دمشق 28 أبريل 2016 /بعد مضي شهرين على بدء سريان هدنة وقف العمليات القتالية في سوريا، المدعومة من الولايات المتحدة وروسيا، منذ 27 فبراير الماضي، كانت دمشق من أكثر المحافظات التي شهدت التزاما بهذه الهدنة، في حين أن محافظة حلب بشمال سوريا هي الأكثر تضررا وتعاني قصفا عشوائيا مستمرا جراء سقوط قذائف صاروخية ما يؤدي إلى وقوع العشرات من الضحايا.
وعلى الرغم من الانتهاكات المتكررة بين الحين والآخر لهذه الهدنة، التي وصفت بأنها هشة لكنها مستمرة، بيد أن الخروقات التي وقعت في دمشق كانت هي الأقل مقارنة مع غيرها من المدن السورية الأخرى خلال الشهرين الماضيين.
فلم تشهد العاصمة دمشق حملات عسكرية كبيرة خلال الشهرين الماضيين، إذ دارت اشتباكات فقط في المناطق الخاضعة لسيطرة لتنظيمي "جبهة النصرة" المرتبطة بالقاعدة و"الدولة الإسلامية " (داعش) في الغوطة الشرقية بريف دمشق، بعدما تم استبعاد هذين التنظيمين من الهدنة، كما تم تحديدها كمجموعات إرهابية من قبل الأمم المتحدة.
واستمرت العمليات العسكرية في منطقة خان الشيح في الريف الغربي من ريف دمشق وبلدات بالا ومرج السلطان في الغوطة الشرقية وبلدة الضمير في منطقة القلمون في الحافة الشمالية من دمشق والأجزاء الغربية من القلمون.
وفيما يتعلق بالخروقات الأمنية في دمشق، تم الإبلاغ عن بعض الانتهاكات، مثل قطع الطريق المار قرب منطقة برزة لمدة سبعة أيام بعد قيام مسلحين هناك باختطاف جندي على مشارف تلك المنطقة، التي شهدت مصالحة بين الجيش السوري والمسلحين.
وعاد الوضع إلى الهدوء في وقت لاحق بعد دخول وفود من برزة إلى دمشق وحل هذه المسألة مع القوات الحكومية، مما أدى إلى الإفراج عن الجندي المختطف وإعادة فتح الطريق في منتصف مارس الماضي، كما وقع حادث مماثل أيضا في منطقة قدسيا، وتم حله بطريقة مماثلة.
في محيط العاصمة، وقعت حادثتان كبيرتان، أولها الهجوم على القاعدة الجوية القريبة من مدينة الضمير في شمال شرق دمشق في أبريل الجاري بالتزامن مع هجوم مماثل ضد مصنع للاسمنت في تلك المدينة، تمكن خلالها المسلحون من خطف 350 عاملا من المصنع، مما أسفر عن مقتل بعضهم قبل الإفراج عن الآخرين.
بالإضافة إلى ذلك، قام انتحاري بتفجير نفسه في حي السيدة زينب جنوب دمشق، حيث استهدف نقطة تفتيش عسكرية في تلك المنطقة ذات الأغلبية الشيعية مما أسفر عن مقتل 15 وجرح العشرات.
على هامش التفجيرات والخطف، سقطت قرابة 20 قذيفة هاون في مناطق في دمشق خلال الشهرين الماضيين، مقارنة مع عشرات من القذائف المماثلة التي كانت تمطر العاصمة في أوقات ما قبل الهدنة.
وقتلت القذائف بعض الناس في منطقة ضاحية الأسد الموالية للحكومة، كما أدت إلى وقوع إصابات وخسائر في الممتلكات فيها وفي مناطق أخرى.
وفيما يتعلق بالمصالحات، نجحت الحكومة في عقد اثنتين من المصالحات الكبرى في كل من بلدتي الناصرية والرحيبة بريف دمشق الشمالي الشرقي، حيث تعاون السكان المحليون مع الحكومة لطرد المسلحين من مدنهم في الأسبوع الثاني من أبريل.
كما تم السماح خلال الهدنة لأكثر من 500 شخص بالخروج من أربع مناطق سورية محاصرة من قبل الحكومة السورية والمعارضة المسلحة في 20 أبريل الجاري، وهي بلدتي كفريا والفوعة بريف ادلب بشمال غرب سوريا، المواليتين للحكومة، ومدينتي الزبداني ومضايا، وكلاهما يسيطر عليها المسلحون ومحاصرة من قبل الجيش السوري في الريف الشمالي لدمشق.
وفي جنوب دمشق، وبالتحديد في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، اندلعت أعمال عنف عندما تقدمت الجماعات المسلحة المتحالفة مع تنظيم داعش وسيطرت على مواقع تابعة لجبهة النصرة وعلى مساحات واسعة في تلك المنطقة المتضررة بشدة، والتي لا تزال بعض الأسر تعيش هناك في ظل ظروف إنسانية صعبة للغاية.
كما شب حريق ضخم في واحد من أقدم الأسواق في المدينة القديمة بدمشق، حيث التهمت النيران أكثر من 70 محلا ، متسببة بخسائر مالية تقدر بمليارات الليرات السورية.
