بكين 18 أبريل 2016 / تدهور سعر برميل النفط صباح اليوم (الاثنين) بعد اخفاق كبار منتجي النفط من أوبك وخارجها خلال اجتماع عقد بالدوحة في التوصل إلى اتفاق بشأن تجميد الانتاج يستهدف التخفيف من زيادة المعروض والحد من النزيف المستمر في الأسعار.
ومنذ تراجع أسعار النفط الدولية إلى أدنى مستوياتها خلال 12 عاما في فبراير الماضى، سعت الدول المنتجة الرئيسية للنفط فى العالم مثل السعودية وروسيا مرارا إلى التوصل إلى إتفاق بشأن تثبيت الإنتاج عند مستوى يناير هذا العام. ورأى خبراء صينيون أن المصالح المختلفة والتناقضات المتشابكة والمعقدة بين الدول المنتجة الرئيسية للنفط وقفت حجر عثرة أمام نجاح الاجتماع ، ليصبح هدف إعادة التوازن والاستقرار إلى سوق النفط بعيد المنال على المدى القصير على الأقل، متوقعين أن تشهد الأسواق النفطية تقلبات على المدى الطويل سيكون أكبر ضحاياها دول الخليج التي تعتمد بشكل رئيسي على الصادرات النفطية، وهو ما يتطلب منها إتخاذ المزيد من الإجراءات لتنويع قاعدتها الاقتصادية.
-- تحديات قاسية تواجه دول الخليج
وتبخر ما كان يمكن أن يصبح أول تعاون من نوعه بين منتجين من الدول المصدرة للنفط (أوبك) ومن خارجها منذ 15 عاما، بعدما طلبت السعودية أن تتعهد كافة الدول المنتجة- بما في ذلك إيران- بتجميد الإنتاج وإلا لن تلتزم بذلك، ما يعني استمرار حرب الحصص السوقية على الأقل في المدى القريب، وتحديات أشد على دول الخليج ما لم يستجد تطور آخر.
وقال يانغ دان، المحلل في صناعة النفط بشركة ((أى سي أي أس))، إن" دول الخليج قد تكون أكبر ضحايا هذه الجولة من تراجع أسعار النفط، إذ أن 90 بالمائة من دخلها الاقتصادي يعتمد على الصادرات النفطية".
وتجرعت دول الخليج- وفقا لتقييم صندوق النقد الدولي- خسائر اقتصادية مباشرة بلغت قيمتها 500 مليار دولار أمريكي بسبب التراجع الحاد في أسعار النفط، بما في ذلك، السعودية التى تعد أكبر دولة مصدرة. ورغم أن قدرة إنتاج النفط لدى السعودية استقرت عند مستوى عال نسبيا، إلا أن هبوط أسعار النفط بشكل مستمر يؤثر على اقتصادها إلى حد كبير حيث تم تسجيل عجز قياسي في ميزانية عام 2015 بلغ 98 مليار دولار. كما أدى تراجع أسعار النفط إلى نزيف احتياطي النقد الأجنبي، حيث بلغ حجم احتياطي النقد الأجنبي الحالي في السعودية 616 مليار دولار أمريكي فقط مقارنة بـ746 مليار دولار في عام 2014.
في الوقت نفسه، أشار يانغ إلى تداعيات أقل على دول أخرى مثل روسيا والولايات المتحدة. وقال إن هذين البلدين بما لديهما من نظام صناعى متكامل وتطور في العمليات النفطية ذات الصلة من إنتاج وتكرير وتجهيز وبيع، فإن الخسائر بسبب تراجع الخام قد يتم تعويضها من عمليات التكرير والمنتجات البتروكيماوية.
ويتسم اقتصادا روسيا والولايات المتحدة بالتنوع ولا تشكل إيراداتهما من الصادرات النفطية نسبة كبيرة من إجمالي الناتج المحلي، لذلك خسائرهما تكون أقل بشكل كبير من دول الخليج بقيادة السعودية، وفقا ليانغ.
ورفضت إيران التي رزحت تحت وطأة عقوبات الغرب لفترة طويلة تجميد الإنتاج عند مستويات يناير لأنه كان لا يزال منخفضا عند 1.7 مليون برميل يوميا بينما تجاوز حاجز المليونين في أبريل الجاري. وبشكل عام، لا يزال انتاج إيران أقل من مستواه ما قبل الحظر الدولي الذي فرض عليها.
وقال يانغ إنه" نظرا للتحديات والضغوط الاقتصادية الضخمة، لا يجب على دول الخليج أن تواصل الحرب بشأن أسعار النفط ، ويعتبر الحد من الإنتاج وحماية الأسعار أفضل وسيلة على المدى القصير، مؤكدا على أهمية سعى دول الخليج بينما تواجه التحديات إلى التنمية المستدامة عن طريق تنويع مصادر الدخل وتنويع قاعدتها الاقتصادية.
-- الخلافات بين السعودية وإيران عائق رئيسي
وعزا الخبراء انتهاء اجتماع الدوحة دون التوصل الى نتيجة وتحديدا فيما يتعلق بتحديد سقف الانتاج إلى الخلافات بين السعودية وإيران كعامل رئيسي.
