غزة 29 ديسمبر 2014 / دفع فشل مبادرة أمريكية لاحياء مفاوضات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل التي شنت هجوما عسكريا واسع النطاق على قطاع غزة خلال صيف العام 2014 بمزيد من التأزم في الصراع التاريخي الممتد بينهما منذ عدة عقود.
ولم يحمل عام 2014 جديدا بشأن مسار تحقيق السلام المتعثر بين الجانبين ، إذ انهارت مفاوضات ثنائية استمرت تسعة أشهر في نهاية مارس الماضي من دون تحقيق أي اختراق ملموس.
في المقابل ، كثفت إسرائيل من خطط البناء الاستيطاني في الضفة الغربية وشرقي القدس رغم غضب الفلسطينيين وتحذيراتهم بشأن مخاطر ذلك على حل الدولتين المفترض للسلام.
فراغ سياسي
يرى رئيس مؤسسة الدراسات الديمقراطية في رام الله بالضفة الغربية جورج جقمان، أنه لم تكن هناك عملية سلام في العام 2014 ، وما جرى مجرد فتح مسار سياسي الهدف منه إجراء مفاوضات دون أن تؤدي بالضرورة إلى التوصل لاتفاق من منظور الحكومة الإسرائيلية.
ويقول جقمان ، لوكالة أنباء ((شينخوا)) ، إن "من أفشل المفاوضات هو الحكومة الإسرائيلية التي وضعت العراقيل بكافة السبل وهو فشل يكرس استمرار الصراع الذي بات مفتوحا أمام خيارات رد الفعل على الأرض في ظل الجمود السياسي الحاصل".
واقتصرت مفاوضات السلام المذكورة طوال فترتها على لقاءات غير منتظمة بين وفدين فلسطيني وإسرائيلي للتفاوض من الجانبين من جهة ولقاءات واتصالات أمريكية مع الجانبين كل على حدة من جهة أخرى.
لكن وطوال فترة المفاوضات لم يعلن عن إحراز أي تقدم ملموس.
واشتكى المفاوضون الفلسطينيون من رفض إسرائيل المناقشة الجدية لقضايا الوضع النهائي المحددة بين الجانبين، خصوصا رفضها تقديم خارطتها للاتفاق على ملف الحدود.
وبحسب المفاوضين الفلسطينيين،فإن إسرائيل عمدت خلال لقاءات المفاوضات إلى مجرد فرض مواقفها من قضايا الترتيبات الأمنية دون التعاطي مع ملفات رئيسية مثل القدس واللاجئين.
في المقابل ، اشتكى المسؤولون الإسرائيليون، من رفض الفلسطينيين التجاوب مع مطلب الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وأصروا على أن ذلك يعد أساسا لأي فرص للتوصل إلى اتفاق سلام.
جمود متوقع
وترك فشل المبادرة الأمريكية المذكورة لتحريك عملية السلام تقديرات سياسية ووقائع ميدانية بشأن تعثر جهود استئناف المفاوضات في المستقبل القريب واستبعاد استئنافها قريبا.
ويأتي ذلك رغم أن نهاية العام شهدت انهيار الائتلاف الحاكم في إسرائيل وقرارا بالتوجه لانتخابات مبكرة مقررة في مارس المقبل وترجح استطلاعات الرأي فوز أحزاب اليمين فيها.
ويقول جقمان بهذا الصدد، إن التوجه العام في إسرائيل هو باتجاه اليمين لعدة أسباب أهمها أن إسرائيل لا تدفع ثمن الاحتلال ولا تجابه بضغوط دولية وبالتالي فإنها تتصرف من منطلق موازين القوى السياسية والميدانية ضد الفلسطينيين.
ويضيف "لا نتوقع أن يتغير وضع موازين القوى في المستقبل القريب بما يسمح باستئناف مفاوضات جديدة يمكن من خلالها توقع أن تقدم أحزاب اليمين الإسرائيلية تنازلات جدية لتحقيق السلام في مواقفه المتطرفة ".
ويشدد جقمان، على أن أوراق القوة لدى الفلسطينيين تتطلب الضغط على إسرائيل سياسيا عبر متابعة الانضمام لمؤسسات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
التوجه للأمم المتحدة
وقع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 31 مارس الماضي على مواثيق الانضمام إلى 15 معاهدة دولية بموجب ترقية مكانة فلسطين في نوفمبر 2012 إلى دولة مراقب غير عضو بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وهدد الفلسطينيون بالتوجه إلى أكثر من 400 منظمة ومعاهدة دولية يمكنهم الانضمام إليها وهي خطوات ترفضها إسرائيل بشدة وتعتبرها خطوات أحادية لا تخدم عملية السلام.
