العرب ومبادرة الحزام والطريق
الصين تعتز بعلاقاتها الودية التاريخية مع العرب، وهي علاقات تعود لآلاف السنين، لم تشبها شائبة. وفي العصر الحديث، شهدت هذه العلاقات التطور الذي تستحقه على كافة الأصعدة، وأصبح لدينا منتدى التعاون الصيني العربي الذي تأسس في مطلع عام 2004، وأضحى للصين ومعظم الدول العربية علاقات شراكة استراتيجية مع الصين، وأصدرت الصين في 13 يناير من هذا العام 2016، وثيقة رسمية تاريخية واضحة المعالم، وهي الأولى من نوعها حول علاقاتها مع العرب، مؤكدة أن العالم العربي شريك مهم للصين التي تسعى لإقامة علاقات دولية من نوع جديد تتمحور على التعاون والكسب المشترك، والتعامل مع العلاقات الصينية العربية من زاوية استراتيجية، وتلتزم بتوطيد وتعميق الصداقة التقليدية بين الجانبين كسياسة خارجية طويلة الأمد.
في عام 2013، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة كبيرة جدا باتت تعرف بمبادرة الحزام والطريق، ويقصد بها الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن الـ21. الدول العربية معنية بقوة بهذه المبادرة الاقتصادية التجارية التعاونية، التي ستوفر الأرضية القوية لمزيد من تطوير العلاقات الجيدة أصلا، وتخلق الفرص التنموية التي توفر فرص العمل لملايين الشباب العربي. هذه المبادرة الواسعة جدا تحتاج للتواصل الثقافي ولاسيما التواصل اللغوي، سواء اللغة الصينية أو العربية، لأنه مع فرص التعاون ستظهر الحاجة الماسة لمعرفة واقع وظروف وإمكانيات الأطراف المعنية. ومما لا شك فيه أن التعاملات والتبادلات ضمن هذه المبادرة ستكون كثيرة جدا وبمجالات مختلفة، تحتاج بالتأكيد إلى اللغة لإيضاح أمور كثيرة تحتاجها التعاملات والعلاقات المتطورة يوميا. لذلك، تبرز الحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى، لتحمل المسئولية لرفع مستوى اللغة العربية في الصين، ومستوى اللغة الصينية بين العرب.
إن آفاق العلاقات العربية الصينية مشرقة وواعدة كثيرا، وعلينا أن نسهم أكثر لوراثة علاقاتنا الودية الممتازة، ونوطدها ونطورها نحو مستقبل أكثر استدامة وتألقا.
اللغة العربية في الصين... مسئولية الجميع
الصينيون والعرب مهتمون جدا بالعلاقات التقليدية الودية التاريخية، ويعتزون بها، وتشهد العلاقات بين الجانبين نموا وتطورا كبيرا في كافة المجالات. وتشهد المجالات الثقافية تطورا ملحوظا، ولكن مستوى اللغة العربية في الصين، يتخلف عن مستوى العلاقات المتطورة بالمجالات السياسية والاقتصادية. في معظم جامعات الصين هناك أقسام لتدريس اللغة العربية، والكوادر التدريسية رائعة فعلا، ودارسو اللغة العربية من الصينيين والمتحدثين بها يستحقون التقدير الكبير، ولكن التبادل اللغوي "الصينوعربي" يحتاج للكثير من التعزيز. فاللغة هي مهارة تكتسب وتتطور بالتواصل والممارسة، وفرصة التواصل والممارسة قليلة في الصين، لأن العرب في الصين قليلون نسبيا، إلا في مناطق اقتصادية تجارية محددة، والصينيون خجولون بطبعهم، لا يبادرون للتواصل، خجلا من أن يرتكبوا خطأ لغويا تكون له آثار غير مقبولة اجتماعيا لدى العرب. هذا عائق، وليس مشكلة، ويمكن معالجته من خلال المزيد من التبادلات الشعبية بين الناس، بما يعزز التفاهم والتعارف، ويكسر حاجز التردد والخجل، ويقوي الصلة بين دارسي اللغة العربية الصينيين والناطقين الأصليين باللغة العربية. حاليا، هناك مئات الآلاف من الصينيين يعملون ويعيشون بالدول العربية، ودبي مثال على ذلك. والصينيون المتوجهون للدول العربية لدراسة اللغة خلال هذه الفترة، وخاصة في مصر، قليلو الاختلاط بالمحليين، لنفس الأسباب أعلاه، إلا قليل منهم ممن يبادرون لاستغلال الفرصة والاختلاط لتعلم اللغة بشكل جيد. هناك جيل قديم ومتوسط من الصينيين ممن درسوا اللغة العربية سابقا في جامعات دول عربية مختلفة، مثل العراق وسوريا ومصر والجزائر، وعملوا في مجال اللغة العربية بمجالات مختلفة كالأساتذة الجامعيين والدبلوماسيين والإعلاميين ورجال الدين، وغيرهم، يجيدون اللغة العربية تماما؛ سواء في المحادثة أو قواعد النحو والصرف، وأنا شخصيا أرى سبب إجادتهم للغة العربية هو ظروف تلك الفترة في الخمسينات والستينات والسبعينات وحتى الثمانينات. فالصينيون كانوا يدرسون اللغة العربية ويسافرون من أجلها، حتى يعودوا لممارسة أعمالهم التي تنتظرهم في بلادهم أو خارجها، وكانت الأعمال محددة، والخيارات قليلة، والمغريات أقل، فكان لا بد من النجاح في إجادة اللغة وممارستها بالعمل الذي لا يترك مجالا للخطأ. ينبغي أن نشير هنا إلى خصائص معينة للمجتمع الصيني، منها العدد الهائل للسكان وهو ما يعني شراسة المنافسة على فرصة العمل التي يجب إلا تضيع، وخاصية الاستقرار الوظيفي. الصينيون من الجيلين المذكورين أعلاه- القديم والمتوسط- يبقون في وظائفهم لعشرات السنين، حتى سنّ التقاعد. الأمر قد تغير الآن في ظل النمو الكبير وكثرة الخيارات والمغريات. ولا بد من العمل على تعزيز جاذبية وحيوية اللغة العربية في الصين التي بدأت فعلا بتعزيز حضور لغتها من خلال معاهد كونفوشيوس بالكثير من الدول العربية. أمام العرب والصينيين فرص كثيرة لتعزيز التعاون لمستويات أعلى، وهنا تبرز الحاجة الماسة للعمل المشترك لدفع مستوى اللغة العربية وواقعها في الصين، خاصة أن لدينا الأساس التاريخي المتين والعلاقات الحيوية الحالية وآفاق تطورها وجاذبية فرصها.