بقلم الباحث / علي بن شويمي المطرفي الهذلي، الفائز بجائزة المساهمات المتميزة في الكتابة حول الصين لعام 2016
يعكس كتاب "جمال الصين بين السور والتنين" تجربة تربوية تاريخية ثقافية عن التراث الصيني ومما حواه هذا الكتاب في جنباته من تجسيد لواقع عشناه وعايشناه لمدة أربع أعوام مليئة بالمشاهدة الممتعة والثقافات المنوعة والآثار والحضارة والمتاحف والحدائق وكل معالم الصين الشعبية لما تحويه تلك البلاد من آثار ذات قيمة تاريخية عالية وهي في مجملها تحكي بوضوح اتجاه الحضارة الشرقية الفريدة من نوعها وقد وصفت فيه مواقف واقعية حصلت لنا هناك.
وعزمت حينها على البحث والكتابة عنها لما فيها من ثقافات متنوعة بتعدد أجناسهم وقومياتهم التي تصل إلى ستة وخمسين قومية , وشعب أدبه رائق رفيع لا يعرفه إلا من درسه وقرأه ونقده , وحياتهم مليئة بزخم هائل من المواقف والتقاليد والطبائع الحسنة والمأخوذة من العلماء والأساتذة والمفكرين الأوائل . والغوص في تاريخ تلك الحضارة.
وأما تسمية الكتاب الذي أثار نقاشاً في جامعة بكين للدراسات الأجنبية بـ جمال الصين بين السور والتنين؛ فلقد بررت عنونة كتابي بقولي : بأن السور يعني لهم الكثير فهو يمثل رمزاً للدعوة إلى السلام , وأنه أعجوبة تاريخية فريدة في هذا العالم تمثل فترة ما قبل الميلاد فهو رمزاً للطاقة المعنوية في قلوبهم والمثل الصيني القائل : ( إرادة الملايين تبني سوراً عظيماً ) فجاء في النشيد الوطني لجمهورية الصين الشعبية الكلمة ( من دمنا .. من لحمنا .. نبني سوراً عظيماً جديداً ) لتحثّ أبناء الصين على الكفاح في سبيل نهضة الأمة , حقاً إنه سور عظيم , وجماله يتبلور في عظمته فقد جعل الشعب الصيني يبدع في جماله, ويستمتعون بهذا الجمال الذي شيدوه بأيديهم وهو جمال فريد من نوعه منذ آلاف السنين.
وعن التنين الذي لازال الصينيون يحتفلون به إذ يعد من الثقافات التقليدية الحديثة حينما يلبسون ويرسمون ويمثلون ويلعبون ويمرحون بأشكاله المتعددة والذي كان من عظمته عندهم أن الإمبراطور في العصور القديمة يرتدي ملابساً مطرزة بأشكال التنين.
تحدثت معهم وجاريتهم وذهبت برفقتهم وزاملتهم وجاورتهم وجلست معهم ولم أجد منهم نكرة في تعاملهم , ولم أرَ منهم إلا الابتسامة والصدق , وكل ذلك نتيجة وعيهم وثقافتهم في الغالب الأعم , ووجدتهم لا يحبون المزاح الكثير , مجدون في عملهم ودراستهم , شعب جدّي للغاية .
تيقنت حينها أنهم ماضون في سياسة الانفتاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي على دول العالم من أوله إلى منتهاه , ويظهر للعيان تجانسهم البشري وهذه مما تتميز به هذه البلاد , وتعداه إلى التجانس اللغوي والتاريخي والثقافي والتفكير العقلي والمنطقي , واللغة المندرينية هي اللغة السائدة كتابةً في جميع مدن البلاد الصينية , يتفقون جميعاً في تطبيق الفضائل الكنفوشيسية الخمس : فعل الخير, الإخلاص , العدل , الاحتشام , الحكمة .
فقد اكتسبت الصين الشعبية الشعور الجمالي العميق فظهر لنا جمال الشكل والمبنى وجمال المهارة والحوار فهذا الجمال يعطيهم الشعور بالجمال الطليق وشعور جمالي بالنقاوة والطبيعة.
حيث كانت الصين بالنسبة للعرب بعيدة جداً حيث كان ولا زالت يضرب بها المثل في بعد المسافات وأنها ذات حضارة أزلية تقليدية قديمة عندما قرأت ذلك عنها قبل ذهابي إليها.
