رام الله 30 مارس 2016 / يريد الفلسطينيون إنهاء ما تفرضه إسرائيل من قيود تحد من سيطرتهم على أراضي الضفة الغربية، ليتجنبوا ما يتكبدون إزاء ذلك من خسائر تعيق إنعاش اقتصادهم المتعثر ورهنه للمساعدات الخارجية.
وتقسم الضفة الغربية حسب اتفاق (أوسلو) للسلام المرحلي الموقع بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 إلى ثلاثة مناطق الأولى (أ) وتخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، والثانية (ب) وتخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية وإدارية فلسطينية، والثالثة (ج) وتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية.
-- تهديد بإجراءات فلسطينية
سلم وفد أمني فلسطيني رسالة رسمية لإسرائيل قبل عدة أسابيع تطلب بوقف اقتحامات الجيش الإسرائيلي لمناطق (أ) ورفع القيود التي تفرضها إسرائيل على إقامة مشاريع استثمارية فلسطينية في منطقتي (ب) و (ج).
وهدد الفلسطينيون في رسالتهم حال عدم الاستجابة لمطالبهم ببدء إجراءات لتحديد العلاقة مع إسرائيل بموجب قرارات المجلس المركزي الفلسطيني المتخذة في مارس 2015 بما في ذلك وقف التنسيق الأمني معها.
ويقول عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن إسرائيل لم ترد رسميا على الرسالة الفلسطينية حتى الآن رغم إبلاغها الوفد الفلسطيني أنها ستفعل ذلك قريبا.
ويؤكد مجدلاني، أن إنهاء قيود إسرائيل في الضفة الغربية ووقف إجراءاتها الأمنية خصوصا في مناطق (أ) يعد أولوية لدى القيادة الفلسطينية نظرا لاستحالة استمرار الوضع القائم الذي يقلص صلاحيات السلطة الفلسطينية.
ويشدد مجدلاني، على أنه "بالنسبة للقيادة الفلسطينية لا عودة للحول الانتقالية أو القبول بتجزئة مطالبها خاصة وقف اقتحام الجيش الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية والانتهاكات بحق الفلسطينيين".
واشتكى الفلسطينيون مرارا من تأثير استمرار تصنيفات أراضي الضفة الغربية عليهم وتكريس ذلك كأمر واقع مفروض بالقوة رغم مرور 23 عاما على توقيع اتفاقية (أوسلو) للسلام الذي كان من المفترض أن تكون خطوات تحقيقه بين الجانبين على مراحل ويشمل انسحابات إسرائيلية من مناطق فلسطينية إلا أن ذلك لم يتحقق.
ويطالب الفلسطينيون بتحقيق دولة مستقلة إلى جانب إسرائيل على كامل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 بما يشمل الضفة الغربية كاملة وقطاع غزة وأن تكون عاصمتها القدس الشرقية وهو ما يؤكدون عليه في يوم (الأرض) الفلسطينية الذي تصادف ذكراه الأربعين اليوم (الأربعاء).
وأدى إعلان السلطات الإسرائيلية مصادرة 21 ألف دونم من أراضي الجليل والمثلث والنقب في 30 مارس عام 1976 إلى مظاهرات عارمة في صفوف الفلسطينيين داخل إسرائيل، مما أدى إلى مقتل ستة منهم بالرصاص الإسرائيلي.
وأطلق الفلسطينيون على ذلك اليوم (يوم الأرض) وهم يحيونه سنويا بمظاهرات مناهضة للسياسات الإسرائيلية خاصة الاستيطانية منها، ولتأكيد تمسكهم بحقهم في استعادة أراضيهم في الضفة الغربية.
-- خسائر فلسطينية كبيرة
أظهرت نتائج دراسة أعدها معهد الأبحاث التطبيقية (أريج) ومقره الضفة الغربية نشرت حديثا، أن الخسائر الفلسطينية السنوية الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 تقدر بمبلغ 9.46 مليار دولار.
واعتمدت الدراسة حساب الخسائر الاقتصادية في خمسة قطاعات رئيسية وهي: الموارد الطبيعية، والبنية التحتية، والصناعة والخدمات، والموارد البشرية، علاوة على الخسائر الناتجة عن تسرب الإيرادات المالية إلى إسرائيل، بناء على تقدير منظمة مؤتمر الأمم للتجارة والتنمية (أونكتاد) عام 2014.
وبحسب الدراسة، بلغت خسائر الفلسطينيين بسبب سيطرة إسرائيل على الموارد الطبيعية (مياه، وغاز طبيعي، ونفط، والأراضي الزراعية) نحو 2.63 مليار دولار أمريكي سنويا.
ويقول الفلسطينيون، إن إسرائيل تستخرج النفط الخام من حقل (رنتيس) الواقع في وسط الضفة الغربية بمعدل 800 برميل يوميا وترفض تمكينهم من أي استغلال له.