وقال مدير قسم المنتجات النفطية بشبكة ))أويوغاز(( الصينية تشنغ روى فنغ إن "موقف السعودية استهدف بشكل واضح إيران التي أكدت فى عدة مناسبات أنها لن تقوم بتجميد الإنتاج حتى زيادة إنتاجها اليومي من النفط الخام إلى مستوى ما قبل فرض الدول الغربية العقوبات عليها أي 4 ملايين برميل يوميا، وهو ما شكل عائقا رئيسيا أمام التوصل إلى اتفاق".
وتوصلت الدول المصدرة الرئيسية للبترول قطر والسعودية وروسيا وفنزويلا في منتصف فبراير الماضى إلى توافق بشأن تجميد الإنتاج عند مستوى يناير. لكن لم تظهر بعدها الدول المنتجة الكبيرة الأخرى رغبتها فعليا في تجميد الإنتاج أكثر من الدعم الشفهي.
وتوقع تشنغ أن يستمر التنافس بين مختلف الدول المنتجة للنفط على الحصص السوقية إلى حين إشعار آخر، لافتا إلى صعوبة قلب هذا الاتجاه في ظل دخول عوامل الجغرافيا السياسية على الخط هذه المرة.
وأشار إلى أن" التراجع الحاد في أسعار النفط في عام 1986 و 1998 انتهى بعد قيام أعضاء أوبك بشكل مشترك بتثبيت الإنتاج. لكن اليوم، العوامل الجيوسياسية تعوق تسوية المشكلة سريعا. إذ تتخوف السعودية ودول الخليج الأخرى من أن تستغل إيران زيادة صادراتها النفطية بعد رفع الحظر عليها في أعقاب التوصل إلى الاتفاق النووي مع القوى العالمية في تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية، لذلك تتردد دول الخليج في تجميد الإنتاج لعدم إفساح المجال لإيران لتصدير نفطها إلى آسيا وشمال غرب أوروبا".
وأضاف أنه علاوة على ذلك، لا تريد بعض الدول المنتجة الرئيسية تجميد الانتاج آملا في الحفاظ على حصتها السوقية وإخراج شركات النفط الصخري من السوق عن طريق الحفاظ على الأسعار متدنية. وينظر لشركات النفط الصخري من أمريكا الشمالية كأحد الأسباب الرئيسية لإنهيار السعر العالمي بعد قيامها بضخ كميات إضافية في الأسواق.
-- استمرار التقلبات فى سوق النفط
وشهدت أسعار النفط تحسنا طفيفا لأسباب عدة تشمل تطلعات علقتها السوق على اجتماع الدوحة منذ أكثر من شهر حيث ارتفع سعر خام برنت فى التعاملات الآجلة ب34.2 بالمائة وسعر خام نيويورك فى التعاملات الآجلة ب46.7 بالمائة. لكن بعد انتهاء الاجتماع بدون اتفاق، انخفض سعر خام برنت اليوم (الاثنين) بشكل حاد بـ6.7 بالمائة.
ورأى محلل الخام بشبكة ((لونغهوا)) النفطية الصينية لي يان أنه حتى لو تم التوصل إلى إتفاق بشأن تجميد الإنتاج فى اجتماع الدوحة، فمن الصعب أن يحقق استقرار فى أسعار النفط ويعيد التوازن إلي السوق.
ووفقا لبيانات أصدرتها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في 13 أبريل الجارى، ارتفع مخزون الخام الأمريكي الأسبوع الماضى بـ6.6 ملايين برميل ليصل إجمالي المخزون الأمريكي من الخام 536.5 مليون برميل مسجلا أعلى رقم في تاريخه.
وقد قللت مؤسسات مالية عالمية من قدرة اجتماع الدوحة قبل انعقاده على كبح فائض العرض وسط تقديرات تفيد بزيادة الإنتاج عن الطلب بنحو مليون برميل يوميا، مشيرة إلى أن الحديث عن التثبيت لن يكون مجديا إلا في ظل بلوغ إنتاج غالبية الدول مستوياته القصوى.
وفي هذا الصدد أيضا، قال تقرير لبنك ()غولدمان ساكس)( مؤخرا أن تجميد الإنتاج عند مستوياته الحالية لن يسرع بعودة التوازن للسوق حيث ما زالت مستويات إنتاج أوبك وروسيا عند متوسطها السنوي المتوقع، فيما رأت مؤسسة )(مورغان ستانلي() أن الأسعار الحالية لا تنم بالضرورة عن اتجاه تصاعدي أو تعاف أسرع لاختلال التوازن.
ورأى لي يانغ أن رفع الأسعار تتحكم فيه عدة عوامل منها التحسن في الطلب على النفط نتيجة انخفاض أسعاره إلى أقل من نصف مستواها قبل عامين، وخروج المزيد من منتجي النفط الصخري والمنتجين بتكلفة مرتفعة من النشاط جراء الخسائر التي تكبدوها.
ويختم الخبير الاقتصادي تشنغ التوقعات المتشائمة قائلا:" أسباب إنهيار الأسعار لا تزال قائمة. لا يزال أعضاء أوبك يتمسكون بإنتاجهم لحماية الحصة السوقية ولم يظهر المنتجون من خارجها أي مسؤولية لخفض الانتاج، وفائض العرض الحالي يعجز السوق عن امتصاصه بسبب تراجع الطلب عالميا".