والثقافة الصينية ترى أولاً وقبل كل شي أن تكافل الإنسان والطبيعة في تناغمٍ تامٍ هو الطريق الأساسي الذي يسلكه الإنسان في سبيل بقائه ؛ لأن الإنسان عينه يمثل جزءاً من الطبيعة . وعلى ضوء تجنب الصراع بين الإنسان والطبيعة , فإن فحوى الحضارة الإنسانية تقوم على بناء عالم يسوده الهدوء والطمأنينة , حيث أن الإنسان يلتزم الصمت بين يدي الطبيعة مهابة وإجلالاً لها , واعترافاً بما ينعم عليه به من جميل دون أن يسيطر عليها . فالفكر والثقافة الصينية التقليدية مستقلة ومختلفة تماماً عن الفكر الغربي بما يوليه من اهتمام بذلك التناغم .
فإن هذا الكتاب يعد الأول من نوعه في علاقات التواصل الصيني - السعودي، وقد تأثر بمحتوياته الكثير من المهتمين بل أعتقد أنه مفيد جداً للصينيين، خاصة الذين يتعاملون مع الدول العربية، حيث يمكننا أن تعرف منه زوايا رؤى العرب ونقاط الاهتمام لهم تجاه الصين، وكيفية تقديمها لهم بعراقتها وحداثتها، وأيضاً الصين التقليدية والانفتاحية.
فلا بد من أنْ تكون العلاقة السعودية بالصينيين ذات طابع يتميَّز عن بقية الدول الغربية والشرقية . فهي علاقات حضارية تبادُلية أكثر من كونها علاقة توجُّس بين غالب ومغلوب، كما هو الإحساس عليه مع الدول ذات الحضارات القديمة التي تخدم ميدان التاريخ الثقافي بكل جديد.
فكانت العلاقات بين الصين والعرب والمسلمين ولا زالت تكامُليةً تجارية على وجه الخصوص ؛ لأنَّها نظرت إلى أنَّ الأصل في بناء الحضارات هو المشاركةُ في جهود البناء وعمارة الدنيا بالفكر والعلم والجسم. ويؤكِّد تاريخ الحضارات أنَّ مسألة الاستعانة بإمكانات الأمم المتعاصرة كان ديدنًا في بناء تلك الحضارات، بحيث يتعذَّر حصر بناء الحضارات على أمَّة أو شعب دون مساعدة بشكل من الأشكال من أمم وشعوب أخرى عاشت قبلها أو عاصرتها .
ولقد انتهجت الحضارة الإسلامية منذ بزوغها التعارُف بين الشعوب، عندما استعانت بالحضارات المجاورة المعاصرة والسابقة، لاسيَّما في علوم الدنيا، حتى وصل بنا ذلك إلى ربط علاقات قوية ذات جسور تاريخية.
وفي ذلك كله تعزيز للتعاون وتشجيع على التوسع في فتح مراكز ثقافية وفكرية بين الجانبين، ودعم تبادل إقامة فعاليات سنوية ثقافية والمشاركة في مهرجانات الفنون والآداب والثقافة المقامة لدى أحد المتواصلين ,مما ينتج عنه تكوين الكفاءات والقدرات الثقافية والقطاعات والجمعيات والأندية الثقافية كذلك. وتقوية سبل التعاون والحوار وتأصيل التبادل المهني للباحثين والمهتمين بتراث الأمم وثقافتهم. حتى تصل إلى تغطية عالم الصور والسينما وكافة أنواع الإذاعات والتلفزة بدعم متواصل من ملتقى التعاون الصيني العربي , السعي وراء تنفيذ اللقاءات الدورية بين وفود الطرفين وعرض ما لدى كل واحد منهم من جديد في عالم الأفلام .
كذلك الاهتمام البالغ بمجال الترجمة من العربية إلى الصينية وعلى العكس تماماً بمشاركة المهتمين والباحثين والمتخصصين في هذا المجال حتى تصل إلى عالم النشر على مستوى عالمي والمشاركة الدولية الفاعلة في كل عام أو كل شهر وإنشاء مراكز فكرية ثقافية تفي بمتطلبات ورغبات الباحثين حتى نصل لمبتغى التواصل الذي لا ينقطع .
وأنا عاكف الآن على مشروعين ثقافيين أدبيين عن الثقافة والآداب الصينية سيكون لها صداها بإذن الله تعالى وهي جديدة في طرحها تُعنى بالثقافة الصينية والآداب وبهذه الأعمال سيتعرف القارئ العربي على حضارة وجهود الصينين في نشر ثقافتهم بلغات أخرى وأنها أصبحت قريبة جداً بهذا الجسر الثقافي وحلقة التواصل الأولى التي كانت لبناتها كتاب " جمال الصين بين السور والتنين " والتي نلت به جائزة الكتاب المتميز الصينية لعام 2016 في حفل أقيم في قاعة الشعب الكبرى في بكين .