القاهرة 23 فبراير 2016 / طالب عدد من المحللين والخبراء الاقتصاديين بضرورة ادخال تعديلات هيكلية على الاقتصاد المصري لمواجهة أزمة الدولار، حيث أرجعوا أزمة الدولار إلى الخلل الكبير في الهيكل الاقتصادي.
واستبعد المحللون في الوقت نفسه اقدام الحكومة المصرية حاليا على تعويم الجنيه في مواجهة العملات الأجنبية خاصة في ظل النقص الحاد في تلك العملات لاسيما الدولار.
وتواجه مصر أزمة حادة في سعر الدولار مقارنة بالجنيه المصري، حيث وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى 9.25 جنيها، فيما مازال البنك المركزي المصري يسعر الدولار بالبنوك الحكومية بسعر 7.83 جنيها
وأرجع الدكتور علي سليمان وكيل أول وزارة التعاون الدولي السابق أستاذ الاقتصاد بالجامعة البريطانية أزمة الدولار إلى عجز ميزان المدفوعات، مشيرا إلى أنه عجز تعاني منه مصر طيلة الـ 50 عاما الأخيرة.
وأوضح سليمان لوكالة أنباء (شينخوا) أن الأمر تفاقم في السنوات الخمس الأخيرة، نتيجة تأثر المصادر الأخرى التي كانت تغطي هذا العجز مثل السياحة، قناة السويس، الاستثمار المباشر، والواردات غير المنظورة مثل رسوم المطارات وغيرها.
وقال إن "عجز ميزان المدفوعات كان يتطلب اتخاذ قرارات طويلة الأجل تتمثل في زيادة تحديث الاقتصاد القومي وتهيئة المناخ لجذب المزيد من الاستثمارات، أضافة إلى ذلك أنه في السنوات الأخيرة تراجعت السياحة بمعدلات كبيرة خاصة بعد حادث سقوط الطائرة الروسية في شرم الشيخ، ومقتل الشاب الايطالي".
وأضاف أن هناك أيضا انخفاض في تحويلات المصريين بالخارج رغم الزيادة الكبيرة فيها بعد ثورة 25 يناير، والتي بلغت ذروتها عام 2013 ووصلت لرقم قياسي حيت بلغت 19 مليار دولار وهو ضعف عائدات قناة السويس والسياحة مجتمعين، وذلك نتيجة وجود قناعة لدى المصريين بأن تغييرا سيحدث وزيادة الامل في مستقبل أفضل.
ولفت إلى أنه لمواجهة تلك الأزمة لابد من اتخاذ خطوات على الأجل الطويل تتمثل في تسهيل إجراءات الاستثمار في مصر والقضاء على البيروقراطية، وإقامة مناطق اقتصادية، وتشجيع العاملين بالخارج على المزيد من التحويلات وتقديم التسهيلات لهم والتعامل معهم بنشاط أكبر.
وحول ما إذا كان ارتفاع سعر الجنيه قد يكون قرار غير معلن للحكومة بتعويم الجنيه، قال سليمان، "الجنيه كان تقريبا معوم بالفعل وكان سعر السوق الرسمي هو نفسه سعر السوق الحر ولذلك لم يكن هناك ما يسمى بالسوق السوداء.
واشار إلى أن ظهور هذه المشكلة الأن راجع للفجوة الكبيرة بين الاحتياجات من الدولار والمتاح منه، وبعد معالجة الخلل الذي يعاني منه الهيكل الاقتصادي سيعود الدولار لوضعه الطبيعي.
وفيما يتعلق بدعوات تخفيض قيمة العملة، قال "لن يكون لهذا نتيجة ايجابية كبيرة خاصة وأن صادرتنا محدودة وغير مرنة مثل البترول والمنسوجات والسماد وغيرها وبالتالي فتخفيض الجنيه لن يزيد الصادرات بنسبة كبيرة في ظل الوضع الحالي، ولكنه في نفس الوقت سيؤدى إلى زيادة اسعار الواردات والتي تعتمد عليها مصر بشكل كبير وهو ما يعني ارتفاع معدل التضخم".
وعزا الدكتور رشاد عبده رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، السبب الرئيسي للصعود الفجائي للدولار لكونه انعكاسا لقرارات واتجاهات أدت إلى ظهور السوق السوداء والتي تظهر عندما يكون الطلب على السلعة كبير والمعروض منها منخفض أو محدود وتراجع المعروض نتيجة تراجع عائدات الاستثمارات الأجنبية والسياحة والصادرات.
وأشار عبده لوكالة أنباء(شينخوا) إلى بعض سياسات البنك المركزي التي هزت الثقة بين شركات الصرافة والبنك المركزي والقيام باغلاق بعض شركات الصرافة ما أدى إلى خلق سوق موازي أكثر شراسة.
واضاف أن من بين تلك السياسات أيضا تحديد البنك المركزي لسقف الايداع إلى 50 ألف دولار شهريا، ثم رفعه إلى 250 ألف شهريا أدى إلى توجه المستوردين والمستثمرين للسوق السوداء لتلبية احتياجتهم من الدولار.
وأشار إلى أن وزارة المالية عندما أعلنت الشهر الماضي أن سعر الدولار لن يقل عن 8.25 جنيه أدى إلى الإقبال الكبير عليه، ما أسفر عن وجود ظاهرة " الدولرة "، حيث أن عدم الكفاءة السياسية للاقتصاديين تدفع للادلاء بتصريحات يكون لها انعكاسات سلبية كبيرة على الوضع الاقتصادي.
