قبل رحلتي إلى الصين، حذرني كثير من أصدقائي من الطعام الصينى، فاستعجبت كثيرا وسألت لماذا كل هذا التحذير، فقالوا لي: إن الصينيين يأكلون كل شىء يمشي ما عدا السيارة، وكل شىء يطير ما عدا الطائرة، وكل شىء يعوم ما عدا السفينة، فضحكنا سويا على هذه المزحة.
فقلت في داخلي إن الصينيين مثل المصريين تماما في هذا الأمر، فنحن نأكل ( ( الملوحة والفسيخ) ) بحب وفي الأعياد ، في حين أن أي شعب آخر لا يقدر على احتمال رائحتها، والصينيون أيضا يأكلون جميع المأكولات البحرية والبرية والجوية.
وهكذا هيأت نفسي لاستقبال الطعام الصيني حتى رغم عدم علمي بماهيته، أول ما استرعى انتباهي في المطاعم الصينية هو أنها تظهر مدى اعتناء الصينيين بفكرة السفرة والمشاركة والتجمع، فمعظم طاولات الطعام دائرية، مثل ما كنا نفعل مع أجدادنا منذ سنوات ولكننا الآن تخلينا عن كل هذا، وتقريبا لا يوجد قائمة تختار منها طعامك، فالمطعم قدم لك مختلف الأطعمة الموجودة فيه، وعليك أن تختار ما تريده أنت، وقد راعوا هذا الأمر في تصميم الطاولات، فجعلوها ذات جزأين دائرة متحركة في المركز، يوضع عليها أطباق الطعام الأساسية فيما تحاط بدائرة أخرى ثابتة، توضع عليها الأطباق الفردية الفارغة، وفى كل فترة يتم فيها وضع طبق من الأطعمة المختلفة، ولذلك كثيرا ما كنا نعيق سير الجزء المتحرك من الطاولة للاستزادة من تناول طبق معين أحببناه، كما كنا كثيرا ما نجد طعاما غير مستساغ بالمرة، وقد كنا نظن أن مدى تقبلنا للطعام سيتغير بعد الاعتياد عليه، لكن على ما يبدو، فإن مسألة الاعتياد هذه كانت تتطلب وقتا أطول، فتكوين الطعام كان مختلفا تماما عما نتناوله هنا فى المنطقة العربية، فكثير من الأطعمة الصينية يدخل فيها طعم السكر مع الملح بانسجام تام، ولا يفصل الأكلات الحلوة عن الأكلات الأخرى أي فاصل، فيقدم لك أطباقا يدخل صناعتها البلح مع أطباق أخرى تحتوي على اللحوم المتبلة بالبهارات الصينية المميزة والثوم.
ولكن بعد مكوث خمس أشهر في العاصمة الصينية بكين، أجزم بأني أصبحت أتناول الطعام الصيني بكل حب وتقدير، حيث أني اعتقدت بأن لا شعبا آخر في العالم يستخدم السكر مع الملح فى الآكل ويشرب الماء الساخن أثناء تناول الطعام.