أن العلاقات الوثيقة والعميقة بين زعيمي البلدين على المستويين الرسمي والشخصي توفر قوة لا تنضب لمسيرة العلاقات الثنائية، مؤكدا أن الرياض تلعب دورا مهما وإيجابيا في صيانة وترسيخ السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة.
ووفق يي، فإن الرئيس الصيني شي جين بينغ سيعقد محادثات رسمية مع الملك سلمان، لتبادل وجهات النظر بشكل معمق حول العلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك. كما سيلتقي خادم الحرمين الشريفين مع كل من رئيس مجلس الدولة لي كتش يانغ، ورئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب تشانغ دجيانغ، وسيحضر مراسم التوقيع لسلسلة من وثائق التعاون في مجالات الطاقة الإنتاجية والتجارة والفضاء والطاقة المتجددة والتربية والتعليم وغيرها.
وتابع أن الجانبين بصدد دفع مشاريع التعاون مثل المفاعل الحراري المبرد بالغاز وتحلية المياه المالحة والإسكان في ضاحية الأصفر ومنطقة جازان - الصين للتجمعات الصناعية وغيرها. وتبلورت بشكل أولي معادلة التعاون «1+2+33» التي تتخذ مجال الطاقة مثل المحور الرئيسي ومجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار كجناحين، وثلاثة مجالات ذات تكنولوجيا متقدمة وحديثة تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقات المتجددة كنقاط الاختراق... فإلى تفاصيل الحوار:
* بداية، اسمح لنا أن نسألك كيف تقيمون العلاقات الصينية - السعودية؟
- حقيقة، رغم البعد الجغرافي بين الصين والسعودية، كونهما دولتين واقعتين في الطرفين الشرقي والغربي لقارة آسيا، غير أن التواصل الودي بين البلدين يضرب بجذوره في أعماق التاريخ، منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في عام 1990، شهدت العلاقات الصينية - السعودية تطورا مستمرا وصحيا، وأصبح كلا البلدين الشريك الاستراتيجي وفرصة التنمية المهمة للآخر. وفي هذا السياق، تتعزز الثقة السياسية المتبادلة والدعم المتبادل في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والهموم الكبرى للجانب الآخر، ويتعمق التعاون العملي والاندماج الاقتصادي باستمرار حتى يتقدم على التعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط الأخرى، في كثير من المجالات، بدليل أن المملكة تبقى كأكبر مورد للنفط الخام للصين، على مدى 16 سنة متتالية بين عامي 2000 و2015، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 42.36 مليار دولار في عام 2016، الأمر الذي يجعل المملكة قابعة كأكبر شريك تجاري للصين في منطقة غرب آسيا وأفريقيا، ويتكثف التواصل الثقافي والإنساني بين الجانبين، الأمر الذي يشكل نموذجا يحتذى به للتواصل والتنافع بين الثقافات والحضارات المختلفة. كان الجناح السعودي الملقب بـ«قارب القمر» يبهر معرض «إكسبو» الدولي بشنغهاي عام 2010، ويعد من أكثر الأجنحة الأجنبية إقبالا. كما يقام معرض «طريق الجزيرة العربية... روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» في المتحف الوطني الصيني. وسيتم تدشين فرع لمكتبة الملك عبد العزيز العامة في جامعة بكين قريبا.
لن يتحقق هذا التطور للعلاقات الصينية - السعودية من دون الدعم والعناية من قادة البلدين، خصوصا أن الرئيس شي جين بينغ قام بزيارة السعودية في يناير (كانون الثاني) عام 2016، حيث أقام البلدان علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وقرارا تشكيل اللجنة الصينية - السعودية المشتركة رفيعة المستوى، مما أدخل العلاقات الثنائية إلى مرحلة جديدة من التطور السريع. يزور الملك سلمان بن عبد العزيز الصين، وذلك ليساهم في تعزيز الالتقاء بين الاستراتيجيات التنموية للبلدين، وتعميق التعاون العملي بين الجانبين في إطار «الحزام والطريق». إن العلاقات الوثيقة والعميقة بين زعيمي البلدين على المستويين الرسمي والشخصي توفر قوة لا تنضب لمسيرة العلاقات الثنائية.
في الوقت الراهن، وفي ظل التغيرات العميقة التي تشهدها المعادلة السياسية والاقتصادية العالمية، يبرز الطابع الاستراتيجي والشمولي للعلاقات الصينية - السعودية بشكل أوضح. إذ يدعم كلا الجانبين إقامة النمط الجديد من العلاقات الدولية المتمحورة على التعاون والكسب المشترك، ويدافع بشدة عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ويدعو كلا الجانبين إلى دفع العولمة الاقتصادية نحو اتجاه أكثر شمولا ونفعا وعدلا وإنصافا، ويدعو إلى تسريع التحول للتنمية الوطنية والارتقاء بمستواه عبر الترابط والتواصل والتعاون الدولي للطاقة الإنتاجية، ويعمل كلا الجانبين على حل القضايا الكونية والملفات الإقليمية الساخنة عبر التفاوض والحوار، استشرافا للمستقبل. إن العلاقات الصينية - السعودية مقبلة على آفاق أرحب وأجمل من أي وقت مضى.