وكان تقرير حديث للبنك الدولي أظهر أن خسائر الاقتصاد الفلسطيني من سيطرة إسرائيل على المناطق المسماة (ج) في الضفة الغربية تبلغ 3.4 مليار دولار سنويا.
وتقدر المناطق المصنفة (ج) بنحو 62 في المائة من إجمالي مساحة الضفة الغربية ويشتكى الفلسطينيون من منع إسرائيل لهم من استغلال ثرواتها الطبيعية وتنفيذ مشاريع استثمارية فيها.
ويأتي ذلك وسط مصاعب حادة يواجهها الاقتصاد الفلسطيني وحجم عجز في موازنة السلطة الفلسطينية للعام الجاري يبلغ حوالي 18 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ما يعني أن الفجوة التمويلية تبقى كبيرة.
- -انحسار للأنشطة الزراعية
يقول الباحث الفلسطيني عقل أبو قرع، إن مساهمة القطاع الزراعي في الناتج الفلسطيني الإجمالي تقلص إلى أكثر من النصف بواقع 9 في المائة في عام 1999 إلى أقل من 4 في المائة في عام 2015.
ويوضح أبو قرع لـ((شينخوا))، أن هذا الانحسار في الأنشطة الزراعية الفلسطينية سببه الرئيسى قيود إسرائيل على الوصول إلى الأرض والمياه خاصة في المناطق المصنفة (ج) ومنع حتى استثمارات دولية فيها.
ويشير إلى أن هذه القيود الإسرائيلية تمنع تطوير قطاع الزراعة الإنتاجي المهم بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني، وتحد من فرص تحقيق الأمن الغذائي والاعتماد على الذات من حيث توفير المنتج المحلي والحد من معدلات البطالة.
ويلفت إلى أن منطقة أغوار الضفة الغربية (مصنفة بالكامل ضمن مناطق ج) تمتاز تربتها بالخصوبة العالية وهي قادرة على إنتاج محاصيل متنوعة للاستهلاك المحلي وللتصدير كونها تحوي نحو ثلث احتياطات الضفة الغربية من المياه الجوفية.
وينبه أبو قرع إلى تقارير دولية حديثة أظهرت أن "إنتاج المستوطنات الإسرائيلية في منطقة الأغوار يصل إلى حوالي 500 مليون شيكل إسرائيلي سنويا (الدولار يساوي 3.88 شيكل)، فيما أن المنطقة نفسها يمكن أن تدر للاقتصاد الفلسطيني نحو مليار دولار سنويا إذا تم استغلالها بالكامل بإزالة القيود الإسرائيلية".
-- تنامي قياسي للاستيطان
بعد 23 عاما على توقيعهم اتفاق (أوسلو) للسلام المرحلي مع إسرائيل، يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام تصاعد غير مسبوق في وتيرة مصادرة أراض في الضفة الغربية خصوصا للتوسع الاستيطاني.
ويقول مدير مركز الأراضي المتخصص بقضايا الاستيطان في الضفة الغربية جمال العملة، إن عدد المستوطنين في الضفة الغربية يقدر بأكثر من 600 ألف، فيما كان عددهم يقل عن 150 ألف قبل توقيع اتفاق أوسلو.
ويوضح العملة لـ((شينخوا))، أن التوسع الاستيطاني ارتفع في العشرين عاما الأخيرة من 6 في المائة إلى 40 في المائة في تمدده على الأراضي المحتلة عام 1967 ما دفع بحصار الفلسطينيين في ما يشبه "الكانتونات" المعزولة.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن عدد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وصل إلى 255 مستوطنة مع وجود عدد كبير آخر من البؤر الاستيطانية يتم العمل على شرعنتها على مراحل.
ويشير العملة، إلى أن تركيز إسرائيل في مصادرة الأراضي الفلسطينية لصالح التوسع الاستيطاني يقوم على تقطيع أوصال الضفة الغربية، وعدم إيجاد فرصة للتواصل بين السكان الفلسطينيين فيها.
ويعتبر أن السياسة الاستيطانية الإسرائيلية تقوم على هدف رئيسي يتمثل في تقويض فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة مترابطة جغرافيا، وتحويل الضفة الغربية إلى "كانتونات" معزولة لا يمكن إقامة كيان متصل فيها.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد بحث قبل أيام مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال لقائهما في العاصمة الأردنية عمان المسعى الفلسطيني في مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار أممي لوقف الاستيطان الإسرائيلي.
علما أن ملف الاستيطان يعد أبرز أوجه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وأحد الأسباب الرئيسية لتوقف آخر مفاوضات للسلام بين الجانبين قبل منتصف عام 2014 الماضي.