بقلم/ وانغ لي ، باحث مساعد في معهد السياسة والاقتصاد العالمي لدى الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية
تشهد العراق في الاشهر الاخيرة تزايدا في الاحتجاجات الشعبية وتظاهرات الشعب لمطالبة الحكومة بدفع عملية الاصلاح الشامل ومعاقبة الفسادين بعد أن افتقد الشعب الصبر ازاء وضع الاصلاح السياسي في البلاد. فطالما كانت نتائج أعمال الحكومة الجديدة جيدة بعد تعيين حيدر العبادي رئيس وزراء العراق خلفا لنوري المالكي عام 2014، ولكن عدم قدرة بغداد على التعامل مع الفوضى الحالية اصاب العالم الخارجي بصدمة وخيبة أمل. فما هي أسباب اشتداد الازمة السياسية في العراق؟ العوامل التالية تستحق النظر.
أولا، استياء شعبي متواصل من تجاهل الحكومة مشكلة رفع مستوى معيشة شعب
خطر تنظيم " الدولة الاسلامية" جعل تركيز حكومة العبادي على مدى العامين الماضين على تعزيز القوات العسكرية، وبات رفع من مستوى معيشة الشعب والتنمية الاقتصادية وغيرها من القضايا الأخرى في وضع ثانوي، والاستثمارات الكبيرة غير كافية. ومع ذلك، يرى الناس أن اداء حكومة العبادي في مجال الامن لا يكفي ، ويتطلعون الى المزيد من الخدمات العامة. في الواقع، ظهرت علامات الازمة السياسية في اوائل عام 2015، حيث أدى انقطاع التيار الكهربائي وبطء في اعادة الاعمار والتنمية الاقتصادية وغيرها من القضايا الاخرى الى موجة من الاحتجاجات الشعبية المتواصلة ضد تقاعس الحكومة. وإن عدم حل المشاكل بشكل فعال والتناقضات المتراكة زادت من اشددات الازمة في العراق.
ثانيا، انخفاض حاد لسعر النفط يضعف قدرة عمل الحكومة
تشهد أسعار النفط الذي يشكل 90 % من عائدات العراق تراجعا منذ العام الماضي، مما أدى الى انخفاض حاد في الايرادات. و في عام 2015 ، تجاوز العجز في ميزانية الحكومة 20 مليار دولار، ومن المرجح أن تسجل ارتفاعا جديدا هذا العام. ومن الواضح، أن الحفاظ على تشغيل ومحاربة تنظيم " الدولة الاسلامية" وحل مشاكل معيشة الشعب ، كلها تحتاج الى زيارة الاستثمار، كما أدت المشاكل المالية الى ضعف قدرة الحكومة على التعامل مع الفوضى في العراق.
ثالثا، الحكومة العراقية تواجه معضلة توقف الإصلاح السياسي أم لا
تواجه الحكومة العراقية اصلاح اقتصادي متخلف وتوقف تدريجي للاصلاح السياسي. واقترحت حكومة العبادي في عام 2015، حزمة من الاصلاحات تشتمل على الغاء العمالة الزائدة، محاربة الفساد والقضاء على حصة السلطة. وبالرغم من أن الاصلاحات حققت بعض النتائج في بداية التطبيق ، لكنها اصبحت تواجه الصعوبات اكثر واكثر مع توسيع الاصلاحات وتاثيرها على مصالح الفصائل. وفي ظل قضية الاصلاح، بات من الصعب أن تنزل حكومة العبادي من ظهر النمر فعلا، حيث اصرارها على الاصلاح سيشكل تحالفات القوى المناهضة للإصلاح لطلب اقالة الحكومة؛ وتخليها عن الاصلاح قد يفقدها الدعم الشعبي تماما.
رابعا، صعوبة التوصل الى حل وسط في الصراع بين الفصائل على السلطة على المدى القصير
الفصائل الداخلية في العراق غير قادرة على التوصل الى حل وسط وتحقيق التوازن في التوزيع الجديد للطاقة على المدى القصير، يزيد من صعوبة تخفيف الازمة.
خامسا، التدخل الخارجية زاد من تعقيد المشكلة
وفر عدم امكانية النظام القائم حل الازمة والخروج من الركود فرصة لتدخل القوى الخارجية في الشؤون الداخلية للعراق. ومنذ ما يقرب من عامين، نشأت حركة صدر قوة متطرفة شيعية التي كانت على وشك التهميش من خلال رفع راية القومية عاليا، ودعم احتجاجات الشعب، وعاد هذا " البطل المناهض لامريكا" القديم بشكل قوي الى الساحة السياسية. ثانيا، انتهاز تنظيم " الدولة الاسلامية" فرصة تكثيف الصراع الطائفي وتدهور الوضع الأمني لاطلاق الهجمات الارهابية مرة أخرى. كما أن الأزمة السياسية الحالية تثير قلق امريكا وايران وغيرها من الدول الاخرى. وقد قام العديد من المسؤولين الامريكيين بزيارة الى بغداد مؤخرا، سعيا لتحقيق الاستقرار في حكومة العبادي، ودفع الأطراف الى تركيز التعاون ضد الارهاب، وفي الوقت نفسه، يبدو أن ايران التي تقوم بالوساطة النشطة والضغط، سعيا لتنسيق الصراع على وشك فقدان السيطرة على الفصائل الداخلية في الشيعة. ومن الواضح أن اختلاف أهداف ومصالح القوى الخارجية في العراق واختلاف أولوياتهم على مستوى الجهود المبذولة، يزداد تعقيد المشاكل ذات الصلة.
باختصار، التوقعات لخروج الحكومة العراقية من الازمة السياسية على المدى القصير ليست متفائلة. وقد تعهدت ادارة بوش بعد الغزو الامريكي للعراق عام 2003 والاطاحة بنظام صدام حسين بانشاء ديمقراطية في العراق ليكون نموذجا للديمقراطية في الشرق الاوسط. ولكن بعد 13 عاما، " الديمقراطية الامريكية" لم تتاقلم بعد في التربة العراقية. ولا يزال العراق ينقصه الاعتراف بدولة متعددة القوميات، ومجتمع مدني ناضج، وسوق متوحدة داخلية مترابطة وثيقا، ونظام قانوني سليم والنظام القضائي، ولا تزال لا يمكن التخلص من التسلل والتدخل الخارجي ، مما يعني أن عملية إعادة الإعمار في العراق سوف تكون طويلة وصعوبة.