وصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم 9 أغسطس الجاري إلى سان بطرسبرغ شمال روسيا للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين. وكان اردوغان قد خص وكالة "تاس" الروسية عشية زيارته إلى روسيا بحديث قال فيه: " الاتحاد الاوروبي خدعنا طيلة 53 عاما .... بوتين صديقنا." فهل هذه الزيارة ستحقق ما قاله اردوغان في اللقاء بأنها :" ستفتح صفحة جديدة في علاقات بلدينا"؟
أول لقاء رسمي يجمع زعيمي البلدين بعد"حادث طائرة سو-24"
يعتبر لقاء أردوغان وبوتين الأول بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية في منتصف نوفمبر الماضي في أنطاليا، وحدثت حوادث متواصلة في هذه الفترة، حيث قدم اردوغان اعتذاراته بشأن هذه المسألة في يونيو من هذا العام، كما شهدت تركيا حادثة محاولة الانقلاب العسكري في شهر يوليو ايضا. ويرى مايك سارين باحث في الشؤون التركية بجامعة ستوكهولم ، أن الزيارة تأتي بعد تحول دبلوماسية " صفر المشاكل " التركية الى " كثير المشاكل" وهي استراتيجية دبلوماسية تصحيحية للحفاظ على العلاقات المتوازنة بين المعسكر الغربي والمعسكر الروسي.
رسم آفاق التعاون
ما هي النقاط الأساسية التي سيناقشها الزعيمين خلال هذه الزيارة؟
وفقا للبيان الرسمي الروسي، أن هدف لقاء اردوغان وبوتين هو تحديد الخطوط العريضة لآفاق التعاون الثنائي، وتحقيق التفاهم المتبادل حول القضايا الثنائية والاقليمية والدولية، ولم يشمل جدول الاعمال توقيع وثائق تتعلق بنتائج المحادثات. وبالاضافة الى ذلك، ستصبح القضايا الاستراتيجية والامنية محور التواصل بين الزعيمين. كما يعتقد فلاديمير فرولوف، محلل سياسي روسي، أن اردوغان سيظهر المزيد من المرونة بشأن القضية السورية خلال الاجتماع المنعقد يوم 9 اغسطي الجاري.
وتشير مجلة "نيوزويك" الأميركية على موقها الالكتروني الى أن تركيا تأمل أن تتحصل على نفوذ في الشريط الحدودي شمال سورية، بهدف منع ومكافحة جماعة الاكراد المسلحة، في حين أن روسيا ترغب في تخفيف الضغط الاستراتيجي في الجناح الغربي، ما يتطلب من تركيا أن لا تشارك في انشطة الناتو العسكرية في منطقة البحر الاسود، للحد من الوجود العسكري لحلف الناتو في المنطقة. علاوة على ذلك، فإن نجاح التفاهمات بين روسيا وتركيا بشأن الملف السوري، سيرتفع ويتوسع حق الكلام لروسيا في منطقة الشرق الاوسط، وتشكيل توازنات وضوابط للمملكة العربية السعودية وقطر وغيرها من الدول الاخرى.
وقال لى لى فان، نائب مدير مركز الدراسات الروسية وآسيا الوسطى التابع لأكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية في لقاء صحفي، أن أردوغان قد يرغب ايضا في رفع مستوى مكانة تركيا في منظمة شانغهاي للتعاون، وترقية من دولة شراكة الحوار الى دولة مراقبة. كما أن امريكا قلقة جدا اتجاه تعزيز تركيا مشاركتها في منظمة شنغهاي للتعاون ، حيث انها خطوة من شأنها ان تقسم منظمة حلف شمال الاطلسي. وبالنسبة لروسيا، فإن تركيا بعتبارها في اوراسيا ، يمكن أن تلعب دورا هاما في برنامج بوتين " الشراكة الآوروبية الاسيوية الكبيرة" ، كما أنها تستحق التأمل.
الفائدة المؤقتة تعزز " تحالف ملائم"
التقارب في العلاقات بين روسيا وتركيا لا يعني استبعاد تركيا عن أوروبا وامريكا. ويعتقد سارين أن تركيا قوة هامة في حلف شمال الاطلسي، وتقارب تركيا مع روسيا يهدف الى إظهار تنوع وواقعية خيارها الدبلوماسي للغرب. ويعتقد فادي هاكولا باحث في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية بلندن، أن العلاقات بين روسيا وتركيا لا تزال يربطها " تحالف ملائم" بدلا من " العلاقات الاستراتيجية"، ما يعني أن تركيا مدفوعة بمصالح وتحديات مشتركة مؤقتة.
وقال هاكولا، أنه من ناحية المصالح الاستراتيجية التركية ، فإن روسيا لا يمكن أن تحل محل أمريكا وحلف شمال الاطلسي، مضيفا، أن ثلاث ارباع من الاستثمارات المباشرة في تركيا من أوروبا وأمريكا، كما أن الجيش التركي مرتبط بشكل وثيق مع منظمة حلف شمال الاطلسي، في حين تركيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين روسيا وتركيا على الغاز الطبيعي، الزراعة ، ومشاريع البناء والصناعة المتدنية المستوى.
ويعتقد لي شين تشون باحث في مركز ابحاث في الشؤون التركية بجامعة شنغهاي، أن الحزب الحاكم في تركيا محافظ نسبيا ، واردوغان لا يستطيع اخذ قرار الخروج من اوروبا لدخول الى آسيا أو العكس، والميل الى اي معكسر. كما لا تزال أمريكا واوروبا تسيطران على التجارة والاستثمار المباشر في تركيا، مما يصعب على تركيا التخلي على هذه العلاقة، على هذا الأساس، فإن تركيا ستستمع الى الاصوات الغربية عندما تفكر في اعادة اصلاح علاقاتها مع روسيا.