بدعوة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، سيشارك الرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة الأمن النووي التي ستعقد في واشنطن من 31 مارس الجاري إلى 1 أبريل المقبل. وتعكس مشاركة الصين في هذا الحدث الدبلوماسي الهام، الأهمية الكبرى التي توليها الصين لإنشاء منظومة دولية للأمن الدولي، ودعمهما الثابت للتعاون الدولي في مجال الأمن النووي.
يمثل الأمن النووي مفهوما مألوفا وغامضا في ذات الوقت بالنسبة للمجتمع الدولي. وقد دخلت البشرية منذ اكثر من 70 عاما، عصر النووي، ومن ثم أصبح هناك ما يعرف بالأمن النووي؛ وكانت مخاطر الأمن النووي قد دخلت الحقل العام منذ فترة الحرب الباردة، وظل يستقطب إهتمام الرأي العام حتى بعد نهاية الحرب الباردة؛ وبعد أحداث 11 سبتمبر، تسلطت مخاوف المجتمع الدولي على الإرهاب النووي، وبحلول قمة الأمن النووي الأولى التي عقدت في 2010، أدرجت قضية الأمن النووي تدريجيا في الأجندات السياسية لمختلف الدول، ودخلت بذلك حقل نظر الجماهير.
يعد الأمن النووي حلقة لاغنى عنها في الأمن الدولي، وهو بمثابة صمام الأمان لضمان إستمرار تطور الطاقة النووية. ويمكن تشبيه الطاقة النووية بالشعلة التي جلبها برومثيوس للناس، لتوقد بريق الأمل للبشرية بالتطور؛ أما مخاطر الطاقة النووية التي جاءت معها في نفس الوقت، فيمكن تشبيهها بسيف داموكلس، حيث أصبحت هذه المخاطر تمثل شبحا بالنسبة لآفاق إستعمال الطاقة النووية. وتظهر الأحداث التي شهدتها مفاعل تشيرنوبيل الروسي والهجمات التي تعرضت لها مدينتي هيروشيما وناغازاكي، بأن الأمن النووي وتطوير الطاقة النووية يمثلان جناحين لنفس الجسم. إذ بإتخاذ الإجراءات اللازمة فقط يمكن التحكم في المخاطر، وبتحقيق الضمانات الأمنية فقط، يمكن الإستمرار في تطوير الطاقة النووية.
يعد الأمن النووي "جدار السلامة" من الإرهاب النووي. حيث يمثل إجتماع الإرهاب بالمواد النووية كابوسا مزعجا بالنسبة للأمن الدولي. والوقاية دائما خير من العلاج. وتعزيز الأمن الدولي يقتضي تعزيز أمن المنشآت النووية والمواد النووية، ومنع حصول الإرهابيين على التكنولوجيا النووية أو الأسلحة النووية، وقطع الطرق أمام إستعمالها في تنفيذ هجمات إرهابية.
لا شك في أن الأمن النووي، يمثل عاملا مهما لتعزيز الثقة الأمنية المتبادلة على المستوى الإقليمي. لأن الحوادث النووية تتجاوز حدود البلدان، والمشكلة النووية التي يشهدها بلد ما، من الطبيعي أن تمثل مخاطرا متفاوتة الدرجات بالنسبة لمختلف الدول. ويجب ألا تتعامل الدول الإقليمية بين بعضها بالشك والتحفظ بسبب مخاوف الأمن النووي التي تشعر بها كل دولة، بل يجب أن تبادر بالتعاون مع الدول الأخرى وتعزيز الثقة الأمنية الإقليمية المتبادلة، بعد ضمان الأمن النووي الذاتي.
من جهة أخرى، يعد الأمن النووي محطة جديدة وهامة لدفع إدارة الأمن العالمي ، وهي جزء لايتجزأ من البنية العامة للأمن الدولي، وعلى المجتمع الدولي أن يتخذ ضمان الأمن النووي قوة دفع جديدة لإدارة الأمن العالمي، والعمل بإستمرار على إنشاء وتحسين نظام دولي للأمن النووي. والتصدي للتحديات النووية من خلال إدارة الأمن الدولي، لتحقيق الأمن العام.
من قمة واشنطن في 2010، إلى قمة سيول في 2012، ومن قمة دان هاغ في 2014 إلى قمة واشنطن خلال العام الحالي، تلعب قمة الأمن النووي دورا هاما في دفع جهود الأمن الدولي وتعميق التعاون بين الدول، لإنشاء نظام دولي للامن النووي. ومن جانبها تلعب الصين دورا لاغنى عنه عبر آلية قمة الأمن النووي. وكان الرئيس شي جين بينغ قد طرح لأول مرة الرؤية الصينية حول الأمن النووي في قمة دان هاغ عام 2014، حيث أكد على ضرورة تلازم التنمية والأمن، والحقوق والواجبات، والسيادة والتعاون، التدابير المؤقتة والدائمة. وهو ما جسد الحكمة والجرأة اللتين تتمتع بهما الصين على مستوى الأمن النووي، بصفتها دولة كبرى ومسؤولة.
كل ما تم ذكره سابقا عبارة على مقدمة. ويبقى الناس على حق عندما يترقبون من المجتمع الدولي خلال القمة الرابعة بذل جهودا مشتركة لدفع الأمن النووي، ليعزز الثقة لدى مختلف الشعوب في الأمن النووي المستدام، والثقة في أن تكون الطاقة النووية مصدرا لسعادة الإنسان.