* يزور خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز الصين وتعد أول زيارة لملك سعودي منذ نحو 10 سنوات، كيف تنظر بكين إلى هذه الزيارة، وما النتائج المتوقعة؟
- إن الملك سلمان بن عبد العزيز أول زعيم أجنبي يستقبله الجانب الصيني بعد «الاجتماعين السنويين» للمجلس الوطني لنواب الشعب والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني. تأتي هذه الزيارة باعتبارها أول زيارة لملك سعودي للصين منذ 11 عاما، ردا على زيارة الدولة التي قام بها الرئيس شي جين بينغ للمملكة في يناير عام 2016، فتكتسب أهمية كبرى في تعميق عرى الصداقة بين قادة البلدين وترسيخ الثقة الاستراتيجية المتبادلة وتعزيز التعاون الثنائي العملي في المجالات كافة.
يولي الجانب الصيني اهتماما بالغا بهذه الزيارة، إذ سيعقد الرئيس شي جين بينغ محادثات رسمية مع الملك سلمان، كما سيلتقي خادم الحرمين مع كل من رئيس مجلس الدولة لي كتش يانغ، ورئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب تشانغ دجيانغ، حيث سيتبادل قادة البلدين وجهات النظر بشكل معمق حول العلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك، ويحضرون مراسم التوقيع لسلسلة من وثائق التعاون في مجالات الطاقة الإنتاجية والتجارة والفضاء والطاقة المتجددة والتربية والتعليم وغيرها، بالإضافة إلى ذلك سيقيم الجانبان كثيرا من الفعاليات الثقافية والاقتصادية والتجارية خلال هذه الزيارة. أثق بأن هذه الجولة الجديدة من التفاعل بين زعيمي البلدين ستبعث برسالة إيجابية إلى دول الشرق الأوسط والمجتمع الدولي، تبين حرص الصين والمملكة على تعزيز التعاون الاستراتيجي، وتعميق الالتقاء التنموي، وصيانة السلم الإقليمي، وتكوين مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية.
* إلى أين وصل التعاون في بناء «الحزام والطريق» منذ زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية في يناير عام 2016، وكيف تقيمون دور المملكة في بناء «الحزام والطريق»؟
- إن مبادرة «الحزام والطريق» التي طرحها الرئيس شي جين بينغ لاقت تجاوبا حارا من المملكة وغيرها من دول غرب آسيا وشمال أفريقيا. خلال زيارة الرئيس شي جين بينغ للمملكة في يناير في العام الماضي، وقع البلدان على وثيقة التعاون بين الحكومتين بشأن التشارك في بناء «الحزام والطريق»، وفي المقابل، قامت المملكة خصيصا بإعداد خطة «طريق الحرير الغربي»، للالتقاء مع الجانب الصيني، وفي أغسطس (آب) الماضي ترأس نائب رئيس مجلس الدولة الصيني تشانغ قاولي والأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، أول اجتماع للجنة الصينية - السعودية المشتركة الرفيعة المستوى بصفتهما رئيسي الجانبين في بكين، وفقا للتوافق بين زعيمي البلدين، وذلك من أجل توجيه وتنسيق التعاون بين البلدين في جميع المجالات. في الوقت الراهن، إن الجانبين بصدد دفع مشاريع التعاون مثل المفاعل الحراري المبرد بالغاز وتحلية المياه المالحة والإسكان في ضاحية الأصفر ومنطقة جازان - الصين للتجمعات الصناعية وغيرها. وتبلورت بشكل أولي معادلة التعاون «1+2+3» التي تتخذ مجال الطاقة محورا رئيسيا، ومجالي البنية التحتية، وتسهيل التجارة والاستثمار كجناحين، وثلاثة مجالات ذات تكنولوجيا متقدمة وحديثة تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقات المتجددة كنقاط الاختراق. إضافة إلى ذلك، يوجد توافق تام بين الصين والمملكة في دفع التكامل الاقتصادي الإقليمي ورفع مستوى حرية التجارة، وتسعيان إلى تسريع وتيرة إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، والارتقاء بمستوى التعاون الصيني - السعودي، والتعاون الجماعي الصيني الخليجي إلى مستويات أعلى.
إن شبه الجزيرة العربية التي تقع فيها السعودية منطقة التقاء لطريقي الحرير البري والبحري منذ القدم. يكون معرض «طريق الجزيرة العربية... روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» المقام في المتحف الوطني الصيني تجسيدا حيا لمسيرة التواصل الصيني - السعودي، خصوصا التواصل عبر طريق الحرير القديم، وتعتبر الذكريات التاريخية والأيقونة الثقافية المشتركة للبلدين. رغم أن الدول المطلة على طريق الحرير مرت بتغيرات كبيرة على مر العصور، غير أن روح طريق الحرير المتمثلة في السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والاستفادة المتبادلة والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك تتطور وتتوارث حتى يومنا هذا، وتزداد حيويتها القوية باستمرار. في الوقت الراهن، في حين تعمل الصين على تنفيذ الخطة الخمسية الـ«13»، طرحت المملكة «رؤية 2030» و«برنامج التحول الوطني»، الأمر الذي يجعل الجانبين شريكين طبيعيين ومثاليين في بناء «الحزام والطريق»، إذ يمكن للمملكة أن تصبح حلقة مهمة تربط الأسواق الأفريقية الكبيرة. يتطلع الجانب الصيني إلى حصاد إنجازات وصداقة أكثر في التعاون مع المملكة في قضية بناء «الحزام والطريق» العظيمة، بما يحافظ على المصالح التنموية والأمنية للبلدين ولدول الشرق الأوسط.