وتشير التقديرات إلى أن 500 أسرة تضررت جراء الخسائر التي وقعت في منطقة سوق العصرونية في دمشق القديمة.
وعلى مستوى الخدمات العامة، تحسن وضع الكهرباء ومياه الشرب خصوصا في العاصمة والمناطق المجاورة لها، مقارنة مع ذات الفترة قبل سريان الهدنة.
وقال مصدر عسكري لوكالة أنباء ((شينخوا)) بدمشق إن "الهدوء النسبي والحذر هو ما ساد خلال شهرين من تنفيذ هدنة وقف العمليات القتالية"، مؤكدا أن هذا الأمر انعكس ايجابيا على حركة الناس وتنقلاتهم بين الأحياء والأسواق دون خوف من سقوط قذائف الهاون العشوائية التي تطلقها المعارضة المسلحة المتمركزة في الغوطة الشرقية.
وأشار المصدر العسكري الذي فضل عدم الكشف عن اسمه إلى أن العاصمة دمشق كانت من أكثر المدن استفادة من هدنة وقف العمليات القتالية، مبينا أن "الهدنة الهشة مازالت صامدة رغم وجود عدد من الخروقات فيها".
غير أن الوضع لم يكن على ذات السوية في حلب ثاني أكبر المدن السورية، والتي كانت تعد العاصمة الاقتصادية لسوريا قبل نشوب الأزمة ، إذ أنه على الرغم من استمرار سريان الهدنة، فإن الوضع تصاعد خلال الآونة الأخيرة إلى درجة مأساوية قد تتجاوز بمراحل عما كان عليه الوضع قبل الهدنة.
وقال مصدر محلي يعيش في حلب لوكالة أنباء ((شينخوا)) بدمشق إن "الوضع في حلب أصبح كارثيا"، مشيرا إلى أن المعارضة المسلحة تشن حملة لا هوادة فيها.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن "المدينة أصبحت على شفا كارثة إنسانية"، وذلك بعد أسبوع من بدء الهجمات المكثفة من قبل مقاتلي المعارضة المسلحة.
وكانت ستة أيام كافية لجعل سكان مدينة حلب يحفرون بذاكرتهم آلاما حزينة إزاء سقوط ما لا يقل عن 1300 قذيفة صاروخية محلية الصنع تسمى "مدفع جهنم"، ولم يستفيدوا من هدنة وقف العمليات القتالية بل كانت الهدنة "وبالا عليهم" والبعض منهم أسماها "هدنة الموت".
وقد تركزت تغطية وسائل الإعلام السورية على الوضع في حلب، بسبب المعاناة الشديدة للشعب هناك بسبب سقوط تلك القذائف.
وقالت مصادر في حلب إن "الهدنة هناك قد انهارت تماما، حيث أن تنظيم جبهة النصرة أطلق العنان لشن هجمات واسعة النطاق على مواقع حكومية في الريف الجنوبي لحلب خلال هذا الشهر، مما دفع الجيش للرد وصد الهجمات".
ووفقا للتلفزيون السوري الرسمي، سقطت أكثر من 1300 قذيفة هاون وصاروخية محلية الصنع على حلب خلال الأيام الثلاثة الماضية، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 100 شخص وإصابة مئات آخرين، ناهيك عن الخسائر في الممتلكات العامة والخاصة.
"القصف الأعمى" في حلب استهدف أكثر من 30 منطقة بأنواع مختلفة من المدفعية، وعلى رأسها قذائف هاون و"مدفع جهنم"، وهو اسم أصبح يستخدم لوصف نوع من القذائف محلية الصنع، وهي عبارة عن إسطوانات غاز محشوة بكمية كبيرة من المتفجرات.
وبدوره أكد وزير الإعلام السوري عمران الزعبي في اتصال هاتفي مع التلفزيون الرسمي الخميس أن "ما جرى في محافظة حلب خلال الأيام الماضية من اعتداءات إرهابية بالقذائف الصاروخية ورصاص القنص على الأحياء السكنية هو جريمة حرب حقيقية لا تحتاج إلى براهين وأدلة".
ومن جانبه قال المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن إن غارات جوية تابع لسلاح الجو السوري استهدفت مستشفى السكري الذي يسيطر عليه مقاتلو المعارضة المسلحة في حلب مما أسفر عن مقتل أكثر من 20 شخصا من بينهم 3 أطفال وطبيب أطفال.
وجاء تصاعد العنف في حلب بالتزامن مع الجولة الأخيرة من المحادثات المتعثرة بين الأطراف السورية في جنيف هذا الأسبوع، حيث علقت اللجنة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض مشاركتها في الاجتماعات ، وانسحبت من الاجتماع في حين حث كبير مفاوضيها، محمد علوش، أتباعه على "استهداف مواقع تابعة للجيش السوري في عدة مناطق لتأجيج الوضع".
وتسعى الأطراف الدولية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا إلى تثبيت هدنة وقف العمليات القتالية لفترة أطول بهدف التوصل إلى حل سياسي ودفع العملية السياسية إلى الأمام ، ومنعها من الانهيار.