أثار تصريح أدلى به الرئيس التنفيذي لشركة آبل، جيم كوك، مؤخرا إلى قناة هندية، العديد من ردود الفعل داخل الصين، حيث صرح كوك بأن يفكر جديا في "نقل جميع خطوط إنتاج آيفون إلى الهند". ويعد مصنع فوكسكون بالصين أكبر مصنع إنتاج بالنسبة لآيفون في الوقت الحالي. وقد أثار هذا التصريح فور إذاعته، جدلا كبيرا حول ما إذا كان "صنع في الهند" سيعوض "صنع في الصين".
لكن الجدل الذي أثارته التقارير، دفع البعض للعودة إلى التصريح الأصلي لكوك باللغة الإنغليزية، والذي قاله فيه كوك:
Apple working to bring entire product line to India
وهو ما يعني أن ماقاله كوك هو نقل "جميع المنتجات" إلى الهند وليس نقل "جميع خيوط الإنتاج". وتمتلك الهند سوق ذات قوة كامنة كبيرة بالنسبة للهواتف الذكية، حيث نمى سوق الهواتف الذكية في الفصل الأول بـ 23%، في حين أن درجة معرفة ماركة أبل في الهند ليست عالية مقارنة مع الدول الأخرى. ومع تراجع مبيعات الآيفون في الصين، وخطة تأسيس آبل لأول ثلاثة محلات تجزئة في الهند، وفي الوقت الذي تعمل فيه آبل على توسيع السوق الهندية، فإن نقل المزيد من منتجات آبل إلى الهند يعد أمرا عاديا.
رغم أنه من الممكن جدا أن تكون تصريحات كوك بنقل جميع خيوط الإنتاج الى الهند قد أسيء فهمها، لكن هذا لا يعني أن الحدث عينه غير ممكن الوقوع. وفي الحقيقة، أعلن عملاق تصنيع السلع الإلكترونية الإستهلاكية بالوكالة، والذي في ذات الوقت يمثل مصنع فوكسكون، أكبر مُصنع بالوكالة لشركة آبل، قد أشار خلال العام الماضي إلى نيته تأسيس من 10 إلى 12 قاعدة تصنيع ومركز بيانات في الهند. من جهة أخرى، تعتزم شركة واتر ورلد، ويوي ده للإتصالات، إلى جانب مصانع شركات الهواتف الصينية مثل فيفو، هواوي، جينلي، كوباي، تأسيس مصانع إنتاج في الهند. كما بدأت علامات الهواتف الهندية التي ركزت صناعتها في الصين تنسحب. وهذا أيضا على علاقة بالتعديلات التي أجرتها الحكومة الهندية على الضرائب المفروضة على الهواتف المستوردة، لكن يجب عدم تجاهل إتجاه إنتقال قطاع التصنيع.
من الصعب أن تتفوق القطع الهندية على المدى القصير على سلسلة تصنيع الهواتف المتكاملة في الصين، لكن علينا أن نعترف بأن الهند تمتلك حوافز فريدة أيضا. حيث سينقل قطاع التصنيع وسيما الصناعات المتمركزة حول اليد العاملية إلى المناطق الأقل كلفة، وهذه صيرورة لا يمكن التخلص منها. وما يعرف بالكلفة المنخفضة، لا يقتصر على إنخفاض أجور اليد العاملة فحسب، بل وكذلك إنخفاض التزويد المستمر باليد العاملة الرخيصة، إلى جانب مستوى تعليم وتدريب القوة العاملة، وسعر الأرض والضرائب ذات الصلة وغيرها من العوامل. وتبلغ كلفة اليد العاملة في الصين خلال الوقت الحالي 3 أضعاف الكلفة في الهند، ومع إنتقال قطاع الملابس شيئا فشيئا نحو الفيتنام والفلبين، من المتوقع أن تنتقل صناعة الهواتف من الصين إلى الهند، في ظل إستمرار إرتفاع التكلفة.
إن" مصنع العالم"، هو دور لعبته الصين خلال عصر معين ومرحلة معينة من التاريخ، ومن غير الممكن أن تقبع الصين دائما في القطاعات الصناعية ذات القيمة المضافة المنخفضة، لذلك عملت الصين خلال السنوات الأخيرة جاهدا على تحقيق الإنتقال والترقية، وناقشت سبل االإنتقال من "صنع في الصين" إلى "صنع الذكاء الصيني".
علينا أن ننتظر مزيدا من الخطوات الأخرى، لنتأكد من نية آبل في نقل خطوط إنتاجها إلى الهند، ونحن نعرف أن آبل تخطط لإنشاء مركز بحوث جديد في مدينة حيدر آبات الهندية، يتكفل بتطوير الخرائط. ورغم أن الهند تمتلك بنية تحتية صناعية سيئة، لكنها تمتلك خدمات متطورة في تكنولوجيا المعلومات، كما تزود الهند أمريكا بعدد كبير من الكفاءات الأولية، وقامت بتخفيض الضرائب المفروضة على قطاع البرمجيات، ونجح معهد الهند للهندسة في تزويد العديد من الشركات الكبرى بالكفاءات العالية، وفي الوقت الحالي، تشغل العديد من الشخصيات ذوي الأصول الهندية مناصب عليا في عدة شركات كبرى، مثل آدوبن وغوغل، وغيرها من الشركات. وقد إعتمدت الهند سياسة تجمع بين اليد العاملة الرخيصة والتعليم الجيد والضرائب المنخفضة في تطوير خدمات متطورة في تكنولوجيا المعلومات، كما تعكس سياستها الحالية المتمثلة في الهند الرقمية، وإستقطاب قوى البحث العلمي رغبتها في تحقيق نقلة على مستوى هيكل التنمية.
تتموقع الهند من جديد في النظام العالمي لتقسيم العمل، وعلى الصين أيضا أن تبحث من جديد عن موقعها، بعد أن بدأت تفقد موقع "مصنع العالم"، فالإنتقال الإقتصادي والإبتكار العلمي والتكنولوجي لايمكن أن يعتمد على قطاع صناعي واحد، أو حوافز معينة لمجال معين. والإنتقال من "صنع في الصين" إلى" صنع الذكاء الصيني"، يحتاج إلى منظومة قانونية متكاملة، ونظام ضريبي متوازن، وبيئة تنافسية عادلة، وتعليم جيد وبيئة علمية وثقافية منفتحة والتعبير الحر. وهذا ربما سيستغرق أكثر من جيل، لكن يجب أن تبدأ الجهود منذ الآن.