وشدد على أنه لمعالجة أزمة الدولار لابد من تحسين مناخ الاستثمارات، وتحسين الأمن لتشجيع السياحة، وتشجيع المصريين على التحويلات الأجنبية بالخارج، وسريعا لابد من استخدام السلم التفضيلي واعطاء الأولويات والتركيز على الاساسيات في الانفاق الدولاري
وحول تعويم الجنيه وخفض قيمته قال رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية "مصر ستكون مضطرة لخفض قيمة الجنيه، ولكن هذا لن يتم الأن، حتى لا يكون انعكاسا لأزمة الدولار".
من جانبه، أكد محمد يوسف المدير التنفيذي لجمعية رجال الأعمال المصرية أن الأزمة الدولارية الحالية ناجمة عن الانخفاض الكبير الذي تعاني من الموارد الدولارية مقابل الارتفاع الكبير في استخدامات الدولار وهذا النقص الحاد في موارد الدولار ناتج عن التراجع الكبير الذي يشهده قطاع السياحة وانخفاض حجم الاستثمار المباشر نتيجة ماتمر به منطقة الشرق الأوسط بشكل عام ومصر بشكل خاص.
وأضاف يوسف لوكالة أنباء (شينخوا) أن من بين الاسباب أيضا لأزمة الدولار تعود أيضا إلى تراجع الاستثمار في البورصة نتيجة الاهتزاز الموجود بالأسواق، وكذلك اقدام الكثير من المستثمرين على سحب استثماراتهم متأثرين بالأوضاع الأمنية والسياسية وحتى الاقتصادية أحدث نوعا من الانكماش، بالاضافة لانخفاض المصادر الدولارية التقليدية سواء قناة السويس، وتحويلات المصريين بالخارج.
وأشار إلى أنه في الاتجاه الأخر زادت الواردات بشكل كبير جدا التي العشوائية والفوضي التي تسيطر على السوق حتى وصلت حجم الواردات المصرية نحو 80 مليار دولار، ما أدى إلى وجود ندرة في الدولار واستغلال المضاربين لهذه الفرصة ما أدى إلى خلق سوق سوداء موازي للعملة.
ولفت يوسف إلى أن الحكومة مضطرة لاتخاذ قرارات سريعة وحازمة لضبط السوق الداخلي لأنه في ظل الاضطراب الحالي وعدم استقرار سعر الدولار سيدفع المستثمرين ورجال الاعمال الأجانب خصوصا للاحجام عن الاقدام لعدم قدرتهم على معرفة القيمة الحقيقية للدولار والتي سيبني عليها دراسات الجدوى الخاصة بالمشروعات التي يعتزمون اقامتها ما يفرض ضرورة القضاء على السوق السوداء للدولار لخلق المناخ الملائم للاستثمار وتحقيق الاستقرار في السوق وتشجيع المستثمرين الأجانب على الحضور واتخاذ قرار الاستثمار.
وأردف قائلا "أما فيما يتعلق بالمستثمر المحلي فقراره يمكن أن يتأخر بعض الوقت ولكنه يعرف جيدا أنه يتعامل مع سوق استهلاكي ومتنامي ومتسع ويعرف أن اي زيادة أو تغير في الدولار سيحملها في النهاية على المستهلك".
وحذر المدير التنفيذي لجمعية رجال الأعمال من أن هذه الفوضى واستمرار السوق السوداء للدولار أيضا من شأنه التأثير على قرارات المؤسسات الدولية المتعلقة بالمنح والقروض نتيجة وجود سوق سوداء للدولار، فنحن في موقف لانحسد عليه ونحتاج لبذل جهود كبيرة والتفكير من خارج الصندوق.
وأشار إلى أن الحكومة بدأت تأخذ إجراءات قوية وفعالة لتشجيع المصدرين على التنازل عن حصيلتهم الدولارية بالمنافذ الشرعية وعدم الاحتفاظ بها، كما بدأت في تصحيح الوضع المعوج والخطأ للواردات.
وطالب بضرورة التواصل مع المصريين العاملين بالخارج وتوفير أوعية جديدة ووسائل جديدة لجذب تحويلاتهم للوضع الذي كانت عليه من قبل، مؤكدا أن الفترة المقبلة ستشهد تضحيات ولكن على المدى المتوسط سيحدث نوعا من الاستقرار.
وحول ما اذا كان ذلك يعد بمثابة تعويم غير معلن للجنيه المصري، قال هذا الأمر سيحدث بشكل أو بأخر ولكن توقيت حدوثه سيتم اختياره بعناية ولا يمكن اتخاذه دون وجود حصيلة دولارية تستطيع الدولة من خلاله مواجهة المضاربين بالسوق والذين سيحاولون جنى أرباح خيالية ووضع سعر غير حقيقي للدولار فهو قرار سيحدث ولكنه مؤقت لحين الاستعداد له.
ويشوب التعامل بالسوق المصري حالة من القلق نتيجة عدم استقرار سعر الدولار والارتفاع المستمر فيه في مقابل الجنيه، وهو ما يثير حفيظة قطاع كبير من رجال الأعمال وخاصة المستوردين.