من تواضع لله رفعه
مرة أخرى أقول إن الصفة الجديرة بالملاحظة هي التواضع، رغم ما وصلته الصين من مكانة دولية بارزة في مختلف المجالات. ولكنها ظلت "الدولة الكبيرة مثل البحر الواسع الذي يستقبل مئات الجداول، والدولة الكبيرة التي عليها أن تكون مثل الحوض الأسفل للنهر، حيث تلتقي كل مياه الأرض، والدولة الكبيرة التي تهدف لاحتضان الجميع ورعايتهم، والدولة الكبيرة التي عليها أن تبدي التواضع أولا وقبل غيرها." إن ما وضعته بين قوسين هو من مبادئ الطاوية، وهو ما تضعه الصين نصب عينيها وهي تسعى لتنمية البلاد، وتطورها لتتلاءم مع واقع القرن الجديد، حيث الفرص وحيث التحديات.
رئيس مجلس الدولة الصيني يستقبل الخبراء الأجانب يوم 5 فبرارير 2016
لقد أقيمت ندوة تشاورية مؤخرا في بكين في الخامس من فبراير/شباط هذا العام 2016، قبيل عيد رأس السنة الصينية القمرية الجديدة، ونظمها مكتب الخبراء الأجانب في الصين، ودعا إليها مجموعة يقترب عددها من 80 شخصا من الخبراء الأجانب والصينيين المختصين بقضايا اقتصادية وعلمية وبيئية وأكاديمية وغيرها.
حضر الندوة رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ، الذي أعرب عن تهانيه للحاضرين بمناسبة رأس السنة القمرية الجديدة، وشكره لإسهاماتهم، وحرصه على الاستماع إليهم أولا، قبل أن يتحدث معلقا على ملاحظاتهم ومجيبا على استفساراتهم، مؤكدا أن الصين تعتز بمساهماتهم كثيرا، وتفتح أبوابها أمام كل طاقة وكفاءة تسهم في رفد مسيرة الصين بالإصلاح والانفتاح والتنمية ومواجهة التحديات التي باتت عالمية، خاصة في المجالات الاقتصادية والبيئية. وخلال الندوة، ظل رئيس مجلس الدول الصيني يصغي باهتمام لآراء المتحدثين، ويدوّن الملاحظات بنفسه رغم وجود سكرتيره الشخصي. وكلما أكمل أحد المتحدثين ملاحظاته، شكره السيد لي كه تشيانغ، وطلب منه باحترام وتواضع أن يعطيه ورقة الملاحظات ليبحثها بتمعن أكثر، ويوصي بها المختصين من واضعي السياسات في الحكومة الصينية.
وكان من بين الحضور بروفيسور حائز على جائزة نوبل بالاقتصاد، وصحافي حاصل على جائزة بوليتزر، وخبير في التحول الاقتصادي، وآخر في التصميم الصناعي، وآخرون تنوعت اختصاصاتهم، وحرص رئيس الحكومة الصينية على الإصغاء إليهم، ثم بدأ يعلق على ملاحظاتهم ويجيب على الأسئلة المطروحة عليه، وتركزت على التحديات التي تواجهها الصين في مجال التنمية الاقتصادية المستدامة وحماية البيئة وتوازن سعر صرف العملة الصينية الرنمينبي(اليوان)، ومساعي الصين لتعزيز الطلب المحلي وحفز حيوية السوق وتعزيز عدالة المنافسة فيها، وعملية الحضرنة وتحديث الأرياف والعمليات الزراعية، وتطبيقات تكنولوجيا المعلومات.
ومن خلال حديثه وتفاعله مع الحضور، تجسدت أمامي صفة التواضع التي نتحدث عنها، وبرزت حقيقة أن المُطلع على ظروف الصين وواقعها ومسئولياتها المحلية والعالمية، يدرك حجم المهمة الجسيمة على عاتق الحكومة الصينية.
الجدير بالذكر هنا أن في الصين آلية تشاورية واسعة تتجسد بالمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، والذي له المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، والمجالس التشاورية المحلية في كافة أرجاء الصين، حيث تلعب دورا حيويا هاما في الحياة السياسية بالبلاد. وهناك أيضا تقاليد تشاورية راسخة بالقِدم وبالممارسة، وتقوم على أساس المشاورات بالقواعد الشعبية بالقرى والبلدات، وترتقي لمستويات أعلى وصولا للقيادة، إما عن طريق مجلس نواب الشعب(البرلمان) أو المجلس الاستشاري. وفي حالة القرارات الوطنية الهامة، تطرح مسوداتها على الجماهير بأساليب مختلفة، ومنها ما تطور مؤخرا على الإنترنت، حيث يشارك أكبر عدد ممكن من المواطنين في مناقشتها، وإبداء الرأي فيها، وتقوم الجهات المعنية بمتابعتها جديا، وأخذ آراء الناس بعين الاعتبار.