وزاد الفلسطينيون من تهديداتهم بالانضمام إلى منظمات الأمم المتحدة ومن بينها محكمة الجنايات الدولية مع تصعيد إسرائيل أنشطتها الاستيطانية وتغيير الأمر الواقع في الجزء الشرقي من القدس.
وخلال الشهر الجاري قدم الفلسطينيون مشروع قرار فلسطينيا عربيا إلى مجلس الأمن الدولي ينص على تحديد سقف زمني لإقامة الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي خلال مدة ثلاثة أعوام.
ولم يحصل مشروع القرار الفلسطيني حتى الآن على التسعة أصوات اللازمة لضمان تمريره للتصويت في مجلس الأمن كما أن الإدارة الأمريكية تعارضه وتفضل التوصل إلى حلول للصراح الفلسطيني اللإسرائيلي عبر المفاوضات المباشرة بين الجانبين.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت في رام الله أحمد رفيق عوض، إن الفشل الأخير المتكرر لمفاوضات السلام والجمود السياسي الحاصل أدى إلى تأجيج الصراع وخلق فراغ سياسي يخدم إسرائيل فقط.
ويشير عوض ل((شينخوا))، إلى أن هذا الوضع دفع برد فعل من قبل القيادة الفلسطينية عبر طرح مشروع قرار على مجلس الأمن، والتهديد بالانضمام لمنظمات الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية في حال فشل ذلك.
ويرى عوض، أن المسعى الفلسطيني لتدويل الصراع مع إسرائيل يستهدف خصوصا تعبئة الفراغ السياسي في غياب أي تقدم سياسي ومواجهة سياسات الاستيطان وفرض إسرائيل أمرا واقعا يقوض عمليا فرص حل الدولتين.
اعترافات برلمانية
وفي خضم انتظار موقف دولي أكثر جدية تجاه حل قضيتهم ، رحب الفلسطينيون خلال الربع الأخير من العام 2014 بسلسلة اعترافات أوروبية بحقهم في دولة مستقلة لهم على الأراضي المحتلة عام 1967.
وبادرت إلى هذه الخطوة السويد التي أعلنت حكومتها الاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية، تلاها قرار رمزي بالاعتراف صدر عن برلمانات بريطانيا واسبانيا وفرنسا والبرتغال وايرلندا مع ترقب خطوات مماثلة من دول أوروبية أخرى.
وبهذا الصدد يقول عوض، إن الاعترافات الأوروبية خطوات جيدة لكنها رمزية بحيث أنها لا تشكل ضغطا كافيا على إسرائيل ولا تغير من معادلة الصراع القائمة على الأرض.
لكنه يشدد في الوقت ذاته، على أهمية الاعترافات الأوروبية في المساهمة في تراكم المواقف الدولية المؤيدة للفلسطينيين وتعاظم مقاطعة إسرائيل وعزلتها السياسية في سياق الضغط عليها لتحقيق السلام.
الهجوم على غزة
بموازاة التعثر السياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن العام 2014 شهد تصاعدا في التوتر الأمني بين الجانبين في الضفة الغربية والقدس وبلغ ذروته مجددا في قطاع غزة.
وبدأ منحنى الأحداث بالتصاعد مع خطف ناشطين من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ثلاثة إسرائيليين وقتلهم قرب الخليل في جنوب الضفة الغربية بدعوى محاولة مبادلتهم بأسرى فلسطينيين لدى إسرائيل.
وردت إسرائيل على الحادث بشن حملة اعتقالات واسعة النطاق شملت نواب وقيادات حماس في الضفة الغربية، قبل أن تنتقل حوادث التوتر تدريجيا إلى قطاع غزة.
وأطلقت إسرائيل عملية "الجرف الصامد" ضد قطاع غزة في الثامن من يوليو لتستمر حتى 26 أغسطس الماضيين وخلفت مقتل أكثر من 2140 فلسطينيا مقابل مقتل 71 إسرائيليا.
والهجوم هو الثالث الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة منذ سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على الأوضاع في القطاع بالقوة منتصف عام 2007 بعد جولات اقتتال مع القوات الموالية للسلطة الفلسطينية.
غير أن الهجوم الأخير وصف بالأعنف خصوصا لجهة الدمار الهائل الذي خلفه في البني التحتية لقطاع غزة إلى جانب تدمير أكثر من 18 ألف وحدة سكنية بشكل كلي، وأكثر من 30 ألفا بشكل جزئي.
وانتهى الهجوم الإسرائيلي بإعلان مصر اتفاقا جديدا لوقف إطلاق النار تضمن وقف الهجمات المتبادلة مع رفع حصار إسرائيل قطاع غزة المتواصل منذ ثمانية أعوام بما في ذلك السماح بإعادة إعمار القطاع.
