بكين 23 مارس 2016 / في هجمات هي الأعنف منذ الليلة الدامية التي شهدتها باريس قبل أربعة أشهر، هزت العاصمة البلجيكية يوم الثلاثاء سلسة من الهجمات التي استهدفت مطار بروكسل الدولي وإحدى محطات المترو وتبناها تنظيم الدولة (داعش) وأسفرت عن سقوط 34 قتيلا وما يربو على 180 جريحا.
وقد تصدرت هجمات بروكسل الصفحات الأولى لوسائل الإعلام الصينية، وشرح فيها خبراء صينيون الأسباب وراء وقوع هذه الهجمات وخصائصها الجديدة المتمثلة في نشوء الإرهاب الداخلي، وتداعياتها على أزمة اللاجئين، وأهمية التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب.
-- لماذا بروكسل؟
وفي تعليقهم على هذا الحادث، قال خبراء صينيون لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن السبب وراء اختيار المهاجمين لبروكسل "عاصمة أوروبا" كهدف لهذه الإعتداءات يرمي إلى زيادة التحريض على كراهية الأجانب والعمل على نمو أفكار القوى اليمينية المتطرفة.
وذكر لي وي الخبير المتخصص في قضية مكافحة الإرهاب ورئيس مركز الأمن والحد من التسلح بمعهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة أن المطارات ومحطات المترو حيث تشتد الحركة المرورية تعد أهدافا من السهل أن يتسلل إليها الإرهابيون لتنفيذ هجماتهم.
وأعرب لي وى عن اعتقاده بأن أحد أسباب وقوع الهجمات في بروكسل يرجع إلى أن الاستثمار الأوروبي في مكافحة الإرهاب غير كاف مقارنة بالولايات المتحدة وخاصة في دولة مثل بلجيكا التي لم تشهد من قبل هجمات إرهابية كبيرة، ومن ثم تعد هذه المشكلة بالنسبة لها أشد خطورة.
وعلى خلفية ما حدث قبل أيام من اعتقال صلاح عبد السلام المشتبه به الرئيسي في هجمات باريس في بروكسل التي يوجد بها مقر الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) وتعد محورا رئيسيا للنقل في أوروبا الغربية، أشار لي وي إلى أنه "نظرا للمكانة الهامة التي تحتلها بروكسل في أوروبا، فقد اختارها الإرهابيون لتنفيذ هجماتهم لما يحمله ذلك من دلالة رمزية".
ومن جانبه، قال تشاو تشن الباحث بمعهد الشؤون الأوروبية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية إن اختيار العاصمة البلجيكية بالذات يرجع إلى سهولة الحركة، إذ أن بروكسل بها مطار دولي هام وتربط باريس ولندن عبر خط سكك حديدية فائق السرعة كما تعد بلجيكا من البلدان الموقعة على اتفاقية شنغن التي يتسنى بموجبها لأى شخص السفر من بلد إلى آخر بكل سهولة ويسر في أوروبا.
-- من "الإرهاب الخارجي" إلى "الإرهاب الذاتي"
ويعتقد الخبراء أن التهديد الإرهابي الذي تواجهه أوروبا يحمل خاصة بارزة تتمثل في النشوء الذاتي. ومن منظور أعمق، فإن الهجمات التي تتعرض لها أوروبا تتأثر بعوامل خارجية مهمة ولكنها ترتبط أيضا بمشكلاتها الذاتية، ومن ثم يتعين على أوروبا مواجهة الإرهاب على المستويين التكتيكي والإستراتيجي واتخاذ تدابير ملموسة للحد من الأنشطة الإرهابية.
وفي هذا السياق، قال وو شاو تشونغ الأستاذ في معهد مكافحة الإرهاب بجامعة الشعب الصينية للأمن العام لـ((شينخوا)) أنه في أعقاب الهجمات الإرهابية التي وقعت باريس، عززت أوروبا جهودها للقضاء على الإرهاب ولكن وقوع هجمات بروكسل يبرهن على أن أوروبا أصبحت الآن تربة ينشأ فيها الإرهاب.
وفي السنوات الأخيرة، باتت الأنشطة الإرهابية في أوروبا تحمل سمة هامة ألا وهي وجود الإرهاب "الذاتي" و"الخارجي" جنبا إلى جنب، بل ويزداد الإرهاب "الذاتي"حدة يوما بعد يوم. والسبب الرئيسي يكمن في أن البلدان الأوروبية تشهد في السنوات الأخيرة تدهورا في الأوضاع الاقتصادية وارتفاعا في معدلات البطالة، وجميعها يوفر تربة لانتشار التطرف.
وأعرب وو شاو تشونغ عن اعتقاده بأن الحلقات الأساسية لإعتداءات باريس الإرهابية تم تنفيذها داخل أوروبا، لافتا إلى أنه إذا لم يتسن كبح انتشار الأفكار الإرهابية إلى أوروبا، فسوف يتعذر وقف تأثير هذه الأفكار على الشباب وسيصبح من الصعوبة بمكان القضاء على خطر الإرهاب النابع من الداخل في أوروبا.
وشاطره الرأى تشو يين الأستاذ الباحث في مركز الصين والعولمة، قائلا إن "التهديد الإرهابي الذي تواجهه أوروبا لا ينبع من امتداد التهديد الإرهاب الداعشي بل من عودة المتطرفين الأوروبيين من المناطق التي ينشط بها داعش إلى أوروبا ".
-- تأثيرات وتداعيات عدة
ويرى شن شياو تشيوان الخبير بمركز الدراسات العالمية التابع لشينخوا أن الهجوم سيفرض ضغوطا كبيرة على السياسات الأوروبية المعنية بأزمة اللاجئين والمطبقة منذ فترة طويلة.
وفي الوقت ذاته، أشار شن شياو تشيوان إلى أن اللاجئين والإرهاب قضيتان أوروبيتان شائكتان ومرتبطتان أيضا ببعضهما البعض، قائلا إنه كلما ازدادت الأنشطة الإرهابية انتشارا، صارت الأصوات المناهضة للاجئين أكثر علوا. فإذا كان الهجوم الذي تعرضت له مجلة "شارلي ايبدو" الفرنسية وسلسلة الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس العام الماضي قد وضعت صعوبات أمام سياسات اللاجئين الأوروبية، فإن الهجمات الإرهابية في بروكسل قد توفر مبررات إضافية لمناهضة سياسة اللاجئين الأوروبية الراهنة.
وفي إطار الزيارة المزمع أن يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لروسيا يوم 23 مارس الجاري حسبما أفادت وسائل الإعلام الروسية، فإن هجوم بروكسل الأخير سيكون موضوعا هاما مطروحا على أجندة المباحثات خلال زيارة كيري.
وأشار وان تشانغ تساي، وهو خبير آخر في مركز شينخوا للدراسات العالمية إلى أن التعاون الحالي بين روسيا والولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب ليس كافيا، معربا عن اعتقاده بأن اعتداءات بروكسل ستدفع البلدين إلى استكشاف سبل جديدة للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، ولا سيما وأن روسيا تؤكد دوما أن مكافحة الإرهاب تصب في صميم المصلحة المشتركة للجانبين وإنها اتجاه له الأولوية في التعاون الثنائي.
واتفق الخبراء الصينيون على أن هذا الحادث سيزيد من إدراك الجانبين الروسي والأمريكي للحاجة الملحة إلى مكافحة الإرهاب وتعزيز التعاون الدولي في مكافحة هذا الخطر.