وفي أكتوبر الماضي تعهدت الدول المانحة بجمع مبلغ 5.4 مليار دولار للفلسطينيين على أن يخصص نصفه لصالح إعادة إعمار قطاع غزة وذلك خلال مؤتمر دولي عقد في القاهرة.
لكن عمليا لم يتم حتى الآن المباشرة بإعادة الإعمار كما لم يطرأ تحسن ملحوظ على عمل معابر غزة التجارية وسط شكاوى من تصاعد الأزمات المعيشية والاقتصادية لسكان القطاع.
ويشتكى الفلسطينيون في غزة من أن اتفاق وقف إطلاق النار لا يزال حبرا على ورق ولم يتم تطبيق أي من بنوده باستثناء وقف التوتر الأمني، وبالتالي فإنه يبدو معلقا بسبب انشغال مصر بوضعها الداخلي و"تلكؤ" إسرائيل برفع الحصار.
وحذرت حركة حماس وجناحها العسكري (كتائب القسام) في عدة مناسبات من أن استمرار تعطيل إعمار قطاع غزة وإبقاء الحصار قائما على القطاع سيكون سببا في تفجر الموقف مع إسرائيل.
وشهد الشهر الجاري غارة شنها الطيران الإسرائيلي على موقع تدريب لمسلحين فلسطينيين بعد إطلاق صاروخ على إسرائيل وتلى ذلك بأيام اشتباك مسلح عند السياج الفاصل بين الجانبين أسفر عن مقتل ناشط في كتائب القسام وجندي إسرائيلي مما ينذر بعودة العنف.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة (الأمة) في غزة عدنان أبو عامر ل((شينخوا))، أن الوضع في غزة ما بعد المواجهة الأخيرة مع إسرائيل "أضر بحماس التي تجد أن ما قدم من تضحيات بشرية وخسائر مادية في القطاع لم يحقق نتائج كانت تسعى إليها".
ويشير أبو عامر، إلى أن حماس "أمام خيارات صعبة غير أن ما تصدره من تهديدات بتفجر الموقف في غزة هي للضغط على صناع القرار في إسرائيل وتنبيه المجتمع الدولي بخطورة تداعيات استمرار الحصار".
وبحسب أبو عامر ، رغم الحوادث التي جرت خلال الشهر الجاري فإنه من المستبعد على المدى القريب اندلاع مواجهة جديدة "في ظل عدم قدرة الوضع الداخلي الفلسطيني على تحمل مواجهة جديدة، وأن الأطراف الدولية والإقليمية منشغلة عن الملف الفلسطيني حاليا".
استمرار جمود المصالحة
يأتي تفاقم تدهور أوضاع قطاع غزة مع استمرار جمود ملف المصالحة الفلسطينية بين حركتي حماس والتحرير الوطني الفلسطيني (فتح) رغم أن العام 2014 شهد اختراقا بتشكيل حكومة وفاق وطني.
وجرى إعلان الحكومة من شخصيات مستقلة رسميا مطلع يونيو الماضي وتلاه إعلان حكومة حركة حماس المقالة السابقة عن حل نفسها دون أن يسهم ذلك في تقدم جدي في ملف المصالحة.
إذ أن الحكومة لم تعقد سوى اجتماعا وحيدا في غزة بعد ذلك بأربعة أشهر، ويقول مسئولو الوزارات في غزة إنها لم تعمل على توحيد المؤسسات مع القطاع كما لم تصرف موازنات تشغيلية ورواتب للموظفين بشكل منتظم.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة (الأزهر) في غزة مخيمر أبو سعدة ل((شينخوا))، إن تشكيل حكومة الوفاق شكل أول إجراء عملي حقيقي لتنفيذ تفاهمات المصالحة غير أن الحكومة "فشلت" في القيام بمهامها.
ويعتبر أبو سعدة، أن حكومة الوفاق "أهملت غزة وأوضاعها"، فيما منع استمرار الخلافات السياسية وعدم المضي في خطوات المصالحة في تمكين الحكومة من بسط سيطرتها على قطاع غزة.
وبناء على ذلك يرى أبو سعدة، أن "المصالحة تراوح مكانها ودخلت في نفق جديد يكرس الخلافات الداخلية بسبب أنه لا يوجد قرار استراتيجي لدى فتح وحماس بإنهاء الانقسام بل مجرد إدارة له دون حلول جذرية للوضع القائم".
ويشدد أبو سعدة، على أن ضغوط وتدخلات خارجية ما تزال تحول من دون إنجاح المصالحة خصوصا في ظل المعاداة الإقليمية لجماعات الإسلام السياسي، فيما المطلوب تمكين حكومة الوفاق من أداء مهامها في غزة والمضي جديا في حل معالجة باقي الملفات العالقة للمصالحة.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn